بعد العثور على جزيئات بلاستيك في دم الإنسان.. كيف تحمي نفسك منها؟

بعد العثور على جزيئات بلاستيك في دم الإنسان.. كيف تحمي نفسك منها؟


15/06/2022

أصبح البلاستيك، الذي بدأ إنتاجه بكثافة في الأربعينيات من القرن الماضي، مشكلة حيوية تتفاقم يوماً بعد يوم، فبات العثور على جزيئاته في المحيطات والجبال والهواء والتربة وسلسلة الغذاء أمراً متوقعاً، لكن الأخطر من ذلك ما توصلت إليه الدراسات العلمية، بوجود القطع الصغيرة من البلاستيك غير المرئي في براز الأطفال والبالغين، كما عثرت أحدث تلك الدراسات عليها في دم الإنسان، وذلك للمرة الأولى، ما يمثل أمراً خطيراً، وفق الخبراء.

وقالت دراسة هولندية حديثة فحصت عينات دم من 22 متطوعاً مجهول الهوية يتمتعون بصحة جيدة، أنّها عثرت على الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في دم الإنسان للمرة الأولى، محذّرة من خطورتها في حال وصولها نحو أعضاء الجسم.

 "أمراً خطيراً جداً"

ووجدت الدراسة المنشورة في مجلة البيئة الدولية، جزيئات بلاستيكية دقيقة في أجسام نحو 80% من المتطوعين، مشيرة إلى أنّ نصف هذه العينات من بلاستيك البولي "ايثيلين تيريفثالات" (Polyethylene Terephthalate)، الذي يستخدم على نطاق واسع في صناعة عبوات المشروبات، في حين أنّ أكثر من ثلث العينات يحتوي على مادة "البوليسترين" (polystyrene) المستخدمة في حاويات الطعام التي تستخدم لمرة واحدة والعديد من المنتجات الأخرى.

 أكثر من ثلث العينات يحتوي على مادة "البوليسترين" (polystyrene) المستخدمة في حاويات الطعام

في هذا السياق، علّق عالم السموم البيئية في جامعة فريجي بأمستردام، ديك فيثاك قائلاً: "هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها فعلياً من اكتشاف وقياس مثل هذه الجزيئيات البلاستيكية الدقيقة في دم الإنسان، وهو ما يصنف أمراً خطيراً جداً".

وقال عالم السموم البيئية، إنه قد تكون هناك أنواع أخرى من الجزيئات الدقيقة في الدم لم تعثر عليها الدراسة، على سبيل المثال: "لم نتمكن من اكتشاف الجزيئات الأكبر من قُطْر الإبرة المستخدمة في أخذ العينات".

كيف تدخل جسم الإنسان؟

وتتمثل خطورة هذا الأمر بسهولة دخول هذه الجزيئات إلى جسم الإنسان، وانتقالها عبر الدم إلى مختلف الأعضاء دون معرفة مضاعفاتها عليها. ووفق الدراسة الهولندية، فإنّ "المواد البلاستيكية الدقيقة يمكن أن تدخل الجسم بطرق عدة: من طريق الهواء أو الماء.

ويرى الباحث في علوم البيولوجيا الجزيئية بالجامعة الأمريكية في بيروت، محمد الشقور، أنّ "جزيئيات البلاستيكية لم تنتشر في جميع أنحاء البيئة فحسب؛ بل إنها تنتشر في أجسامنا أيضاً، وهذا أمر بالغ الخطورة، حيث إنّ إنتاج واستخدام الأوعية البلاستيكية للطعام يزداد كثيراً يوماً بعد يوم، الأمر الذي يزيد من اختلاط البشر بالبلاستيك وإمكانية دخول الجزيئيات البلاستيكية إلى الجسم".

وجدت الدراسة المنشورة في مجلة البيئة الدولية، جزيئات بلاستيكية دقيقة في أجسام نحو 80% من المتطوعين، مشيرة إلى أنّ نصف هذه العينات من بلاستيك البولي "ايثيلين تيريفثالات"، الذي يستخدم على نطاق واسع في صناعة عبوات المشروبات

 ويضيف شقور في حديث لصحيفة "النهار" العربي: هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لمعرفة الكمية والنوعية الحقيقية لهذه الجزيئات ومدى تأثيرها في وظائف الجسم الحيوية. ويؤكد أنّ هذه الدراسة تشكل جرس إنذار كبير للفت نظر العالم إلى مدى خطورة ازدياد التلوث البلاستيكي، الأمر الذي يحفزنا لإيجاد بدائل جدية وصحية لاستخدام البلاستيك، وبخاصة في الأمور المتعلقة بتخزين الأطعمة والمشروبات.

تتمثل خطورة هذا الأمر بسهولة دخول هذه الجزيئات إلى جسم الإنسان

ووفق دراسة سابقة، نشرتها دورية "Environmental Science & Technology"، تنشأ حبيبات البلاستيك من مصادر متعددة، منها تحلُّل المنتجات البلاستيكية الكبيرة في البيئة أو تساقط هذه الحبيبات من حاويات الطعام والشراب في أثناء عملية التعبئة. 

وقد تنفذ داخل الجسم دون قصد عند تناول الطعام أو استنشاق هواء يحتوي على حبيبات البلاستيك، وقد تتسلل داخل أنسجة الجسم إذا كانت متناهية الصغر، ما قد يثير ردود فعل مناعية أو يتسبب في تسرُّب مواد سامة إلى الجسم.

وقد حاول الباحثون معرفة كم استهلاك البشر لحبيبات البلاستيك، فقاموا بمراجعة 26 دراسة سابقة اعتمدت على تحليل كميات هذه الحبيبات فى الأسماك، والمحار، والسكريات المضافة، والملح، والكحول، ومياه الصنبور، والمياه المعبأة والهواء. ولم يتم إدراج باقي أنواع الأطعمة؛ لقلّة البيانات المتاحة.

وفق دراسة سابقة، نشرتها دورية "Environmental Science & Technology"، تنشأ حبيبات البلاستيك من مصادر متعددة، منها تحلُّل المنتجات البلاستيكية الكبيرة في البيئة أو تساقط هذه الحبيبات من حاويات الطعام والشراب في أثناء عملية التعبئة

وقالت الدراسة، إنّ استهلاك حبيبات البلاستيك يتراوح بين 74 ألفاً و121 ألف وحدة سنوياً، وفق العمر والجنس. كما أنّ مَن يستهلكون المياه المعبأة فقط يستهلكون نحو 90 ألفاً من حبيبات البلاستيك الإضافية سنوياً، مقارنة مع مَن يشربون مياه الصنبور.

ويؤكد الفريق البحثي أنّ هذه التقديرات ليست كافية؛ إذ إنها تعتمد فقط على 15% من كم السعرات الحرارية التي يستهلكها المواطن الأمريكي، وهو ما يستدعي إجراء المزيد من الدراسات لفهم الآثار الصحية لابتلاع حبيبات البلاستيك.

ووفق الباحثين المشاركين في الدراسة: "من المتوقع أن يبلغ حجم النفايات البلاستيكية التي يلقى بها في مقالب القمامة أو المنتشرة في البيئة 12 مليار طن بحلول عام 2050 إذا لم يجرِ التصدي بقوة لهذه المشكلة، وذلك مقارنة بنحو 4.9 مليارات طن (تمثل 60% من إنتاج البلاستيك العالمي) في عام 2015".

 استهلاك حبيبات البلاستيك يتراوح بين 74 ألفاً و121 ألف وحدة سنوياً

ويقول كيران كوكس، الباحث بقسم الأحياء في جامعة "فيكتوريا" الكندية، أنّ "هناك دلائل واضحة على أنّ حبيبات البلاستيك تتسرب إلى الأطعمة كثيرة الاستهلاك عبر الحيوانات التي تبتلعها من البيئة المحيطة، أو تنتقل إلى الإنسان في أثناء عملية الإنتاج أو عند تغليف الطعام بالمواد البلاستيكية. ويُقدر إجمالي ابتلاع حبيبات البلاستيك واستنشاقها سنوياً بنحو 81 ألف وحدة للأطفال الذكور، و121 ألفاً للذكور البالغين، و74 ألفاً للفتيات، و98 ألفاً للبالغات من الإناث".

 يفضل استهلاك الأطعمة غير المعلّبة، وإذا كنا مضطرين لشراء مواد غذائية معلّبة في البلاستيك فإنّ علينا استهلاكها بسرعة لأنه كلما طالت مدة التخزين زادت مخاطر تلوثها بالمواد البلاستيكية

ويوصي "كوكس" بإجراء مزيد من الأبحاث لفحص مدى تلوث الأطعمة التي تمثل المصادر الرئيسية للغذاء في العالم، مثل الحبوب، والخضروات، واللحوم، والدواجن، مضيفاً أن "أكثر الوسائل فاعلية لتقليل الاستهلاك البشري لحبيبات البلاستيك تتمثل في تقليل إنتاج البلاستيك واستخدامه"، وفق وصفه.

وتتقاطع آراء الخبراء ونتائج هذه الدراسات، مع العديد من الدراسات السابقة والتي أكدت ارتباط تقديم الطعام أو تخزينه بأوعية بلاستيكية بارتفاع معدلات الأمراض السرطانية وازدياد الوفيات.

كيف تحمي نفسك من هذه المادة السامة؟

في تقرير نشره موقع "توب سانتيه"، الفرنسي، حذرت الكاتبة كاترين كوردونييه من مادة البلاستيك التي باتت، وفق قولها، موجودة في كل المواد التي نستخدمها تقريباً، بدءاً من أواني الطعام مروراً بمستحضرات التجميل والملابس، وصولاً إلى معظم ألعاب الأطفال.

تقول الكاتبة إنّ المواد البلاستيكية تلوث الهواء الذي نتنفسه، وتشكل خطراً دائماً؛ لأنها لا تختفي أبداً، سواء قمنا بإعادة تدويرها أو حرقها أو رميها في قاع مكبات النفايات، فكل قطعة من البلاستيك مصنوعة منذ قرن ما زالت موجودة حتى اليوم بشكل أو بآخر.

 المواد البلاستيكية تلوث الهواء الذي نتنفسه، وتشكل خطراً دائماً؛ لأنها لا تختفي أبداً

وحسب الكاتبة، لا يمكن أن يسلم أي مكان على وجه الأرض من هذه الجزئيات البلاستيكية، فحتى في أعلى جبال البيريني -وهي سلسلة جبلية تقع بين فرنسا وإسبانيا- ترتفع نسبة رواسب الجسيمات البلاستيكية كما في أي مدينة مكتظة بالسكان.

وأوردت الكاتبة في تقريرها، بعض النصائح لتقليل خطر التعرض للبلاستيك، وبالتالي خفض تأثيراته المميتة على أجسادنا.

1- إخراج المواد الغذائية من الأكياس والمعلبات البلاستيكية بأسرع وقت ممكن بعد شرائها؛ لأن نسبة من الجزيئات قد تعلق بالطعام، خاصة عندما يكون دهنياً.

2- يفضل استهلاك الأطعمة غير المعلّبة، وإذا كنا مضطرين لشراء مواد غذائية معلبة في البلاستيك فإنّ علينا استهلاكها بسرعة؛ لأنه كلما طالت مدة التخزين زادت مخاطر تلوثها بالمواد البلاستيكية.

وفي حزيران (يونيو) الماضي نشر باحثون من "جامعة ساوث بريتاني" الفرنسية دراسة أظهرت أنّ اللحوم المعلبة في عبوات بلاستيكية تلوثت بجزيئات دقيقة من البوليسترين.

3- يجب عدم تسخين الطعام في عبوات بلاستيكية رغم أنّ دليل استخدام بعض تلك الأواني يؤكد أنها ملائمة للتسخين دون أضرار. وفي هذا الصدد، يؤكد خبير التغذية لوران شوفالييه أنّ وضع حليب بارد في وعاء بلاستيكي لا يسبب الكثير من المشاكل، لكن عندما يتم تسخين الحليب فيه فإنّ ذلك يتسبب في انتقال الجزيئات البلاستيكية إلى الطعام.

تخزين الطعام يكون آمناً بشكل أكبر في الأواني الزجاجية

وأضافت الكاتبة أنّ تخزين الطعام يكون آمناً بشكل أكبر في الأواني الزجاجية؛ لأن أواني البلاستيك قد تحوي مركبات "البيسفينول" و"الفثالات"، والتي تصنف أنها من مسببات اضطراب الغدد الصماء.

ويوضح الدكتور شوفالييه أنه بعد حظر استخدام "بيسفينول إيه" في صنع عبوات حفظ الطعام منذ عام 2015، تم الاستعاضة عنه بمركبات "بيسفينول" أخرى يمكن أن تشكل بدورها خطراً على صحة الإنسان.

4- تجنب تخزين الماء والعصير في الزجاجات البلاستيكية وحفظها بالقرب من مصدر الحرارة مثل أشعة الشمس والمواقد وأجهزة التدفئة.

مواضيع ذات صلة:

الدمّ سائل الحياة: كيف نظرت له الأديان والمعتقدات؟

مهم لصحة الجسم والدماغ... إليك (8) أطعمة غنية بالمغنيسيوم

بينها الزهايمر"... باحثون يختبرون علاج الأمراض العصبية والدماغية بالموسيقى"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية