خامنئي يؤمّ صلاة الجمعة.. لماذا صعد إلى المنبر الآن؟

خامنئي يؤمّ صلاة الجمعة.. لماذا صعد إلى المنبر الآن؟


20/01/2020

منذ تنفيذ عملية اغتيال قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني، ثمّة تداعيات كثيرة، محلية وإقليمية، حول الحادث، ستنجم عنها نتائج عديدة؛ حيث أشار محللون ومراقبون سياسيون، إلى أنّ العلاقات الأمريكية الإيرانية، منذ أربعة عقود، تعكس تاريخاً معقداً يحفل بالخلافات والصراعات والتباينات في المواقف، وأنّها في نهاية الحال ستسفر عن وقوع حرب بينهما، خاصة في ظلّ التصعيد العسكري النوعي مع الجمهورية الإسلامية، مؤخراً، إضافة إلى مواجهات غير مباشرة، ستتنوع ساحاتها الإقليمية، سواء في بغداد أو غيرها.

إيران وسياسة الضغط القصوى

وبينما تفادت الإدارتان الأمريكيتان السابقتان لترامب خيار الأخير الذي نفّذه فيما يخصّ قائد "فيلق القدس"، لتجنّب التصعيد العسكري مع الجمهورية الإسلامية؛ فإنّ سيناريوهات ما بعد سليماني ستبقى مفتوحة على عدة احتمالات؛ فهل ستنجح سياسة الضغط القصوى لترامب على إرغام طهران في العودة إلى طاولة المفاوضات؟ وكيف ستعمل الجمهورية الإسلامية على ترميم أسطورة قائد فيلق القدس المصنوعة، بعد أن جعلت من شخصيته قوة إقليمية تمتدّ شبكة علاقاتها على مدار عقدين، بين حزب الله في لبنان، مروراً بالحشد الشعبي في العراق، وحتى دعم الحوثيين في اليمن؟ وإلى أيّ حدّ سيوظف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الحادث، في ظلّ ما يعانيه من احتجاجات شعبية متواصلة، منذ نهاية عام 2017، في تعبئة الرأي العام ضدّ واشنطن والتغطية على ممارسات النظام القمعية؟

مهدي خلجي: إمامة خامنئي الصلاة في مثل هذه البيئة المشحونة سعت لمعالجة مصادر قلق رئيسة يتعرض لها النظام

اللافت أنّ النظام الإيراني يعاني من حالة تفلّت وارتباك شديدين، خاصة إثر اعتراف الحرس الثوري بإسقاط الطائرة الأوكرانية "عن طريق الخطأ"، بحسب روايته، والتي راح ضحيتها 176 مدنياً، بعد إنكارهم تلك الجريمة لمدة ثلاثة أيام متتالية، ما أدّى إلى اندلاع احتجاجات شعبية هائلة، وخروج الآلاف إلى الشوارع، في عدة مدن إيرانية، من طهران وحتى أصفهان، للتعبير عن استيائهم وغضبهم، الأمر الذي أفسد المشهدية "الكربلائية" التي حاول النظام صنعها لحساب سليماني.
ومن بين أبرز مشاهد الانفلات؛ اعتقال عناصر من الميليشيات الإيرانية للسفير البريطاني، روب ماكير، ومن ثم احتجازه لعدة ساعات للتحقيق معه، وتوجيه اتهامات بالتحريض وتصوير الاحتجاجات، قبل أن يتم إطلاق سراحه وطلب استدعائه بعدها بأيام.

اقرأ أيضاً: خامنئي في حالة النكران
ورأى المتحدث باسم السلطة القضائية في طهران السفير البريطاني؛ أنّه "شخص غير مرغوب فيه، قبل أن يتمّ الإعلان بعدها عن مغادرته للعاصمة".

دماء على منبر المرشد

بيد أنّ مهدي خلجي، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يشير إلى حادثة أخرى ذات دلالة مهمة ومؤثرة، ترتبت عن مقتل سليماني؛ حيث أمّ المرشد الأعلى، علي خامنئي، صلاة الجمعة، قبل أيام قليلة، للمرة الأولى، منذ 8 أعوام، في حين اعتاد القادة الإيرانيون على تكليف أئمة ورجال دين آخرين، لأداء تلك المهمة، بينما لم يؤم الإمام الخميني، مثلاً، الصلاة يوماً.

اقرأ أيضاً: ما الرسائل التي حملتها خطبة خامنئي؟
وعليه، تعكس تلك الرمزية الدينية محاولة للصعود السياسي، بواسطة استدعاء الطقس والشعيرة الدينية، بهدف توظيفها في توجيه رسائل معينة وأهداف محددة، بحسب الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية؛ حيث إنّ إمامة الصلاة في مثل هذه البيئة المشحونة، سعت إلى معالجة مصادر قلق رئيسة يتعرض لها النظام، وبخلاف احتجاجات البنزين، التي اندلعت خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تبين حتى الآن أنّه يتعذّر إصلاح الخطأ في السياسة الذي أجّج الاضطرابات الحالية.

اقرأ أيضاً: ماذا وراء هتاف الشعب الإيراني ضد خامنئي والنظام: أنتم عدونا؟
وفي آخر مرة قدّم فيها خامنئي خطبة يوم الجمعة، عام 2012، كانت استجابة للضغوط الاقتصادية المتنامية محلياً، إضافة إلى قرار الحكومة بالتفاوض مع واشنطن فيما يخصّ البرنامج النووي.
لكنّ خامنئي، في الخطبة الأخيرة، استهدف الحديث عن الاحتجاجات الأخيرة بعد حادثة الطائرة الأوكرانية؛ حيث اتهمها بالحصول على دعم من حكومات أجنبية، ورأى أنّ المئات الذين عمدوا إلى إهانة قاسم سليماني أثناء مظاهراتهم الاحتجاجية لا يمثلون الشعب الإيراني مقارنة بالملايين في جنازته، حسبما قال.

جرائم سليماني تلاحقه

وعرّج المرشد، الذي تحدث عن استمرار دعمه إلى "فيلق القدس"، بينما وصف مقاتليه بأنّهم "مقاتلون بلا حدود"، على عدة أمور رئيسة، تبرز مخاوفه وهواجسه السياسية القادمة؛ حيث وجّه رسالة إلى الشعب الإيراني طالب فيها بضرورة الإقبال على التصويت فى الانتخابات البرلمانية، والمزمع إجراؤها الشهر المقبل، وذلك بهدف تفويت الفرصة على من وصفهم بـ "الأعداء"، الذين يستهدفون تقويض الديمقراطية في إيران.

اقرأ أيضاً: أزمة خامنئي تبدأ الآن: كيف تعاد هيكلة السلطة في إيران؟
من جهته، يشير الباحث والمحلل السياسي المصري، رامي محمد، إلى أنّه منذ اعتراف الحرس الثوري الإيراني، بمسؤوليته عن إسقاط الطائرة الأوكرانية، تبدّل المشهد الذي حاول النظام الإيراني تدشينه، سواء محلياً أو على المستوى الخارجي، فالصورة التي عمد إلى تصديرها للخارج عبر حشد جماهيري ضخم، وتكوين جسر بشري يعبّر عن غضبه ضدّ ما يرونه "الاستكبار الأمريكي" أثناء جنازة سليماني، أفسدته جريمة الحرس الثوري وانقلب الأمر للنقيض؛ حيث خرجت الجماهير الإيرانية التي ضاعفت الحادثة استياءها وغضبها، لتحتجّ على الأمر، بينما قامت بحرق وتمزيق صور قائد فيلق القدس، كما لاقى هذا الاعتراف من جانب ميليشيات الحرس تنديداً دولياً واستنكاراً شديداً.

النظام الإيراني يعاني من حالة تفلّت وارتباك شديدين خاصة إثر اعتراف الحرس الثوري بإسقاط الطائرة الأوكرانية "عن طريق الخطأ"

ويتابع محمد حديثه لـ "حفريات": "تحركت قوى المعارضة لمهاجمة المرشد ذاته، وطالبته بالتنحي؛ حيث انتقدت فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، في شريط صوتي وجّهته للمرشد، الأوضاع في إيران، وحرضت على ضرورة العصيان المدني بهدف توسيع دائرة الاحتجاجات، كما طالب زعيم المعارضة الخضراء، مهدي كروبي، الذي يقبع تحت الإقامة الجبرية، منذ أعوام، هو الآخر، المرشد بضرورة التنحي وترك منصبه؛ حيث وصفه بأنّه "لا يمتلك صفات القيادة وعليه أن يتنحى".
ويختتم الباحث والمحلل السياسي؛ بأنّ النظام الإيراني، الذي اعتقل مهدي كروبي بعد رسالته للمرشد، كما جرى اعتقال حسين كروبي كذلك، بعد يومين من دعوة والده، الذي كان يخضع للإقامة الجبرية، منذ عام 2011، يعاني حالة من التأزم الشديدة داخل أطراف وأجنحة السلطة نفسها، في ظلّ توسيع هوة الخلاف مع الإصلاحيين والمعتدلين، ناهيك عن فشل خامنئي في خطبته الأخيرة في استعادة الثقة بالحرس الثوري كقوة عسكرية واقتصادية، بل إنّ السخط الشعبي والجماهيري، عكس تأكيداً على اعتبارهم عائقاً وسبباً في الأزمة، على خلفية سياستهم في إدارة المنطقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية