فاجأت روسيا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بقرار جديد وضعهم جملة في خانة اليك، بعدما أقدمت شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" أمس على قطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى بلغاريا وبولندا، في خطوة أثارت الذعر في أوروبا وأمريكا والمخاوف ممّا أطلق عليه مراقبون دوليون "حرب الغاز".
وفي عنوان حمل بين حروفه قوة الرصاص، أفادت وكالة "تاس" الروسية أنّ "غازبروم" توقف كليّاً عن إمدادات الغاز لبلغاريا وبولندا، بعد تخلفهما عن السداد بـ"الروبل". وأسفل العنوان مباشرة، ذكّرت الوكالة بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 23 آذار (مارس) الماضي أنّ الدول "غير الصديقة" يجب أنّ تدفع ثمن الغاز الروسي بـ"الروبل"، وذلك ردّاً على مجموعة من العقوبات الأوروبية والأمريكية التي استهدفت الاقتصاد الروسي، واعتبرها محللون الأكثر إيلاماً، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت شهرها الثالث الأسبوع الماضي.
وفي بيان منفصل، قال الكرملين: إنّ روسيا أُجبرت على القيام بذلك -قطع الإمدادات- بعد "الخطوات غير الودية" التي اتخذتها الدول الغربية، في إشارة إلى العقوبات الاقتصادية على موسكو.
وتستورد بولندا وبلغاريا نحو 53%، و90%، من احتياجاتهما من الغاز من روسيا، بينما تعتمد أوروبا كافة على روسيا في نحو 40% من واردات الغاز الطبيعي، بما يقدر بنحو (155) مليار متر مكعب، قال محللون إنّه يصعب إيجاد بدائل لها.
تحويل الطاقة إلى سلاح
على الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من استخدم الطاقة كـ"سلاح" في العقوبات ضد روسيا، خصمها التاريخي، ندد البيت الأبيض، في بيان مقتضب نقله موقع "يو إس نيوز" الأمريكي، باستخدام روسيا للطاقة كـ"سلاح".
الولايات المتحدة، التي أبدت مؤخراً حرصاً على أوكرانيا يفوق حرص الأخيرة على نفسها، لم تكتفِ بحظر واردات الطاقة الروسية في آذار (مارس) الماضي، بل حثت بحرص شديد الاتحاد الأوروبي على التخلص من الاعتماد على غاز ونفط روسيا. وبالفعل، عمد الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى وضع خطط للتخلص من الطاقة الروسية بنهاية العام الجاري.
وفي حين ندد البيت الأبيض باستخدام الغاز كـ"سلاح"، قالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحفيين: "للأسف، هذا هو مثال كان متوقعاً لما يشبه استخدام إمدادات الطاقة كسلاح".
سي بي إس: نظراً لأنّ طلب بوتين للمدفوعات بالروبل يستهدف "البلدان غير الصديقة"، فيمكن اعتباره بمثابة انتقام للعقوبات
وكان الاتحاد الأوروبي، على ما يبدو، ينتظر أن تضع روسيا يدها على خدها وتندب حالها في ضوء الخطط الأوروبية للتخلص من الغاز والنفط الروسيين بنهاية العام الحالي، قبل أن تباغتهم موسكو بقطع إمدادات الغاز عن بلغاريا وبولندا، اللتين اعتلتا القائمة السوداء للدول التي تعتبرها روسيا "غير صديقة"، لمشاركتها في العقوبات الغربية والأمريكية ضد الدب الروسي.
وفي حين تجاهل الاتحاد الأوروبي أنّه حوّل، دون أن يدري، الطاقة إلى "سلاح" لليّ ذراع روسيا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، أدان قرار روسيا بقطع الغاز عن بولندا وبلغاريا، معتبراً أنّ موسكو حوّلت الغاز إلى "أداة ابتزاز"، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، التي أشارت إلى أنّه في حين أنّ العديد من الدول الأوروبية قد اتخذت خطوات لفطم نفسها من واردات النفط الروسية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط (فبراير) الماضي، استمرت روسيا في إمداد العديد من الدول الأوروبية بكميات كبيرة من الغاز.
وقد دعت مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، أثناء اجتماع للطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أمس، دول الاتحاد إلى التمسك بعملتي اليورو أو الدولار في عقودها القائمة للغاز مع روسيا، وألّا تدفع بالروبل لشراء الغاز، مشيرة إلى أنّ "هناك توجيهاً واضحاً إلى الشركات للالتزام بالعقود القائمة، وألّا توافق على مدفوعات بالروبل".
من جهتهما، قالت بلغاريا وبولندا: إنّ وقف الإمدادات يُعدّ خرقاً للعقد من جانب غازبروم، أكبر شركة للغاز الطبيعي في العالم.
انتقام روسي
نظراً لأنّ طلب بوتين للمدفوعات بالروبل يستهدف "البلدان غير الصديقة"، فيمكن اعتباره بمثابة انتقام للعقوبات التي منعت العديد من البنوك الروسية من المعاملات المالية الدولية، ودفعت بعض الشركات الغربية إلى الخروج من السوق الروسية، على حدّ قول قناة "سي بي إس" الأمريكية.
ونقلت القناة الأمريكية عن إدوارد غاردنر من كابيتال إيكونوميكس قوله، في بيان: "إنّ قرار الرئيس بوتين الذي يقضي بوجوب تحديد مدفوعات الغاز من قبل الدول "غير الصديقة" بالروبل يزيد من خطر قطع الإمدادات عن الدول الأوروبية الأخرى عند استحقاق المدفوعات في الأسابيع القليلة المقبلة".
وبموجب نظام الدفع الجديد، قال الكرملين إنّه سيتعين على المستوردين فتح حساب بالدولار أو اليورو في ثالث أكبر بنك في روسيا، غازبروم بنك، ثم حساب ثانٍ بالروبل، على أن يدفع المستورد فاتورة الغاز باليورو أو بالدولار، ويوجّه البنك لاستبدال الأموال بالروبل.
وأشار غاردنز إلى أنّ قرار "غازبروم" بتعليق عمليات التسليم إلى بولندا وبلغاريا اعتباراً من اليوم بسبب رفضهما دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، "يمثل تصعيداً في استخدام روسيا للغاز كوسيلة ضغط سياسية"، غير أنّه تغافل عمداً عن أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا أول من استخدم الطاقة كوسيلة للضغط على بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
إلى ذلك، قال محللون في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية، في تقرير: إنّه "من شبه المؤكد أنّ الخطوة الروسية هي ردّ على زيادة مستويات الدعم الغربي لأوكرانيا"، موضحة أنّ ذلك "يشير إلى أنّ بوتين مستعد الآن لوضع عائداته على المحك، وسط توسع مساعدات الناتو العسكرية لأوكرانيا، ووسط بيانات شديدة اللهحة من الولايات المتحدة حول مساعدة أوكرانيا على كسب الحرب."
وفي هذا الشأن، ذكر المفكر الأمريكي نعومي تشوميسكي، في حوار مع "ذا ناشونال" الإماراتية في وقت سابق من الشهر الجاري، أنّ الولايات المتحدة وراء اشتعال الصراع الروسي الأوكراني، واتّهمها بعرقلة أيّ محاولة لإنهاء الحرب، الأمر الذي بدا جليّاً في غضب أمريكا المبالغ فيه، وتشجيعها المستمر للدول الأوروبية على معاداة روسيا، تحركات أمريكية تصبّ كلها في كفة مساعي الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من روسيا ورئيسها بوتين، أشدّ خصوم أمريكا، بعد الصين، مستغلة أوروبا.
"أوراسيا": بوتين مستعد لوضع عائداته على المحك، وسط توسع مساعدات الناتو لأوكرانيا، ووسط بيانات أمريكية لمساعدة أوكرانيا على كسب الحرب
وقدّم المفكر الأمريكي، في حواره، تحليلاً لكيفية تطور الحرب الروسية الأوكرانية، مسلطاً الضوء على عرقلة الولايات المتحدة محاولات إنهاء الحرب والتوصل لتفاهمات جدّية، فقد قال: "أحد السيناريوهات هو أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يمكن أن يتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع الكرملين، لكنّ واشنطن ستفشلها فعلياً برفضها فكّ العقوبات."
حرب نووية شاملة
تأتي الخطوة الروسية بعد أيام من تحذير لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من "مخاطر حرب نووية حقيقية، ويجب عدم الاستهانة بها"، تزامناً مع تهديد وزير الدفاع البريطاني بين والاس باستخدام الأسلحة النووية لحماية المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، إذا لزم الأمر.
ونقلت صحيفة "ميل بي دي" البريطانية عن والاس قوله: إنّ "بعض صواريخنا تحت الماء الآن، وأفراد البحرية الملكية الشجعان مستعدون لإطلاق أسلحة نووية، إذا كان عليهم حماية هذه المملكة وحلف شمال الأطلسي. من المهم للغاية ألّا ينسى (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) ذلك".
من جانبه، أشار لافروف كبير الدبلوماسيين الروس، في تصريحات تلفزيونية نقلتها وكالة تاس، إلى أنّ مخاطر النووي "كبيرة وحقيقية، ويجب عدم الاستهانة بها".
مواضيع ذات صلة:
- ما خيارات روسيا إذا انضمت السويد وفنلندا إلى الناتو؟
- هل تدفع إسرائيل ثمن انحيازها ضد روسيا وأين سيكون رد بوتين؟