دبلوماسي بريطاني يكشف استنتاجات تقييمه للإخوان المسلمين

دبلوماسي بريطاني يكشف استنتاجات تقييمه للإخوان المسلمين


16/12/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

كم يمرّ الوقت بسرعة..

في آذار (مارس) 2014، وبشكلٍ مفاجئ إلى حدٍّ ما، كلّفني رئيس الوزراء آنذاك، ديفيد كاميرون، بقيادة عمليّة تقييمٍ داخليّةٍ تَهدِف إلى إعلام الحكومة وتحسين فهمها بشأن جماعة الإخوان المسلمين، مرّت ستّ سنواتٍ منذ أن قدّمت ما أصبح يُعرَف باسم "تقييم الإخوان المسلمين"، وفي 17 كانون الأوّل (ديسمبر)، ستكون قد مرّت خمس سنواتٍ بالضّبط على إبلاغ كاميرون مجلس العموم باستنتاجات التّقييم الرّئيسة.

كثير ممّن وصفوا قرار كاميرون بإطلاق عمليّة التّقييم قبل ستّ سنوات بأنّه غريب، أو يَخدِم مصالح شخصيّة، غيّروا نغمتهم

وكنت قد أوضحتُ، قبل أن أبدأ، أنّني إذا قبلتُ التّكليف، فسأحتاج إلى حرّيّة إجراء بحثي الخاصّ والسّفر على نطاقٍ واسعٍ والحصول على الدّعم المناسب داخل الوايتهول، وأنّني سأستكشف الجوانب العديدة للإسلامويّة، وليس فقط التّشكيلة الإخوانيّة، وأنّني سأكتب المراجعة بنفسي، على طريقتي الخاصّة، ووفق استنتاجاتي الخاصّة، بينما أنا في منصبي سفيراً إلى المملكة العربيّة السّعوديّة.

عملنا بسرعة، وفي غضون أربعة أشهر، سافرت خارج الرّياض ولندن إلى البحرين وقطر والكويت والإمارات العربيّة المتّحدة ومصر وتونس والمغرب ولبنان وإسرائيل والسّلطة الفلسطينيّة.

لقد أجريت شخصيّاً مقابلات، أو حصلت على آراء، ما بين 100 إلى 200 فرد، بما في ذلك العديد من كبار قيادات الإخوان المسلمين وإسلامويّين آخرين، وخبراء في الموضوع، ومسؤولين حكوميّين، ومحامين، واستخباراتيّين، وطلبت من سفاراتنا في كافّة أنحاء العالم إبلاغي عن الوضع في بلدانهم، وقرأت كلّ ما يمكنني الحصول عليه بخمس لغات، سواء كانت كتابات مفتوحة المصدر أم وثائق سرّية، وقد تشاورت مع زملاء لي وحاججت بشأن الاستنتاجات الرّئيسة وفكّرت مليّاً في معنى كلّ ذلك.

اقرأ أيضاً: كيف يعمل التطرف في بريطانيا؟

يعتقد البعض أنّها مهمّة غير عاديةٍ، بل ومحفوفة بالمخاطر، على صعيد السّمعة، بالنّسبة إلى سفيرٍ ما يزال في الخدمة، وببساطة؛ اقترحوا أن أُبقي رأسي منخفضاً، لكنّني كنت أنتقل من وزارة الخارجيّة، وفي الحقيقة وجدتّ العمل محفّزاً فكريّاً، وبما أنّه سبق لي التّمرّس في الأكاديمية، فقد شعرت حينها كما لو طُلب منّي كتابة أطروحة دكتوراه ثانية، لكن هذه المرّة خلال شهور، لا سنوات (وهذا دائماً ما يكون نمطاً جيّداً من الانضباط، وأنا أوصي به).

اقرأ أيضاً: 100 متطرف مؤهل للإفراج المشروط في بريطانيا.. ومخاوف من هجمات جديدة

بدت معالجة التّحدّي الأيديولوجيّ للإسلامويّة، الّتي حدّدها ديفيد كاميرون على أنّها قضيّة رئيسة، في خطابه في مؤتمر ميونخ للأمن، عام 2011، شيئاً ملموساً ومهمّاً.

كان هذا هو الحال بشكلٍ خاصٍّ في وقتٍ أصبحت فيه السّياسة الخارجيّة البريطانيّة، في أعقاب العراق وأفغانستان، أكثر انغماساً في الذّات؛ بدا أنّ الدّوغمائيّة والإذعان أكثر أهميّةً من السّعي الدّؤوب لتحقيق المصالح الإستراتيجيّة ضمن نظامٍ عالميٍّ متغيّر.

المشكلة لم تكن في الإسلامويّين

من المؤكّد أنّها لم تكن مهمّة سهلة، لكنّ المشكلة لم تكن في الإسلامويّين، فالكثير منهم كانوا مستعدّين للتّحدّث معي (وعندما لم يكونوا كذلك، لم يؤثّر ذلك بشكلٍ يُذكَر)، وعوضاً عن ذلك؛ كان العداء لفكرة التّقييم بالكاد مُقَنّعاً من بعض الخبراء في هذا المجال (خبراء بدا أنّهم رأوا أنّه من قبيل الوقاحة لمجرّد حكومةٍ أن تُشكّك في أبحاثهم) وربما على نحو مثير للدّهشة بشكلٍ أكبر، من بعض الزّملاء.

بدا أنّ لديهم مجموعة من الاعتراضات التي كان بعضها معقولاً، وأغلبها ليس كذلك.

قالوا إنّ المشروع يخدم أجندةً يمينيّةً متشددّة، وزعموا أنّ الإسلامويّين، الذين تعاملنا معهم لعقود، قد أُسيء فهمهم ببساطة، وأنّني أحرّض على سوء الفهم هذا، وزعموا أنّهم ليسوا معادين للدّيمقراطية، وأنّ المسؤوليّة الحكوميّة، على أيّ حال، ستروّضهم.

اقرأ أيضاً: لماذا ترفض بريطانيا الكشف عن وثائق رحلة النازي رودولف هس؟

لقد حاججوا أنّ الإسلاموية مثّلت استجابةً حقيقيّةً ومفهومةً للقمع، واقترح البعض أنّ جماعة الإخوان، على وجه الخصوص، تُشبه الدّيمقراطيّين المسيحيّين، لكن مع إضافة اللّحى، وأنّهم بمثابة جدار حمايةٍ مهمٍّ ضدّ الرّدكلة، وقال هؤلاء الأشخاص؛ إنّ جماعة الإخوان قد عرضت على جماهير العالم الإسلاميّ المتألّمة بديلاً سياسيّاً سلميّاً للانفجار الحتميّ للغضب المحقّ ضدّ الطّغاة العرب، والغرب المعادي والكاره للإسلام.

في النّهاية أزعجني كلّ ذلك (على حدّ تعبير الشّخصيّة الخياليّة العظيمة، فيليب مارلو) بنسبة 10 في المئة من لا شيء على الإطلاق.

اقرأ أيضاً: الإرهاب في ليبيا.. ما علاقة بريطانيا؟

 سافرت وتحدّثت وأشرفت على إعداد سجلّاتٍ مفصّلةٍ ومتّسقة ووزنت الأدلّة، ودرست النّصوص، وشاهدت مقاطع الفيديو، ورفضت نظريّات المؤامرة الجامحة، و، بعد عمليّة اختبارٍ صارمةٍ قادها مكتب مجلس الوزراء، توصّلت إلى استنتاجاتي، وقد انعكس كلّ ذلك فيما قاله رئيس الوزراء لمجلس العموم، في أيار (مايو) 2015.

ما الّذي تغيّر؟

بعد خمس سنوات، ما الّذي تغيّر؟ حسناً، في العالم الأوسع، ثمّة الكثير جدّاً، إذا تركنا جانباً المواقف المتوقّعة لبعض الحكومات العربيّة، فإنّ أيّ شخص يُتابع التّطوّرات الأخيرة، في النّمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا، سيشعر بتغيّر في المزاج.

ثمّة شهيّة جديدة لـ "فهم الإسلامويّة"، لو كان لي أن أُعيد صياغة عنوان مشروع جديد أُديره في بوليسي إكستشينج، ومواجهة التّحدّي على المستوى الأيديولوجيّ.

وهذا لا يتعلّق فقط بالإخوان المسلمين، إنّ صعود داعش والفهم الأوسع للأسس الأيديولوجيّة والرّوابط المعقّدة لكلٍّ من الحركات الإسلامويّة السنّية والشيعيّة، والاعتراف بالضّرر الحقيقيّ الذي يمكن للخطاب الإسلامويّ أن يُلحِقَه بالتّماسك الاجتماعيّ، والتّغيّر السّريع في توازن القوّة العالميّة قد ساعد أيضاً في تغيير المزاج في الولايات المتّحدة ومعظم أوروبا.

اقرأ أيضاً: كيف يستغل الإخوان ومتشددون ليبيون ديمقراطية بريطانيا؟

من السّابق لأوانه معرفة موقف إدارة بايدن من كلّ هذا، وسيكون من غير الحكمة اتّخاذ موقف إدارة ترامب باعتباره يمثّل سابقةً من أيّ نوع، لكن كانت هناك فرصة للكثير من التّأمّل الذّاتي، منذ عام 2013.

من السّابق لأوانه معرفة موقف إدارة بايدن من كلّ هذا، وسيكون من غير الحكمة اتّخاذ موقف إدارة ترامب باعتباره يمثّل سابقةً من أيّ نوع

في ذلك الوقت، أدّى عدم الكفاءة المطلق وتحكّميّة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، واختطاف ليبيا، وكارثة الزّعيم العراقي، نوري المالكي (المدعوم من بايدن في ذلك الوقت)، وأهوال الموصل والرّقّة، إلى التّشكيك في العديد من الافتراضات الّتي عقدها واضعو السّياسات سابقاً، كما أدّى الدّعم الشعبيّ الواسع للتحوّل السلطويّ إلى الأمن عبر المنطقة إلى تغيّر الديناميكيّة، وهذا يجعلني آمل في أن نكون أبطأ في الاندفاع إلى الحكم في المرّة القادمة، عندما يتعلّق الأمر بفضائل الثّورة وقوس الكون الأخلاقي.

اقرأ أيضاً: هجوم ريدينغ يكشف تغلغل التشدد في بريطانيا

إنّنا نعيش الآن في عصرٍ يُمكن فيه للحكومة الألمانيّة أن تُعلِن أنّ منظّمة الإغاثة الإسلاميّة عبر العالم في برمنغهام، والّتي عانت سلسلةً من الحوادث المحرجة على مستوى مجلس الإدارة هذا العام، لن تتلقّى أموالاً رسميّة بعد الآن، ونعيش في عصرٍ يُمكن فيه للسّلطات في النّمسا وفرنسا التّحقيق في التدفّقات الماليّة الإسلاموية المشبوهة، وفضح التّصريحات التّحريضية والمليئة بالكراهية، وتوضيح أنّ الأيديولوجيات التي تُهدّد أساس النظام الاجتماعي الليبراليّ والقِيَم الجمهوريّة سيُنظَر إليها الآن على أنّها تحدٍّ لكلّ حكومة.

وأجرت دول أخرى تقييماتها الخاصّة بهدوء، وكثير ممّن وصفوا قرار كاميرون بإطلاق عمليّة التّقييم قبل ستّ سنوات بأنّه غريب، أو يَخدِم مصالح شخصيّة، غيّروا نغمتهم، كذلك ثمّة إحياء مرحّب به وصارم، للاهتمام بالعلاقة المعقّدة بين الإسلام والإسلامويّة والدّيمقراطيّة.

هل الأيديولوجيا مسألة خاصة؟

لكن هنا، في لندن، قدّمنا، ​​حتّى الآن، في أحسن الأحوال، دعماً فاتراً لباريس وفيينا، ويبدو أنّ الشّرطة ما تزال تعتقد أنّ الأيديولوجيا (على الأقلّ في هذه القضيّة) تُعدّ مسألة خاصّة، وأنّه يجب، على أيّ حال، التّركيز بشكلٍ صارمٍ على مكافحة الإرهاب، والّذي، بالمناسبة، يتعلّق بشكلٍّ متزايدٍ بالحركات اليمينيّة المتطرّفة.

اقرأ أيضاً: "الطعنة الأخيرة" لبريطانيا من متشددي ليبيا... هل تعيد لندن حساباتها بدعم "الوفاق"؟

لقد تمّ تعيين القياديّ الإخوانيّ المسنّ، إبراهيم منير، 83 عاماً، والذي أتذكّر أنّه أخبرني، عام 2014، بأنّه يعرف القليل جدّاً عمّا كان يحدث (كما ذكرنا في بوليسي إكستشينج) للتّوّ، مرشداً أعلى بالإنابة لجماعة الإخوان المسلمين، وهو المنصب الذي سيشغله من معتكفه في شمال لندن، ويبدو أنّ الجماعات المسيحيّة واليهوديّة في كافّة أنحاء البلاد تعتقد أنّه ليس ثمّة شيء لا يمكن حلّه من خلال فنجان شاي لطيف، والمزيد من الحوار بين الأديان، وتقوم جمعيّة الحكومة المحلّيّة بإجراء بحثٍ حول مدى إهانة كلمة "إسلامويّ"، وتحت كلّ ذلك؛ يكتشف المرء الميل غير المنقوص "للماكينة" البيروقراطيّة لمتابعة ما تعدّه الطّريق الأقلّ مقاومة: التّواصل مع الإسلامويّين.

اقرأ أيضاً: كيف ولماذا تصادق بريطانيا الإرهابيين؟

كلّ هذا ينبغي أن يُثير قلق حكومةٍ قويّةٍ في تحديدها للمشكلة، لكنّها ما تزال خجولة فيما يتعلّق بالأبعاد الأكثر أهميّة، تحت السّطح، قد تكون ثمّة علامات على حدوث تحوّل في التّفكير، لكن لم يكن ثمّة تحوّل نهائيّ في خطابها العام، على الأقلّ تحوّل من النّوع الذي من شأنه أن يُشير إلى حقبةٍ جديدةٍ في سياسة المملكة المتّحدة تجاه الإسلامويّة.

إذاً، ألا تمثّل هذه الّلحظة التّوقيت الجيّد كي تقوم حكومة إصلاحٍ بفعل شيءٍ ما؟ وفوق كلّ شيء؛ ألم يحن الوقت للاعتراف بأنّ التّواصل المرن مع الإسلامويّة لم ينجح قطّ، وبناء إطارٍ سياسيّ جديدٍ على هذا الأساس النقدي؟ ربما في العام الجديد.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جون جينكنز "ذي سبيكتاتور" 12 كانون الأوّل (ديسمبر) 2020


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية