روجدة أوغوز
يسافر المهاجرون عبر الجبال لأيام أثناء عبورهم الحدود الإيرانية التركية. يصفها كثيرون ممن يقومون بهذه الرحلة بأنها رحلة "الهروب من الجحيم"، حتى ينتهي بهم الأمر إلى جحيم آخر. لقد سمعنا جميعًا عن القوارب التي تغرق في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط.
وفي يونيو من هذا العام، غرق زورقٌ في بحيرة وان الواقعة بالقرب من الحدود الشرقية لتركيا. التفت البعض، بعد هذه الحادثة التي أودت بحياة 60 مهاجرًا، نحو محافظة وان للحظة، لكن الاهتمام الإعلامي لم يدم. تم دفن القتلى في مقبرة في يني شهير، وتقول الشائعات أن هناك العديد من المهاجرين لا يمكن تمييز قبورهم.
وتعد هذه واحدة من العديد من القصص التي تحدث قبل رحلة عبور غرب تركيا، قبل أن يصل المهاجرون إلى إسطنبول أو إزمير أو أدرنة للعبور غرباً إلى أوروبا.
يبدأ الناس رحلتهم في محافظة وان: أولاً إلى مدينة تشالدران الحدودية، ثم عاصمة المحافظة، ومنطقة ادرميت، ومنطقة جيفاش، وبؤرة بلابان الاستيطانية. ينتهي بهم المطاف في تاتفان، وهي مدينة تقع على الشاطئ الغربي لبحيرة وان، في محافظة بتليس المجاورة.
كانت محطة الحافلات القديمة في تاتفان موطنًا للعديد من المهاجرين من إيران وأفغانستان وباكستان وبنغلاديش في السنوات الخمس الماضية. ولكن الآن، تنتظر جميع شركات الحافلات إنشاء المحطة الجديدة، لذلك لا يوجد أي عمل في المنطقة هذه الأيام.
يجلس المهاجرون في ساحة مغبرة محاطة بالمباني الشاهقة. الجو بارد وصاخب. ينقسم المهاجرون في مجموعات من الأصدقاء أو العائلات. يعملون ببيع الماء والخبز. البعض منهم يمكنهم التحدث قليلاً باللغة الإنكليزية، والقليل من اللغة التركية.
اسم محمد الحقيقي هو حافظ، لكنه يستخدم محمد في تركيا. يتكلم محمد التركية بشكل جيد. مهنته الأصلية هي مهندس تعدين، لكنه يعمل في مزرعة ماشية في مقاطعة أنطاليا الجنوبية منذ خمس سنوات. يقضي كل فترات الراحة في دراسة اللغة التركية.
قال محمد لي بصوت يرتجف من الغضب "أفغانستان عظيمة بالنسبة للأثرياء. لكنها مروعة للفقراء مثلنا. لا يوجد شئ لنا. لقد درست وتخرجت ولا يوجد عمل".
يتواجد محمد في تاتفان لأنه يسهل العودة إلى أفغانستان حيث تمكن من إحضار عائلته. كانوا ينامون في الشارع منذ أسبوع. لقد ساروا لمدة أربعة أيام للوصول إلى تاتفان من وان، ومكثوا في الجبال لمدة ليلتين حيث كان الثلج يتساقط عليهم. وهم الآن يخططون لركوب الحافلة إلى أنطاليا.
ستكلفهم كل تذكرة 1000 ليرة (130 دولارًا)؛ وعادة ما يكون ثمنها 200 ليرة (25 دولارا). دفعت الأسرة بالفعل للمهربين 950 دولارًا للوصول إلى تاتفان. تستغرق الرحلة في الظروف العادية يومًا كاملاً تقريبًا بالحافلة.
يقول محمد "عادة لدي جواز سفر. سافرت بالطائرة إلى إيران أيضًا. لكن لا توجد رحلات جوية من إيران إلى هنا بسبب فيروس كورونا". لم يكن المهاجرون الأفغان في تاتفان يساعدون بعضهم البعض. يقول محمد "كل شخص لديه مشاكله الخاصة".
هناك البعض ممن لم يكن لديهم وظائف، وبعضهم لم يكن لديهم أسرهم معهم، وبعضهم فر من طالبان، وآخرون فروا من شيء آخر. وأضاف محمد "الجميع هنا يعيشون مأساة حقيقية".
كان محمد قادرًا على العمل وكان سعيدًا لكونه مهاجرًا في تركيا. يقول محمد "الأمر جيد بالنسبة لي. لا أعرف الأمر بالنسبة للآخرين".
هناك آخرون لم يحالفهم الحظ. لم يكن لديهم تعليم محمد أو فهمه للعالم. كانوا يشعرون بالارتباك والقلق وكانوا صامتين. ساروا لأيام فقط لينتهي بهم الأمر بتعرضهم للسرقة في المكان الذي استقروا فيه؛ كان هناك الكثير من الناس الذين يريدون خداعهم.
كان مضيف الحافلة يونس البالغ من العمر 17 عامًا غاضبًا من معاملتهم. قال لي "إنهم يسرقون هؤلاء الفقراء". وقال إن الأغنياء والفقراء في تاتفان يتبرعون أحيانًا بالطعام والملابس للمهاجرين. أخبرني المهاجرون أنهم لم يروا شيئًا يحدث أبداً من هذا القبيل، لكن يونس كان مصراً على أن هذا يحدث. كان من السهل على محمد، وهو تركماني أن يعمل راعياً في محافظة قونية الوسطى، وأن يجد عملاً عندما جاء إلى تركيا لأول مرة لأنه كان يتحدث التركية. رفض صاحب بعض قطعان الماشية التي كان يرعاها محمد أن يدفع له، مما أدى إلى حدوث شجار سلّم الرجل على إثرها محمد إلى السلطات. تم ترحيله إلى أفغانستان لكنه عاد هذه المرة مع ابنته وابنه.
وصلت الأسرة إلى تركيا مرة أخرى منذ 21 يومًا؛ استغرق الأمر ثمانية أيام للسفر من وان إلى تاتفان. كان محمد يحاول العودة إلى قونية لمواصلة العمل كراعٍ. يقول محمد "لدي بعض الأصدقاء هناك".
ولكن ماذا لو لم يدفع له أصحاب العمل أمواله مرة أخرى؟ كان رده "الله عز وجل قادر على كل شيء".
قال كثيرون غيرهم نفس الشيء: الله قدير قادر على كل شيء. كانت المساجد من أهم الأماكن التي كانت ملاذاً وملجأً للمهاجرين. أخبرني القرويون في تاتفان أن الذئاب قتلت ما لا يقل عن 10 مهاجرين أثناء رحلاتهم البرية في الشتاء الماضي. وقال أحدهم إنه رأى ذلك يحدث أمام عينيه. لم أجد أي أخبار عن هذه الأحداث في أي مكان، لكني لا أعتقد أنهم كانوا يكذبون.
رافقت مجموعة من 17 مهاجراً أفغانياً في رحلتهم من وان إلى تاتفان. لم يقولوا لي شيئًا، فقط تمتموا لبعضهم البعض بصمت وهم يسيرون في خطوات سريعة. اعتادت مجموعات مثل مجموعتهم عبور البحيرة، ولكن منذ حادثة الزورق هذا الصيف، بدأوا في اتخاذ الطريق الجبلي بعد بؤرة بالابان الاستيطانية لتجنب سلطات إنفاذ القانون.
كان بينهم متهربين من التجنيد، فضلا عن المهاجرين لأسباب اقتصادية واللاجئين السياسيين. طلاب الجامعات والقرويون كانوا يغادرون قريتهم للمرة الأولى. كلهم يتشاركون نفس المشاكل والمصير. لقد وضعوا جميعًا حياتهم في أيدي المهربين، الذين أخذوا أموالهم التي استغرق تجميعها شهورًا.
قد نعتقد أنه سيكون من الصعب الاتصال بالمهربين. لكن لسوء الحظ، الأمر ليس كذلك. يلتقي المهاجرون أولاً مع المهربين في إيران. وفي تاريخ محدد مسبقًا، تم إحضار مجموعات من 50 شخصًا على الأقل إلى الحدود التركية الإيرانية. وفي معظم الأوقات، تتغاضى السلطات من كلا الجانبين – مقابل دفع ثمن ذلك بالطبع.
تسير المجموعات لأيام باتجاه مدينة وان من تشالدران، أو أحيانًا من دوغوبيازيت، إلى محافظة أغري المجاورة، وفي مرحلة ما على طول الطريق، تأتي مجموعة أخرى من المهربين لتتولى المسؤولية من المهربين عبر الحدود. يتم تعبئة المهاجرين مثل السردين في شاحنات أو حافلات صغيرة بعد إزالة المقاعد بداخلها ليتم نقلهم إلى منازل آمنة في وان.
يمكثون في هذه البيوت الآمنة لعدة أيام، حتى يأتي مهربون آخرون لأخذهم. لقي العشرات من المهاجرين مصرعهم على طول هذه المسارات، وغالبًا ما لا يتم تسجيل وفاتهم مطلقًا، أو تسجل الشرطة هذه الحوادث على أنها حوادث مرور.
وعند حلول الليل، يتم نقل المهاجرين إلى بحيرة وان للعبور إلى تاتفان. وبعد بضعة أيام من الانتظار في محطة حافلات تاتفان، يتم نقلهم غربًا بالسيارات. وفي بعض الأحيان لا تأتي السيارات. وفي مثل هذه الحالات، يحاول المهاجرون بعد ذلك الحصول على أوراق من مديرية الهجرة حتى يتمكنوا من السفر عبر الحدود.
عن "أحوال" تركية