رسالة براءة: توجه إخواني نحو المراجعات أم ثغرة من أجل الاختراق

رسالة براءة: توجه إخواني نحو المراجعات أم ثغرة من أجل الاختراق

رسالة براءة: توجه إخواني نحو المراجعات أم ثغرة من أجل الاختراق


24/08/2024

هشام النجار

قُوبلت خطوة إعلان أكثر من ستين سجينًا من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، من ضمنهم بعض القادة، البراءة من التنظيم وأفكاره وقادته والولاء للوطن، بردود أفعال متباينة بين مُرحبة وأخرى متحفظة، وهناك من أبدى تخوفه من أن تكون في اتجاه إعادة إنتاج جماعة الإخوان بمنحها قناة سلمية لتحقيق أهدافها السياسية على المدى البعيد.

ووجه منتمون سابقون لجماعة الإخوان من داخل السجون رسالة مثيرة للجدل تحت عنوان “براءة” إلى الشعب المصري بتنوعاته الثقافية والدينية وإلى الرئيس عبدالفتاح السيسي والإعلاميين وأصحاب الفكر والرأي والكتّاب والمثقفين والسياسيين ومؤسسة الأزهر ودار الإفتاء، سردوا فيها رحلتهم من التطرف إلى الاعتدال وطلبوا قبولهم كأعضاء محبين للوطن ومنتجين داخل المجتمع.

وقال كاتبو الرسالة إنهم يأملون أن تكون أخطاءهم التي تعلموها خلال رحلة شاقة داخل السجون بداية لتجربة راشدة ناضجة تتعلم منها الأجيال في المستقبل فلا تتكرر الأخطاء، حيث أدركوا بالطريقة الأصعب وبالتجربة والخطأ أن طريق الشقاق لا يأتِ بخير، وأن الوطن الآمن المستقر خير ما يرجو الإنسان، والأمن لا يتحقق بانتهاج العنف، والإسلام ليس شعارات تُرفع وإنما بناء وعمل، والوحدة والاصطفاف بين أبناء البلد الواحد هما الأمل في المستقبل.

وطلب أفراد المجموعة التي تحمل اسم “ملتقى رشد داخل السجون” من كافة فئات المجتمع الصفح والغفران عمّا اقترفوه في حق الوطن، حيث خُدعوا بشعارات جماعة الإخوان البراقة فانضموا إليها وتدرجوا في هيكلها التنظيمي حتى تم ضبطهم وإدانتهم بأحكام مختلفة بتهمة تورطهم في عمليات تخريبية وإرهابية.

وتأثرت مجموعة “ملتقى رشد داخل السجون” بطروحات أعضاء ملتقى بالخارج يحمل نفس الاسم ويديره رموز انشقوا عن الإخوان، مثل: ثروت الخرباوي ومختار نوح، ينظمون فعاليات تنويرية في سياق تفكيك المناهج المتطرفة ويصدرون بيانات ردًا على مواقف الإخوان وممارساتهم.

وربط البعض بين الإعلان عن انسلاخ مجموعة جديدة من جسد الإخوان فكرًا وتنظيمًا وبث برنامج “مراجعات” على فضائية “العربية” السعودية، حيث كشفت الحوارات مع قادة سابقين وأعضاء بالجماعة عن الكثير من الخفايا والأسرار المتعلقة بفسادها والخلل الفكري والمنهجي في برامجها، وقصور تصوراتها وممارساتها السياسية.

ويُعد هذا التطور صدعًا علنيًا جديدًا داخل الإخوان، حيث تكرر في السنوات الماضية إعلان مجموعات داخل السجون التبرؤ من الإخوان تنظيمًا وفكرًا، وناشدت القيادة السياسية والمؤسسة الدينية وقادة الرأي والفكر مساندتها على طريق تحويل مسارها، في ضوء أسوأ أزمة مر بها التنظيم منذ تأسيسه عام 1928 عقب عزله عن السلطة في يونيو 2013.

ويكشف تسلسل الأحداث وصولًا للصراعات الداخلية وتخلي الداعمين الإقليميين عن الجماعة وفشل محاولات العودة مجددًا بأي صيغة ولو عنفية تكفيرية وأخيرًا إطلاق وثيقة “براءة” أن الأزمة التي خلفت تنظيمًا شبه منهار وأفرادًا وقادة موزعين بين مسجونين مجهولي المصير وهاربين يائسين وأعضاء في الداخل في حالة كمون وخوف، تتعلق بالمناهج وبطريقة ممارسة الإسلام في الحياة والسياسة.

وليست المجموعة الجديدة استثناءً داخل حالة تزداد زخمًا بشكل تدريجي منذ أحداث ثورة يونيو وعزل تيار الإسلام السياسي عن السلطة، سائرة على درب من سبقها في استكشاف طريق الاعتدال وممارسة الإسلام بانضباط وعقلانية في الحياة والسياسة، باحثة عن تفسيرات متطورة بمعزل عن الإرشادات المعلبة والموجهة من قادة الجماعات للأحداث والمستجدات، علاوة على التفسير الصحيح لتعاليم القرآن والحديث.

وتركز المجموعات الخارجة من تنظيم الإخوان، ومن ضمنها المجموعة الأخيرة، النظر إلى ما وراء صورة الضحية وروايات المظلومية التي اعتادت جماعة الإخوان ترويجها لتفسير أزمتها بمصر وخارجها.

وباتت روايات المظلومية أقل فعالية بكثير مما كانت عليه بالماضي، في ظل اعترافات متكررة من قبل أعضاء منشقين وقادة سابقين أن الجماعة مسؤولة عن فشلها في تجربة الحكم لضحالة خبراتها، وهي المتسبب الرئيسي في أزمتها بسبب نهجها الشمولي وتبنيها التكفير والعنف.

وأقرت مجموعة “ملتقى رشد داخل السجون” بأن جماعة الإخوان هي من قتلت النائب العام السابق المستشار هشام بركات، وخططت ونفذت بالفعل عمليات إرهابية واغتيال عدد من السياسيين والقضاة وإغلاق الطرق والكباري وتفجير محطات الكهرباء وسد الطرق وبالوعات الصرف وإيهام المجتمع أن الدولة وراء مثل هذه العمليات التخريبية، وتنظيم اعتصام مسلح بهدف إرباك الدولة وإثارة الفوضى والقلاقل.

وتنظر المجموعات المنشقة عن الإخوان إلى ما وراء برنامج عمل بعض أجنحتها حاليًا داخل الحلف الإيراني السني -الشيعي الذي يزعم سعيه لنقل الهيمنة العالمية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى إلى محور إسلامي، ناظرة بواقعية لدور خارج الإطار الشعبوي والشعاراتي باتجاه محاولة الرد عن كيفية الإسهام في تحقيق تنمية وازدهار مجتمعهم.

وأثبت سير الإخوان كأداة ضمن مشروع الإسلام الثوري داخل محور إيران في سياق محاولة خلق مشروعية وجود جديدة بعد الفشل الذريع خلف الحليف التركي ضمن مشروع تمكين الإسلاميين من الحكم في المنطقة العربية الذي أعقب ما عُرف بثورات الربيع العربي، أن الجماعة منفصلة كليًا عن المشاريع العربية الوطنية.

وتجد الجماعة صعوبة في تسكين كيانها التنظيمي داخل الحالة العربية مجددًا في ظل وجود رد فعل شعبي غاضب من المسلمين والعرب ورفض صارم من أنظمة وحكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي ظل فشل قادة الإخوان وعدم تهيّئهم بالنظر إلى مسؤولياتهم التنظيمية لطرح رؤية يراجعون فيها أخطاءهم ويدشنون مسارًا وطنيًا بمعزل عن المشاريع الطائفية والأيديولوجية العابرة للحدود، تضطلع بهذا الدور مجموعات صغيرة منشقة تبحث عن مظلة إنقاذ من مغامرات القادة التي لا تنتهي، وتحاول جلب قدر من الاهتمام بحركة الانشقاق التي تزيد من الضغوط على القيادات وتثبت عكس ما يُروَج له بشأن تماسك التنظيم وصمود قياداته وأفراده داخل السجون.

ويُعد توقيت تكثيف حركة المراجعات عبر طرح تجارب عناصر وقادة خرجوا منذ زمن عن الجماعة أو إطلاق تجارب جديدة ذات مغزى، كونه يُسهم في جعل الشرائح الحرجة والكامنة داخل تيار الإسلام السياسي خاصة المتأثرة بأحداث حرب غزة وبدعاية جماعة الإخوان الموجهة محصنة نسبيًا ضد قابلية التأثر أو الانضواء بمشاريع إقليمية توسعية جديدة، تستخدم عموم الإسلام السياسي كوكيل وأداة رئيسية لتنفيذ أهدافها العابرة للحدود الوطنية.

وفي مقابل ترحيب البعض بحركة الانشقاق الجديدة داخل الإخوان وإطلاقها تصورًا لنقد مناهج وسياسات الجماعة، هناك من يتوجسون من هذا النمط من الرسائل التي قد تختفي وراءها أهداف من قبيل محاولة إيجاد طريقة مختلفة للعودة واكتساب الشرعية عبر تشكيل كيانات سياسية مستقبلًا، بعد أن أعيت الجماعة الحِيَل ولم تُسعفها أي وسيلة لإحداث اختراق يُذكر بهدف حل أزمتها المستعصية.

وخلّفت بعض التجارب المُشابهة انطباعات سلبية يخشى البعض أن تتكرر؛ خاصة وأن جماعة الإخوان كانت قد تخلت في الستينات من القرن الماضي عن رغبتها في تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة والتحول نحو السلمية، وبعد نجاحها في اختراق المشهد السياسي منذ بداية السبعينات مرورًا بتعظيم مكتسباتها وتوغلها وحضورها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، عادت لتطرح نفسها كدولة بديلة بهوية مختلفة بعد ثورات الربيع العربي، وتاليًا عادت لتشكيل خلايا عنف مسلح للدفاع عن مشروعها في السلطة.

ودشنت الجماعة الإسلامية المصرية تجربة مشابهة دفعت بها من السجون إلى قلب المشهد الحزبي والسياسي والإعلامي، إذ لم يصمد جناح داخلها أمام أول اختبار بالحالة السياسية التعددية، وسرعان ما انحاز لخيارات الإخوان الأحادية وانخرط في العنف الإقليمي بالتنسيق مع القاعدة، ما أدى إلى حظر حزبها ووضع العديد من قادتها على قائمة الإرهاب.

ويُخشى أن يقود التساهل مع بعض الأجنحة المنشقة إلى التسبب في اختراق إخواني غير مقصود للمشهد عبر الدفع بمجموعة تزعم التوبة وهي مخترقة تنظيميًا وتتبع أجندة مزدوجة، تقول شيئًا في العلن وتفعل شيئًا آخر في السر.

ومثلت جماعة الإخوان في نسخها التي زعمت السلمية والإصلاح بوابة للعنف والإرهاب، حيث طبّعت الأفكار والمفاهيم المتطرفة ونشرتها، وارتبطت في حالات عديدة شبكات الإخوان بجماعات تكفيرية مسلحة.

وما يزيد الهواجس أن جماعة الإخوان تتخذ نهجًا تدريجيًا بطيئا وتبدأ من نقطة الصفر تجاه التمكين أو الحكومة الدينية، ما يعني أنها تتلون وفقًا للتوجهات السائدة وتملك قدرة على الانتظار لفترة طويلة قبل أن تعلن بشكل واضح عن هدفها النهائي وهو الإطاحة بالنظام القائم، وساعتها تكون في عنفوانها ممتلكة أقصى درجات المنعة والقوة.

وتبقى تجارب الانشقاق عن جماعة الإخوان موضع جدل ونقاش، ورغم ما تناله من حظوظ في التعاطي الإعلامي إلا أنها إلى الآن لم تُحدث أثرًا مُدويًا، ولم تستطع خلق حالة تناهض بقوة فكرة الإخوان القائمة على الخلافة الإسلامية وتخصم من مكتسبات الأيديولوجيا التي تشجع على التطرف والإرهاب والمدعومة بشبكات مالية في أوروبا وغيرها.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية