"زواج المساكنة" للتملّص من القانون الإسرائيلي بحظر تعدّد الزوجات

"زواج المساكنة" للتملّص من القانون الإسرائيلي بحظر تعدّد الزوجات


22/03/2022

في محاولة للالتفاف على القانون الإسرائيلي، الذي يحظر تعدّد الزوجات لدى السكان العرب في النقب، جنوب فلسطين، المحتلة، وبهدف تجنّب إلحاق عقوبة الحبس الذي تتجاوز خمسة أعوام، ودفع غرامة مالية بحق الرجال المخالفين، يلجأ العديد من السكان البدو للزواج من امرأة ثانية عبر ما يسمى "زواج المساكنة"، والذي ينتشر داخل المجتمع البدوي، من خلال إبرام وثيقة يتم التصديق عليها من قبل محامٍ، دون اللجوء إلى عقد هذا الزواج داخل المحاكم الشرعية.

اقرأ أيضاً: زواج القاصرات بين الموروثات الدينية ووطأة الفقر

وزواج المساكنة يقوم على علاقة زوجية كاملة دون أيّة أوراق رسمية؛ حيث يعيش الطرفان في منزل واحد ويلتقيان في أوقات محددة، ويمكن بعدها أن يعود كلّ منهما ليبيت في منزل أهله، وغالباً ما يتم الاتفاق على عدم الإنجاب، ويبرر أنصار هذا النوع من العلاقات تصرفهم بأنّهم يفعلون أمراً شرعياً شبيهاً بالزواج الشرعي.

وكان الكنيست الإسرائيلي قد صادق، في 27 أيار (مايو) 2019، على قانون يقضي بمنع ظاهرة تعدّد الزوجات بين العرب، خاصة داخل العشائر البدوية بالنقب، حيث لا يتم تسجيل زوجة ثانية، أو أكثر، في السجل السكاني.

يلجأ العديد من السكان البدو للزواج من امرأة ثانية عبر ما يسمى "زواج المساكنة"

واعترفت الشرطة الإسرائيلية والنيابة معاً بأنّهما عجزتا، حتى اللحظة، عن تطبيق قانون حظر تعدّد الزوجات في المجتمع البدوي، وذلك رغم مرور ثلاثة أعوام على صدور تعليمات مستشار الحكومة القضائي الذي شدّد على ضرورة تطبيق القانون المذكور.

تقارير: نسبة زواج المساكنة لدى بدو النقب تتراوح ما بين 20% إلى 40%، كما أنّ 75% من الرجال متعددي الزوجات قد تزوجوا من امرأة أخرى واحدة فقط

وقال مندوبو الشرطة والنيابة، في الجلسة التي عُقدت في وزارة العدل، خلال أيار (مايو) الماضي، واطّلعت على مضمونها صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية؛ إنّ الرجال متعدّدي الزوجات ينجحون بالتملّص من العقاب بواسطة التلاعب بالقانون بطرق مختلفة، من بينها تسجيل هذا النوع من الزيجات على أنّها مساكنة، بالإضافة للطلاق الوهمي، حيث قدّمت النيابة العامة، ووفق المعطيات التي عُرضت في الجلسة المذكورة، ومنذ عام 2018، لوائح اتهام ضدّ 4.5% من الرجال متعددي الزوجات الذين تزوجوا بعد صدور تعليمات مستشار الحكومة القضائي.

اقرأ أيضاً: تبلغ من العمر 12 عاماً.. زواج طفلة يثير ضجة كبيرة في العراق ‎

ووفق معطيات دائرة الإحصاء المركزية، هناك ما يقارب الـ 6 آلاف و680 رجلاً مُتعدّد الزوجات في لواء الجنوب فقط "النقب"، حيث زاد عدد هؤلاء الرجال، خلال الأعوام 2017  و2018 و2019، بما يعادل الـ 834 رجلاً.

ويبلغ عدد السكان في إسرائيل 9 ملايين و327 ألف نسمة، بينهم 6 ملايين و894 ألف يهودي، ويشكّلون قرابة 74%، بينما عدد العرب مليون و966 ألف نسمة، ويشكلون ما نسبته نحو 21%، علماً أن هذا المعطى يشمل الفلسطينيين في القدس المحتلة والسوريين في هضبة الجولان المحتلة.

ظاهرة منتشرة

وترى الناشطة السياسية والاجتماعية في جمعية "نساء من أجل الحياة"، صفاء شحادة لـ "حفريات"؛ أنّ "تعدّد الزوجات ظاهرة منتشرة، مع الأسف، في المناطق الجنوبية في مدن وقرى النقب، حيث إنّ القانون الإسرائيلي يعترف بزوجة واحدة فقط، وفي حال قرّر الزوج الارتباط بأكثر من سيدة، فهنّ يعتبَرن في إطار زواج المساكنة أو ما يعرف بزواج (الصاحبة)".

الناشطة السياسية والاجتماعية في جمعية "نساء من أجل الحياة"، صفاء شحادة: تعدّد الزوجات ظاهرة منتشرة

 وأوضحت شحادة أنّ "السلطات الإسرائيلية تعترف بهؤلاء النسوة قانونياً، للحصول على النفقة الماليّة لأطفالهن، في حال حصل إنجاب من هذا الزواج، وفي الوقت نفسه قد تلجأ إلى إيقاع العقوبات بحقّ الزوج لمخالفته القوانين الإسرائيلية بتعدّد الزوجات".

اقرأ أيضاً: محلل شرعي: تزوجت من 33 امرأة لإعادتهن إلى أزواجهن.. ماذا عن الإفتاء؟

وتابعت: "على الرغم من المخالفة القانونية لتعدّد الزوجات، إلا أنّ مؤسسة التأمين الوطني تعامل العائلات متعددة الزوجات كأسرة واحدة ممتدة وواسعة، وذلك لتجنّب دفع مبالغ مالية لكلّ شخص وطفل داخل الأسرة على حدة، وذلك بناءً على حسابات مادية بحتة، للتقليل من حجم النفقات والأعباء على الدولة في ظلّ انتشار هذه الظاهرة بنسبة كبيرة".

عادات وتقاليد بدوية

شحادة أكّدت أنّ "المشكلة الأكبر تكمن في حال كون الزوجة من حملة البطاقة الشخصية الخضراء، وهو يعني أنّها كانت تعيش في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث لا تعترف بها السلطات الإسرائيلية، سواء كانت زوجة أولى أو ثانية أو حتى ثالثة، ولا يتم منحها إقامة مؤقتة، وقد يصل الأمر لطردها من داخل إسرائيل نحو مناطق السلطة الفلسطينية".

الناشطة النسوية من النقب رويدا أبو زغلة، لـ "حفريات": زواج المساكنة شرعي، لكن لا يتم توثيقه في الدوائر الرسمية، لمخالفته قانون التعدد بحسب القانون الإسرائيلي

وأوضحت الناشطة السياسية والاجتماعية؛ أنّ "تعدد الزوجات في النقب ينبع من العادات والتقاليد البدوية، والتي تشرعن ظاهرة التعدد لمختلف الأجيال، إلا أنّ هذه الظاهرة لا تخفي الإهمال المتعمد الذي قد تتعرض له بعض النسوة، واللاتي يتمتعن بمعاملة جيدة خلال فترة قصيرة من الزواج، ومن ثم يبدأ زوجها بإهانتها وضربها، وممارسة العنف النفسي والجسدي عليها، حيث تضطر لتحمّل هذا العنف في سبيل بقائها مع أبنائها".

الاحتيال ومخالفة قانون التعدد

من جهتها، أكدت الناشطة النسوية من النقب، جنوب فلسطين المحتلة، رويدا أبو زغلة، لـ "حفريات"؛ أنّ "زواج المساكنة شرعي، لكن لا يتم توثيقه في الدوائر الرسمية، لمخالفته قانون التعدد بحسب القانون الإسرائيلي، وهو ظاهرة منتشرة في المجتمع العشائري في النقب، بهدف تشجيع الأسرة الواحدة على التمدّد والاتساع، وزيادة النسل بين أبنائها، لاعتبارات التباهي والتفاخر بأعداد الأسر داخل العشيرة الواحدة".

تعدد الزوجات في النقب ينبع من العادات والتقاليد البدوية

وتضيف أبو زغلة؛ أنّ "رغبة بعض السكان في النقب بالزواج من عدة نساء يأتي من رغبة العشائر البدوية القوية على زيادة النسل داخل العشيرة الواحدة، حيث تلجأ هذه العائلات لحثّ أبنائها على تعدّد الزوجات والارتباط بأكثر من امرأة لتحقيق هذا الهدف، دون الاكتراث لرفض الزوجة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة لهذا الزواج، والذي قد يتسبب بمشاكل أسرية مختلفة قد تصل إلى حدّ الطلاق".

اقرأ أيضاً: ما قصة زواج "البارت تايم" في مصر؟ وما رأي دائرة الإفتاء؟

وبيّنت إلى أن "زواج المساكنة يأتي أيضاً للتحايل على مؤسسة التأمين الوطني لدفع المخصصات المالية لهذه الأسر، إلا أنّ السبب الرئيس للجوء لهذا الزواج هو تجاوز قانون حظر تعدّد الزيجات، والذي يجرم مرتكبيها بالحبس ودفع غرامة مالية، وذلك في محاولة إسرائيلية لتحجيم هذه الظاهرة المنتشرة، بالتالي، تقليص أعداد المواليد لدى العشائر البدوية، لقلب الميزان الديموغرافي لصالح السكان اليهود بالنقب".

الاحتيال على القانون

أبو زغلة أوضحت أنّ "مؤسسة التأمين الوطني تنظر للعائلة متعددة الزوجات كأسرة واحدة ممتدة، كما أنها لا تلزم الرجل بدفع نفقة الزوجة بالمساكنة في حال قام بطلاقها، ولكنها ملزمة بشكل رئيس بدفع نفقة أطفالها، وهو ما يدفع بالنساء للقبول قسراً بتعدد الزوجات".

,تابعت إلى أنّ "تقارير بحثية خلال العام الماضي أظهرت إلى أنّ نسبة زواج المساكنة وسط العرب البدو في النقب تتراوح ما بين 20% إلى 40%، كما تبيّن أنّ 75% من الرجال متعددي الزوجات قد تزوجوا من امرأة أخرى واحدة فقط".

اقرأ أيضاً: أرقام صادمة... زواج الأطفال يتزايد في إيران

وبيّنت الناشطة النسوية؛ أنّ "السلطات الإسرائيلية لا تعترف بتعدّد الزوجات، وتعدّ زواج الفتيات أو المرأة من رجل متزوج باطلاً، وتقوم باتهام المرأة أو الفتاة بالاحتيال على القانون، في حين لا تستطيع الزوجات الإبلاغ عن أزواجهن لدى السلطات القضائية والأجهزة الشرطية الإسرائيلية، وذلك تجنباً لاعتقال أزواجهن، والزجّ بهم خلف أقبية المعتقلات، بتهمة تعدّد الزوجات، بالتالي، مكابدة العيش وحدهن في إعالة أبنائهن، وتأمين احتياجاتهم، وهو أمر من الصعب تحقيقه بمفردهن".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية