للمرة الأولى منذ عقود طويلة، احتفل اليهود المصريون خلال منتصف الشهر الحالي كانون الأول (ديسمبر)، في معبد عدلي، الواقع في وسط القاهرة، بعيد الأنوار، وهو العيد الذي يحتفل به يهود العالم، في نفس التوقيت، وذلك بمشاركة جمعية قطرة اللبن المصرية، التي تعنى بالحفاظ على التراث اليهودي.
وجدير بالذكر أنّ الطائفة اليهودية في مصر، تضاءل حجمها، وعدد أفرادها، إلى أقل من عشرة أشخاص، من بينهم رجل واحد، وغالبيتهم من السيدات، اللائي فضلن البقاء وعدم الهجرة إلى أوروبا أو إسرائيل، وأعمارهن بين الستين والثمانين عاماً.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن طائفة الأميش
وفي سياق متصل، قرر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تخصيص مبلغ مليار و٢٧٠ مليون جنيه مصري (حوالي 71 مليون دولار) لترميم مواقع التراث اليهودي في مصر، ومن بينها الآثار والمعابد اليهودية.
وتبرز الآثار اليهودية مسار حياة الطائفة اليهودية، التي ساهم أبناؤها بدور مؤثر في شتى المجالات الفنية والثقافية والسياسية، وبالتالي، يعد الحفاظ على مواقع التراث اليهودي، جزءاً من الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وترميم أحد جوانبها المهمة، للحفاظ على الهوية كاملة وغنية، وقد أوضح وزير الآثار المصري، خالد العناني، أنّ التراث اليهودي جزء من التراث المصري.
وبحسب تقرير الحالة الدينية في مصر، الصادر عن مركز دال، عاش اليهود في مصر، منذ نهايات القرن التاسع عشر، في تجمعات سكنية عرفت بحارات اليهود. وقد أدت الهجرات اليهودية إلى حدوث زيادة في أعداد الطائفة؛ ليرتفع من (6000/7000) نسمة إلى نحو (25000) نسمة عام (1897م)، وإلى أكثر من (60000) نسمة عام (1920م) وتوضح التقديرات أن العدد كان يتراوح بين (75000) نسمة إلى (80000) نسمة قرب اندلاع حرب فلسطين عام (1948م).
فترة الحكم السلوقي شهدت، وبالتحديد خلال حكم الملك سلوقس الرابع، فرض الثقافة الهيلينية على اليهود
ولليهود الآن في مصر ما يقرب من (12) معبداً؛ أهمها معبد "بن عزرا" بمصر القديمة، ومعبد "ابن ميمون" في حارة اليهود -وهذان المعبدان هما الأشهر على مستوى العالم- ومعبد "شعار هاشميم" أو "بوابة السماء" الكائن بوسط القاهرة، وهو المعبد الرئيس للطائفة اليهودية؛ ففي هذا المعبد تقام الصلوات، وتمارس الطقوس الدينية، والأعياد اليهودية المهمة، بالإضافة إلى معبد "يهودا هانافي" بمدينة الإسكندرية بحسب مقال نشره موقع "العربية" بعنوان "يهود مصر يعيشون على معاش حكومة نظيف وصناديق النذور" بتاريخ 23/4/2010.
وهناك أيضاً في الإسكندرية معبد "منشه" الذي أسسه البارون يعقوب دي منشه عام (1860م) بميدان المنشية، ومعبد "الياهو حزان" بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج وقد أنشئ عام (1928م)، ومعبد "جرين" الذي شيدته عائلة جرين بحي محرم بك عام (1901م)، ومعبد "يعقوب ساسون" الذي أسس عام (1910م) بجليم، ومعبد "كاسترو" الذي أنشأه موسي كاسترو عام 1920م بحي محرم بك، ومعبد "نزاح إسرائيل" الأشكنازي وبني في عام (1920م)، ومعبد "شعار تفيله" الذي أسسته عائلتا انزاراوت وشاربيه عام (1922م) بحي كامب شيزار، فضلاً عن بعض المعابد التي هدمت واندثرت.
اقرأ أيضاً: طائفة المورمون.. الوحي المتأخر
من جهتها، قامت رئيس الطائفية اليهودية، ماجدة شحاته هارون، بتلاوة الصلوات، وإشعال الشموع في الشمعدان، وجدير بالذكر أن رئيس الطائفة اليهودية هي ابنة القيادي المعروف، في الحركة الوطنية الشيوعية بمصر شحاته هارون، الذي كان من بين أبرز المدافعين عن فلسطين، وحقوقها التاريخية، بينما تصدى للكيان الصهيوني، وفضح ممارساته الاستعمارية، ودوره التخريبي وأهدافه في المنطقة.
وعبرت هارون في كلمتها عن أنّ عدد اليهود المصريين لم يعد كبيراً، لكنهم مازالوا جزءاً من النسيج الوطني المصري، كما أن لديهم أصدقاء مسلمين ومسيحيين، يجمعهم اهتمام مشترك وهو الحفاظ على التراث اليهودي، وأردفت: "هؤلاء الأصدقاء موجودين بيننا، اليوم، ويوجد غيرهم الكثيرون من المنضمين لجمعية قطرة اللبن، التي يعد الحفاظ على التراث من بين أهدافها. لدينا تراث كبير، وشخصياً لست قلقة عليه، لأن شباب مصر سيحافظون عليه".
ولتسليط أضواء كاشفة عن "حانوكا" ترصد "حفريات" عشر معلومات عنه:
أولاً: عيد الأنوار أو "حانوكا" الذي يعني بالعبرية "تدشين"، يعد أحد أهم الأعياد اليهودية، غير الدينية، والذي يحتفل اليهود به لمدة ثمانية أيام، عبر أداء طقوس مختلفة، حيث يعتقدون أنها أيام السعادة، ويمتنعون خلالها عن الحزن والحداد، ويؤدون الممارسات الدينية، كالصلاة، كما توقد شمعة في شمعدان معد خصيصاً لهذا الأمر، في مساء كل يوم.
ثانياً: ترجع أصول هذا العيد إلى عصر ما يعرف بـ "الهيكل الثاني"، في القرن الثاني قبل الميلاد، بعدما احتل الإغريق السلوقيون منطقة القدس، وقاموا باضطهاد سكان مملكة يهودا، وجرى منعهم من ممارسة طقوسهم الدينية وتقييد حريتهم، وقد تبع هذا الاحتلال أن تم تكريس العبادة للإله اليوناني، زيوس، ليصبح الهيكل معبداً لعبادة الأوثان، وهو ما يعتبره اليهود تدنيساً لقدسية هيكل سليمان.
ثالثاً: اعتاد المحتفلون خلال العيد بتناول الوجبات المقلية في الزيت، بغية التذكير بمعجزة جرة الزيت، المعروفة في اليهودية.
رابعاً: لا يعد عيد الأنوار عيداً دينياً، إنما هو إحياء ذكرى تكريس أو تدشين الهيكل الثاني في القدس، العام 164 قبل الميلاد، بعد السيطرة عليه من قبل جنود المملكة السلوقية الإغريقية، وذلك في ظل حكم الملك أنطيوخس الرابع، ثم حصولهم على حرية العبادة، مرة أخرى، بعد الاضطهاد والقمع والاحتلال، وذلك إبان ثورة شعبية، قام بها اليهود، بقيادة يهودا المكابي.
خامساً: بحسب التاريخ التقليدي لليهود، فإن فترة الحكم السلوقي شهدت، وبالتحديد خلال حكم الملك سلوقس الرابع، فرض الثقافة الهيلينية على اليهود، ومنعهم من ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، ومن أداء تقاليدهم الخاصة، وذلك عبر مجموعة من الإجراءات القسرية، حيث أرغموا على أكل لحم الخنزير، الممنوع وفق الشريعة التوراتية، وحظر عليهم الاحتفال بيوم السبت، وكذلك جرى وقف عمليات الختان، وتعقب كل من يؤدي تلك الطقوس، وإقرار عقوبة الإعدام ضده.
ترجع أصول عيد حانوكا إلى عصر ما يعرف بـ "الهيكل الثاني"، في القرن الثاني قبل الميلاد
سادساً: بعد الانتصار على السلوقيين، والذي يعد بحسب وجهة النظر التاريخية لليهود معجزة، بسبب قوة المملكة السلوقية في تلك المرحلة، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، نجح أخيراً تمردهم ضد الإغريق، وتمكنوا من استعادة استقلالهم، المتمثل في العودة مجدداً للصلاة في المعبد، وأداء الصلوات والعبادة في الهيكل، بعد إلغاء الوثنية المفروضة من الإغريق وفرض التوحيد، ومن ثم بداية عصر ملوك اليهود المعروف باسم السلالة "الحمشونية".
سابعاً: يعد أبرز ما في هذا الانتصار الذي حققه اليهود، هو تجديد عبادتهم، لذا تقوم الطائفة اليهودية بإحياء هذه الذكرى عبر مجموعة من الطقوس الرمزية، لاستعادة هذا الحدث المفتاحي، حيث يقومون بأداء صلوات الشكر لله، الذي منحهم النصر، بالإضافة إلى إشعال الشمعدان السباعي "المينوراة"، وبينما تشير الرواية التاريخية، إلى أن اليهود مع دخولهم الأول للمعبد لم يجدوا إلا جرة زيت واحدة، تكفي لاشعال يوم واحد، فقط، للشمعدان، إلا أن الزيت غطى الأيام الثمانية للاحتفال، بخلاف التوقعات كافة، وهو ما اعتبروه معجزة سميت بـ"معجزة الزيت".
اقرأ أيضاً: 10 معلومات لا يعرفها الكثيرون عن طائفة البهرة في مصر
ثامناً: في المدينة الإيطالية روما التي تتعدد المعالم الأثرية فيها، تبرز محطات تاريخية عديدة، من بينها: "قوس تيتوس"، الذي بناه القيصر دوميتيانوس، في العام 82 ميلادياً، بهدف تخليد ذكرى انتصار الرومان على مملكة يهوذا، في العام 70 ميلادياً، فيظهر في الـ"قوس"، مشهد الرومان المحتفلين بانتصارهم ومعهم أداة الهيكل الثاني، والتي من بينها تابوت العهد، والشمعدان السباعي "المينوراة".
تاسعاً: بدأ التمرد اليهودي مع الكاهن متتياهو الحشمونائي، وهو القائد التاريخي، الذي بدأ محاولة استعادة الاستقلال، وتبعه في ذلك، ابنه، يهودا المكابي، الذي حقق الانتصار النهائي، وكان على رأس القيادة العسكرية للتمرد، واسم مكابي له دلالة في اللغة العبرية حيث يعني: "المقاتل الذي يحمل معه مطرقة".
عاشراً: مضت سبع سنوات من الحرب الأهلية والتمرد الذي توجه ضد كثير من اليهود، ممن آمنوا بالوثنية، وخضعوا للحكم السلوقي وديانته، وعبدوا آلهة اليونان، قبل أن يظفر المكابيون وجيشهم وعناصر المقاتلين باستعادة الهيكل وممتلكاته المنهوبة، وكان أولها الشمعدان الذي يعد الحدث المركزي والرئيس عبر إشعال الشمع كل ليلة، بما يعني استعادة نور الله والتوحيد بعد ظلام الوثنية.