الحزب الإسلامي الماليزي: مسيرة التحولات السياسية

الحزب الإسلامي الماليزي: مسيرة التحولات السياسية


23/10/2021

إسلام المنسي

يعد الحزب الإسلامي الماليزي من الأحزاب الفاعلة في الساحة السياسية في ماليزيا وقد تأسس في الخمسينيات، وتأثر كثيراً بفكر رموز جماعة الإخوان لكن قادته يؤكدون أنهم تأثروا كذلك بالجماعات الإسلامية الأخرى حول العالم كالتبليغ والدعوة وغيرها.

وبعد استقلال البلاد عام 1957، سعى الحزب إلى المشاركة في الحياة السياسية، فخاض انتخابات عام 1959 وكانت قواعده الأساسية في المناطق الريفية في شمال البلاد، وفاز ثلاثة عشر من مرشحيه بعضوية مجلس النواب، كما فاز بالأغلبية في برلماني ولايتي كلنتن وترينجانو.

لكن الحزب تضاءل تمثيله البرلماني في الانتخابات التالية وواجه محنة كبيرة بسبب توجهاته المناصرة للتكامل مع إندونيسيا المجاورة، والدعوة لإقامة كيان إسلامي في جنوب شرقي آسيا على حساب الانتماء الوطني الماليزي، وتصادم مع حكومة رئيس الوزراء تنكو عبد الرحمن الذي تلقى دعمًا غربيًا ضد إندونيسيا، بخاصة من بريطانيا، أثناء المواجهات العسكرية على الحدود بين الدولتين في الستينيات.

وفي انتخابات عام 1969، حصل الحزب على 12 مقعدًا في البرلمان واحتفظ بولاية كلنتن وتعزز موقفه في ولايتي ترينجانو وقدح وشارك في الحكومة لأول مرة، لكن في عام 1978 خسر الانتخابات واتهم الحكومة بالتزوير، وكان عقد الثمانينيات فترة تراجع وضعف للحزب، لكنه كان أيضًا فترة إعادة تأسيسه على يد رئيسه يوسف راوا الذي كان سفيرًا لبلاده في إيران عام 1979 حين نجحت الثورة بقيادة روح الله الخميني، وتأثر راوا بهذا المشهد ولما عاد إلى بلاده وضع برنامجًا للعمل على تطبيق الشريعة وأصبح للفقهاء كلمة نافذة في الحزب، فاللجنة المركزية المنتخبة من قبل المؤتمر العام تنتخب مجلس الشورى من بين علماء الدين، وهؤلاء قراراتهم ملزمة للحزب، وقرر مناهج تربوية أكثر صرامة وابتدع منصب المرشد، وتولى هذا المنصب حتى عام 1989 حيث اعتزل القيادة لأسباب صحية.

وفي عام 1990، استطاع الحزب استعادة ولاية كلنتن معقله الرئيسي ولم يخسرها أبدًا بعد ذلك. وفي عام 1999، أضاف إليها ولاية ترينجانو التي أصبح القيادي في الحزب عبد الهادي أوانج رئيس وزرائها. ثم ما لبث عام 2002 أن تولى أوانج رئاسة الحزب، وما زال يقوده حتى اليوم.

ويعد أوانج من الجناح الأكثر تشددًا في الحزب، فقد درس في المملكة العربية السعودية وتتلمذ على يد محمد قطب، شقيق المفكر الإسلامي الشهير سيد قطب، كما كان من المقربين من يوسف راوا.

وتراجع الحزب في عهد أوانج. ففي 2004، تعرض لهزيمة مدوية في الانتخابات البرلمانية ولم يبقَ له سوى كلنتن. وفي 2008 ،وصل إلى حكم ولايتي قدح وترينجانو، لكنه خسرهما مرة أخرى في 2013.

قانون الشريعة

منذ عام 2013، تبنى الحزب بقوة مشروعًا لتطبيق الحدود في كلنتن، وأعلن أوانج أنه لن يتعاون إلا مع الأطراف التي تؤيد تطبيق الشريعة. وبسبب هذه المساعي، تفكك تحالف المعارضة الذي ضم حزب العمل الديمقراطي الصيني، وحزب العدالة الشعبية بقيادة زوجة رئيس الوزراء السابق أنور إبراهيم، وخرج الحزب الإسلامي من التحالف ليدخل مكانه حزب جديد أسسه قادة منشقون عنه لهم ميول ليبرالية عام 2015.

وفي حين ارتفعت أسهم الحزب بين المسلمين في الولايات الشمالية، ثارت ثائرة المعارضين لتطبيق الحدود، لا سيما في ولايتي صباح وسراواك اللتين تضمان نسبة كبيرة من أتباع الأديان الأخرى، ولم تفلح تأكيدات الحزب على أنه يسعى لتطبيق الحدود في ولاية واحدة فقط من بين 13 ولاية في البلاد، وأنها لن تطبق سوى على المسلمين ولن تؤثر على حق أتباع الأديان الأخرى في التحاكم أمام القضاء المدني.

وحذر المعارضون للقانون من أنه سيكون فقط الخطوة الأولى لتعميم تطبيق الشريعة على كامل البلاد، لا سيما وقد ظهرت مطالبات من بعض الفقهاء بتعديل القانون المقترح ليشمل كل الولايات.

وفشل الحزب في تمرير القانون في البرلمان بعد عجزه عن إقناع الأحزاب الأخرى بتأييده إجراء التعديل الدستوري المطلوب الذي يتطلب موافقة أغلبية الثلثين، ودون إقرار هذا التعديل لا يستطيع الحزب تطبيق الشريعة في كلنتن، إذ يعطي الدستور لحكومات وبرلمانات الولايات بعض الصلاحيات المحدودة، إلا أن نظام العدالة الجنائية موحد، ولا يمكن تعديله إلا بموافقة البرلمان الاتحادي.

 واتخذت حكومة ولاية كلنتن التي يسيطر عليها الحزب هذا القرار منذ 1993، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن بسبب العقبات الدستورية. وتطبق الولاية بعض الإجراءات الدينية في حدود سلطتها، فتعمل على منع الاختلاط بين الجنسين، وتحظر الإعلانات التي تحتوي على صور نساء بزي غير محتشم.

التحالف مع «أمنو»

بعد السقوط المدوي لحزب «أمنو» الذي ظل في السلطة منذ استقلال البلاد حتى عام 2018، حدث تقارب بينه وبين الحزب الإسلامي في مواجهة جبهة الأمل التي قادها رئيس الوزراء المخضرم، مهاتير محمد، إلى عام 2020 عندما استقال مهاتير من أجل تشكيل حكومة جديدة، لكن محيي الدين ياسين، زعيم حزب «أبناء الأرض» استطاع انتزاع منصب رئاسة الوزراء بمساعدة الملك.

وحصل تقارب بين الأحزاب الثلاثة: «أمنو»، و«أبناء الأرض»، و«الحزب الإسلامي»، رغم الخلاف في التوجهات السياسية، فالحزبان الأولان لهما توجه قومي، لكن بما أن معظم المسلمين هم من أبناء العرق المالاوي فقد تأسس هذا التحالف بهدف الحفاظ على بقاء السلطة في يد الأغلبية المالاوية المسلمة.

وأسس محيي الدين ياسين في 10 مارس/آذار 2020 حكومة ائتلافية مع حزبي أمنو والحزب الإسلامي الذي أسهم نوابه الثمانية عشر في ترجيح كفة الائتلاف، وشارك ثلاثة نواب من الحزب الإسلامي في الحكومة فتولوا وزارة البيئة والمياه ووزارة السلع والصناعات الزراعية، والوزير الثالث بلا حقيبة، وكذلك خمسة نواب وزراء.

ومع تولي إسماعيل صبري يعقوب رئاسة الوزراء خلفًا لياسين في أغسطس/آب بعد اعتماد الملك لحكومته، احتفظ بكثير من الوجوه حتى سُميت وزارته «حكومة الفرصة الثانية»، وضمت ثلاثة وزراء من الحزب الإسلامي هم تقي الدين حسن وزير الموارد الطبيعية والطاقة، بعد أن كان وزيرًا بلا حقيبة في وزارة محيي الدين ياسين، ونائبي رئيس الحزب، فتولى إدريس أحمد وزارة الشؤون الدينية، وتولى توان إبراهيم توان مان حقيبة البيئة والمياه، وهي نفس الحقيبة التي شغلها في الوزارة السابقة.

ويعيش الحزب اليوم أزهى عصوره، فهو يحكم ولايات كلنتن وترينجانو وقدح، ويشارك في حكم ولايتي جوهور وبيراك، وله 91 عضوًا في المجالس التشريعية ينتشرون في معظم الولايات، ويمتلك 18 من أصل 222 مقعدًا في البرلمان، إلا أنه أصبح عرضة لانتقادات خصومه الذين اتهموه بالتخلي عن الضغط لإقرار قانون تطبيق الشريعة كثمن لانضمامه إلى الحكومة.

عن "إضاءات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية