ما قصة زواج "البارت تايم" في مصر؟ وما رأي دائرة الإفتاء؟

ما قصة زواج "البارت تايم" في مصر؟ وما رأي دائرة الإفتاء؟


23/08/2021

اكتشف أحمد إبراهيم (ليس اسمه الحقيقي) قبل أعوام، أنّ لديه شقيقتين لا يعلم عنهما شيئاً، وذلك خلال استخراجه شهادة "قيد عائلي" عند تقدمه لأداء الخدمة العسكرية. فجأة أدرك أحمد ووالدته وشقيقاه أنّ والدهم الذي يقطن معهم في المنزل نفسه، ولا تشهد أسرتهم أي أزمات غير تقليدية أو عميقة، متزوج من أخرى على مدار 10 أعوام، دون أن يخبرهم.

كانت تلك الحادثة كافية لتهديم الأسرة، وأن تدفع الأم إلى طلب الطلاق، غير أنها فضلت الاستمرار، وبقي الوضع على ما هو عليه، يقضي الأب جلّ الوقت في بيت زوجته الأولى، ويذهب إلى زوجته الثانية وفتاتيه في أوقات أخرى قليلة.

هذا بالضبط ما أثار الجدل في مصر الأيام الماضية، ليس من قبيل مناقشة الآثار التي يمكن أن تقع على فتاتين يتواجد والدهما في حياتهما جزئياً، أو بأشقاء لم يلتقوا معاً بعد أعوام إلا بالمصادفة، بل ما أثار الجدل هو تسمية أطلقها المحامي المصري أحمد مهران، بعد دعوته إلى زواج "البارت تايم" أو "الوقت الجزئي".

قال مهران في مقطع مصوّر عبر صفحته الرسمية: إنّ زواج الـ"بارت تايم" يعني أن يتفق الزوجان على عدم الإقامة معاً في منزل واحد، أو على البقاء لبعض الوقت ليوم أو يومين في الأسبوع أو أكثر حسب اتفاقهما، تبعاً لظروف الزوجين، كأن يكون الزوج يعمل في مكان آخر ويسافر كثيراً، أو أن يكون متزوجاً من أخرى.

قالت دار الإفتاء المصرية في بيان أمس: إنّه لا ينبغي الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج

وأوضح مهران في تصريحات صحافية: ذلك ما يُعرف الآن بـ"البارت تايم"، كما لو كان الزوجان يلتقيان مرّة كل أسبوعين لمدة يومين الخميس والجمعة فقط، ويعتبر تنازل الزوجة عن حقها في المبيت شرطاً في عقد الزواج، وهو شرط صحيح ويجوز الاتفاق عليه، ولا يؤثر على صحة الزواج، ولا يمنع من وجود أطفال من هذه الزيجة مستقبلاً، أو أن يكون من شأنه أن يضيع حقوق المرأة أو الأبناء".

وتابع: هذا لا ينفي القوامة، ولا المسؤوليات الزوجية المتبادلة، ولقاء الزوجين لبعض الوقت لا يعني بالضرورة لقاء للجماع، فهذا الأمر جزء من الزواج، وليس كل مفهوم الزواج، وليس بالضرورة أن يكون ذلك الزواج الثاني أو الثالث، فلربما يكون زواجاً وحيداً، لكن كما شرحت سابقاً لا تسمح الظروف بتوافر بيت للزوجية، ولكنه أفضل من الامتناع عن الزواج كليّة.

 

زواج الـ"بارت تايم" يعني أن يتفق الزوجان على عدم الإقامة معاً في منزل واحد، أو على البقاء لبعض الوقت ليوم أو يومين في الأسبوع أو أكثر

 

وربط البعض بين ذلك الزواج وزواج المتعة، المحددة بمدة معينة بهدف الاستمتاع الجنسي، دون الالتزام أو هدف إقامة مؤسسة اجتماعية "الأسرة"، غير أنّ مهران نفى ذلك، وأكد أنّ ما يدعو إليه متعارف عليه وراسخ في المجتمع، وكل ما في الأمر أنه "أطلق عليه الاسم".

ويتهم البعض، بما في ذلك دار الإفتاء المصرية، المحامي الذي عادة ما يتبنى القضايا المثيرة للجدل، بالسعي نحو الشهرة، غير أنّ تعاطي المجتمع وإثارة الجدل والأزمات حول المسميات وليس الأسباب والآثار المترتبة على مثل ذلك النوع، أو الخلل الذي يضرب منظومة الزواج في مصر، والتي تنتهي بحالة طلاق تقريباً كل دقيقتين، يعكس جوهر الأزمة المجتمعية والنخبوية في مصر.

 تسجل مصر معدلات مرتفعة في الطلاق، وفق نشرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، رصدت وقوع 213 ألف حالة طلاق خلال العام 2020.

وقالت دار الإفتاء المصرية في بيان أمس: إنّه لا ينبغي الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج التي ازدادت في الآونة الأخيرة، والتي يَكْمُن في طياتها حب الظهور والشهرة وزعزعة القيم، ممّا يُحْدِث البلبلة في المجتمع، ويؤثِّر سَلْباً على معنى استقرار وتماسك الأسرة الذي حرص عليه ديننا الحنيف، وراعته قوانين الدولة.

 

قالت دار الإفتاء المصرية في بيان أمس: إنه لا ينبغي الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج التي ازدادت في الآونة الأخيرة

 

وتابعت، بحسب ما أورده موقع "اليوم السابع"، أنّ ما يقوم به بعض الناس من إطلاق أسماء جديدة على عقد الزواج "البارت تايم" واشتراطهم فيه التأقيت بزمن معين ونحو ذلك، يؤدي إلى بطلان صحة هذا العقد؛ فالزواج الشرعي هو ما يكون القصد منه الدوام والاستمرار وعدم التأقيت بزمن معين، وإلّا كان زواجاً مُحرَّماً، ولا يترتب عليه آثار الزواج الشرعية.

لكنّ المحامي لم يستسلم، وواصل الجدل بمنشور عبر صفحته على فيسبوك قال فيه: "أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً تُحرّم فيه الزواج محدد المدة، وأنا أتفق تماماً مع هذه الفتوى شكلاً وموضوعاً، لأنّ الأصل في عقد الزواج التأبيد والاستدامة والاستقرار.

ولكنّ هذه الفتوى ليس لها أي علاقة بما طرحته أو نشرته على صفحتي الشخصية، لأني أوضحت أكثر من مرّة أنّ ما طرحته هو زواج شرعي رسمي حلال مؤبد وغير محدد المدة، زواج صحيح مكتمل الشروط والأركان الدينية، إلا أنّ أحد الزوجين قد يكون لديه ظروف أو (...)".

وتابع: كما أعلن للجميع أنني قمت بالاتصال بدار الإفتاء المصرية على الخط الساخن 107 للسؤال عن مدى شرعية الـ"بارت تايم"، وجاءت الفتوى صريحة أنه حلال، ولا يوجد فيه شبهة تحريم، طالما هو زواج رسمي شرعي، وأنّ ذهاب الزوج لمنزل الزوجية بعض الوقت لأسباب شخصية وبموافقة الزوجة ورضائها حلال، حلال، حلال، وكانت هذه المكالمة في حضور عدد من الأصدقاء الصحفيين، وقد ظهر عليهم الاندهاش من التعارض في الفتاوى، كما أني رجعت إلى أحد المشايخ المحترمين، وهو أستاذ في الفقه وعالم أزهري دكتور أحمد كريمة، وسألته عن هذا الوضع وأفتى بصحة الزواج.

وبالتالي، يقول المحامي، فإنّ فتوى المؤسسة الدينية، التي أكنّ لها كل احترام وتقدير، جاءت تتحدث عن موضوع مختلف تماماً عمّا طرحته، وكنت أتمنى لو أنّ المؤسسة الدينية المصرية العظيمة سألتني عن المقصود، ليتبين لها حقيقة مقصدي، وأنني لا أقصد الزواج المحدد بمدة معينة، لأنه أمر حرام ومخالف للشرع، وأنا مستحيل أن أعرض أو أقبل أن أشارك أو أن أتحدث عن أي شيء يخالف الشريعة الإسلامية.

واللافت أنّ ذلك المصطلح الغريب على وقع المجتمع المصري، المرتبط مجتمعياً بالتهميش أو عدم المحورية، وعادة ما يستخدم في عمل إضافي لتحسين الدخل، ليس أول مرة يُطرح، ويثير الجدل، فقد سبق أن طرحه المحامي نفسه في العام 2017، ثم في العام 2019، وكل مرّة يثير زوبعة ثم تختفي، لتستمر الأوضاع الأسرية والمجتمعية بمشاكلها وأزماتها على ما هي عليه.

وكان مشروع قانون قد اقترح في شباط (فبراير) الماضي توقيع عقوبة على الزوج الذي يخفي زواجه الثاني عن زوجته الأولى بين الحبس والغرامة، وهو التعديل الذي يضمن عدم تكرار سيناريو أحمد شعبان وأشقائه، عندما لجأ والدهم للزواج سراً دون إخبارهم، لكن ذلك القانون لم يصدر حتى الآن.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية