رئيس الاستخبارات الإقليمية الفرنسية يطالب باستراتيجية أوروبية شاملة لمواجهة الإخوان المسلمين

رئيس الاستخبارات الإقليمية الفرنسية يطالب باستراتيجية أوروبية شاملة لمواجهة الإخوان المسلمين

رئيس الاستخبارات الإقليمية الفرنسية يطالب باستراتيجية أوروبية شاملة لمواجهة الإخوان المسلمين


30/12/2024

قال مسؤول استخباراتي فرنسي رفيع المستوى: إنّ جماعة الإخوان المسلمين تعمل جاهدة على توسيع نفوذها في فرنسا، وذلك من خلف الكواليس من أجل تكريس الانفصالية وتطبيق أجندتها السياسية.

وقد أدلى برتراند تشامولاود، رئيس المديرية الوطنية للاستخبارات الإقليمية بوزارة الداخلية الفرنسية بهذه التصريحات خلال مقابلة مع صحيفة (لوموند) هذا الأسبوع. وقال إنّ أكثر من (100) ألف مُصلٍّ يحضرون إلى المساجد التي تديرها جماعة الإخوان المسلمين. وأكد أنّ هذه المساجد تعمل كمنصات لنشر إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين.

واستشهد كمثال على نفوذ الإخوان بمنظمة غير ربحية هي "التجمع ضدّ الإسلاموفوبيا في فرنسا" المنحلة، التي تأسست في العام 2003 بداعي مكافحة التمييز ضدّ المسلمين. وبعد حلها في العام 2020 تعرضت لانتقادات متكررة؛ بسبب استخدامها لمصطلح "الإسلاموفوبيا" بشكل متواصل لأغراض سياسية، كما اشتبه في ارتباطها بالإخوان المسلمين.

تكريس الانفصالية

وأكد تشامولاود أنّ أفكار الإخوان لتكريس الانفصال ومنع دمج المسلمين بدأت في الانتشار في أنحاء أوروبا، وخاصة بلجيكا، حيث يمارس الإخوان ضغوطاً على المسلمات لفرض الحجاب الإلزامي ومنع الاختلاط في العمل بين الجنسين.

ووفقاً لتشامولاود، تهدف الجماعة إلى دمج فرنسا في خلافة تحكمها الشريعة الإسلامية. وتؤكد هذه التصريحات النهج الدقيق والمنظم للجماعة لتوسيع موطئ قدمها في المجتمع الفرنسي، والاستفادة من التناقضات لتعزيز أجندتها.

ولفت إلى أنّ فرنسا أصبحت هدفاً واضحاً للجماعة التي تسعى إلى استغلال تزايد أعداد المسلمين هناك، حيث يعيش في فرنسا نحو (7) ملايين مسلم، أي ما يقرب من 10% من السكان، وفقاً لبيانات وكالة الإحصاء الفرنسية. والإسلام هو ثاني أكبر ديانة في البلاد بعد الكاثوليكية.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أطلق حملة صارمة على ما سمّاه الانفصالية الإسلامية والإسلام المتطرف في البلاد، في أعقاب الهجمات الجهادية المميتة التي شنها مسلحون أجانب ومحليون في الأعوام الأخيرة. وتهدف الإجراءات إلى الحد من النفوذ الإخواني على المؤسسات الإسلامية في فرنسا، وتعزيز الإسلام الفرنسي المتوافق مع القيم العلمانية للبلاد.

الرئيس الفرنسي: إيمانويل ماكرون

ومن بين التدابير الأكثر أهمية، إغلاق المساجد المشتبه في أنّها تروج لإيديولوجيات متطرفة. كما طردت الحكومة الأئمة الأجانب الذين اعتبرتهم انفصاليين، وزادت الرقابة على المدارس والجمعيات الإسلامية. ومع ذلك أثارت هذه الإجراءات انتقادات من بعض الأوساط، مع اتهامات بوصم المسلمين وانتهاك الحريات الدينية.

خطاب المظلومية ودور الضحية

وقال تشامولاود: إنّ الجماعة تستغل التوترات المجتمعية بشكل فعال للتسلل تدريجياً إلى بعض المؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني. وأضاف: "هذا الأمر يقلقنا؛ لأنّ تسللهم يطال كافة القطاعات: الرياضة، والصحة، والتعليم، وغيرها" . وحذر تشامولاود من أنّ هذا النهج يهدف إلى التطبيع مع الإيديولوجيات الإسلامية، وجعلها تبدو حميدة وحتى جذابة لشرائح معينة من السكان. وقال: "هذا يقلقنا لأنّ تسللهم يؤثر على جميع القطاعات"، مؤكداً على الطبيعة الشاملة للتهديد الإخواني. وأضاف: "على عكس الجماعات التي تلجأ إلى العنف الصريح، تستخدم جماعة الإخوان خطاباً مراوغاً للغاية، ممّا يسمح لها بتجنب الكشف والإدانة الفورية".

وقال تشامولاود: إنّ إحدى أدوات الإخوان الاستراتيجية هي لعب دور الضحية، موضحاً أنّه في كل مرة يتم فيها إغلاق مسجد أو طرد إمام انفصالي، يندد الإخوان بما يُسمّى "الدولة المعادية للإسلام". وحذر رئيس الاستخبارات الفرنسية من أنّ الخطر يكمن في أنّ بعض المسلمين المعتدلين قد يقتنعون بخطاب الضحية، ولعبة المظلومية التي يمارسها الإخوان المسلمون ببراعة.

وتسلط تصريحات تشامولاود الضوء على النفوذ المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين في بلدان أوروبية أخرى. ولا يقتصر التسلل على منظمات المجتمع المدني والترويج للإيديولوجيات الانقسامية على فرنسا. فبلجيكا، على سبيل المثال، تشهد ترسيخاً تدريجياً للأفكار التي تروج لها جماعة الإخوان المسلمين. ويؤكد هذا الانتشار عبر الحدود على الطبيعة العابرة للحدود الوطنية لأجندة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يتطلب استجابة أوروبية موحدة.

إنّ استراتيجية الإخوان المسلمين في استغلال التوترات المجتمعية مثيرة للقلق بشكل خاص. فمن خلال وضع نفسها في موقع المدافع عن حقوق المسلمين، وضحية للتمييز المنهجي، تكتسب المنظمة التعاطف وتجند الأتباع. وهذا النهج يعقد جهود الحكومات الأوروبية لمكافحة التطرف، لأنّه يطمس الخط الفاصل بين المظالم المشروعة والدعاية المتطرفة.

استراتيجية الإخوان المسلمين في استغلال التوترات المجتمعية مثيرة للقلق بشكل خاص

على سبيل المثال، كثيراً ما أدت المناقشات حول ارتداء الحجاب وغيره من الرموز الإسلامية في الأماكن العامة إلى انقسام المجتمع الفرنسي. وتستغل جماعة الإخوان المسلمين مثل هذه الانقسامات، وتصوّر سياسات الحكومة على أنّها هجمات على الإسلام، بدلاً من كونها تدابير لدعم العلمانية. وهذا لا يؤدي إلى تأجيج الاستياء بين المسلمين فحسب، بل يعيق أيضاً اندماج المجتمعات المتنوعة.

تحديات متعددة

إنّ التحدي الذي تواجهه فرنسا يكمن في إيجاد التوازن بين ضمان الأمن الوطني وتعزيز التماسك الاجتماعي. ورغم أنّ التدابير الرامية إلى مكافحة الانفصالية الإسلامية تشكل أهمية أساسية، فإنّها لا بدّ أن تُنفذ على نحو لا يؤدي إلى عزل المسلمين المعتدلين، حتى لا يتم إيجاد أرض خصبة لترسيخ الإيديولوجيات المتطرفة.

تحذيرات تشامولاود بمثابة تذكير صارخ بالتعقيدات التي ينطوي عليها التعامل مع النفوذ الإخواني في فرنسا. ذلك أنّ الأساليب التي تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين  تتطلب استجابة دقيقة تتجاوز استراتيجيات مكافحة الإرهاب التقليدية. وهذا يشمل تعزيز السياسات الشاملة التي تعالج المظالم المشروعة مع رفض الإيديولوجيات المتطرفة.

إنّ أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا تشير إلى اتجاه أوسع نطاقاً في مختلف أنحاء أوروبا، حيث تستغل المنظمات الإخوانية الحريات الديمقراطية لتعزيز أجنداتها. وهذا يثير تساؤلات حول مدى قدرة الديمقراطيات الليبرالية على الصمود في مواجهة الإيديولوجيات التي تسعى إلى تقويضها من الداخل.

إنّ ما كشف عنه برتراند تشامولاود يؤكد الحاجة الملحة إلى اليقظة ضد التسلل الإخواني في فرنسا وخارجها. ورغم أنّ أساليب الإخوان المسلمين قد تكون خفية، فإنّ أهدافهم الطويلة الأجل تشكل تهديداً كبيراً للقيم الديمقراطية للمجتمعات الأوروبية. ويتطلب التصدي لهذا التحدي اتباع نهج شامل يجمع بين التدابير الأمنية القوية والجهود الرامية إلى تعزيز التكامل والتماسك الاجتماعي. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية