حين تتساوى الحكومة السورية والمعارضة في الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري

حين تتساوى الحكومة السورية والمعارضة في الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري


10/03/2022

وثق تقرير جديد صدر عن لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، حوادث اعتقال واحتجاز تعسفية وتعذيب تمارسها الحكومة السورية والمعارضة على حد سواء، ما يعد انتهاكاً فادحاً لحقوق الإنسان في بلد نزح أكثر من نصف سكانه، ويعيش أكثر من 90٪ منهم في حالة فقر الآن، ما يجعل السوريين يقفون على حافة هاوية جديدة في ظل تصاعد العنف بسبب المناوشات العسكرية والقصف من جهة، وعمليات الاختطاف والقتل بعيداً عن مناطق الصراع من جهة أخرى، بعد عشر سنوات من الحرب.

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": هذه شروط عودة سوريا إلى الجامعة العربية

ومع أنّ أجزاء من سوريا لم تعد خاضعة للقتال النشط، بحسب التقرير، يستمر العنف ضد المدنيين في جميع أنحاء البلاد، من القصف في الشمال الغربي والشمال والشمال الشرقي إلى أعمال القتل المستهدف والاحتجاز غير القانوني والتعذيب. ويعاني السكان من فقر مدقع يصيب السوريين في كل مكان، ولا سيما النازحين داخلياً.

الهاوية التي يواجهها الشعب السوري

 وحذر رئيس المفوضية باولو بينيرو من "الهاوية التي يواجهها الشعب السوري العالق بين الأطراف المتحاربة، والذي يتعرض للقمع والاستغلال من قبل الجهات المسلحة في كل مكان".

التقرير، المقرر تقديمه في 18 آذار (مارس) الجاري خلال حوار تفاعلي في الدورة 49 لمجلس حقوق الإنسان، يوثق الاحتجاز التعسفي في الفروع الأمنية والسجون المدنية والعسكرية الحكومية، حيث تستمر أنماط الانتهاكات المتصلة بالاحتجاز، إذ لا تزال السلطات الحكومية تتجاهل الأصول القانونية وتعذب المحتجزين، حتى الموت أحياناً. وامتنع العديد من الناجين من الاحتجاز وأقارب الضحايا عن الإدلاء بشهاداتهم خوفاً من انتقام السلطات الحكومية. وتحدثت تقارير صدرت في أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) 2021 عن احتجاز لاجئين سوريين تعسفاً لدى عودتهم، أو تعرضهم للتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أو اختفائهم.

تؤكد حالات الاحتجاز في سجون الحكومة استمرار أنماط الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المتصلة بالتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة

وقال التقرير إنه وفي الفترة ما بين تموز (يوليو) وكانون الأول (ديسمبر) 2021، أكد أكثر من 30 معتقلاً سابقاً، أُفرج عنهم بين منتصف 2013 وتموز (يوليو) 2021، في مقابلات أُجريت معهم، حدوث انتهاكات للأصول القانونية والحق في محاكمة عادلة، بما في ذلك أمام المحاكم العسكرية ومحاكم مكافحة الإرهاب، فضلاً عن التعذيب وسوء المعاملة والوفيات أثناء الاحتجاز بين عامي 2011 و2021.

 

اقرأ أيضاً: غارات إسرائيل تفضح الارتباك السياسي لإخوان سوريا

وأفادت أسر بأنها علمت بوفاة أقاربها المحتجزين أثناء مراجعتها السجل المدني. وكثيراً ما كان على الأسر أن تعاني من إجراءات بيروقراطية معقدة، وتعرض أفرادها لمخاطر أمنية وللابتزاز وهم يحاولون اكتشاف مصير ذويهم المفقودين. وحتى في الحالات النادرة التي أصدرت فيها الحكومة إخطارات بالوفاة، لم تسلَّم الجثث، ولم تقدَّم أسباب الوفاة، وصدرت الإخطارات بعد سنوات، وفق التقرير.

حالة موثقة

ووقعت مؤخراً حالة وفاة موثقة أثناء الاحتجاز في سياق اشتباكات بين سكان المتاعية، شرق درعا، واللواء الثامن في الفيلق الخامس من الجيش العربي السوري، عندما لجأ إلى القرية رجل مطلوب من اللواء الثامن بتهمة القتل. وعندما رفض السكان تسليم الرجل، مدّعين أنّ الخلاف تمت تسويته عبر النظام القبلي بدفع دية، اندلعت اشتباكات وقُتل اثنان من أفراد اللواء الثامن. وفي 7 تموز (يوليو) 2021، داهم اللواء الثامن القرية، واحتجز عشرات الرجال في الفرع 600 بالقرب من سجن القلعة في بصرى الشام. وفي حين أُطلق سراح معظم المحتجزين في الأيام التالية، وبعضهم عليه علامات سوء المعاملة حسبما أفيد، نُقل شخص تعرض للتعذيب إلى مستشفى في درعا في 10 تموز (يوليو)، حيث توفي، كما ذكر التقرير، في اليوم التالي.

وفي حالة أخرى حدثت مؤخراً، توفي رجل أثناء احتجازه في 23 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد أن أُلقي القبض عليه بتهمة السرقة قبل بضعة أيام، واحتُجز في مرفق احتجاز المخابرات العسكرية في سحم الجولان. وعلى الرغم من أنّ مديرية المخابرات العسكرية ادعت أنه توفي بسكتة دماغية، كانت جثته تحمل علامات تعذيب واضحة عندما أعيدت إلى أسرته.

 

اقرأ أيضاً: ما الذي اختلف في أجندة واشنطن حيال سوريا؟

واستناداً إلى المعلومات التي جُمعت في كلتا الحالتين، فإنّ لدى اللجنة التي أعدت التقرير، أسباباً معقولة تجعلها تعتقد أنّ الضحايا قضوا نتيجة للتعذيب الذي تعرضوا له أثناء احتجازهم. وأفيد أنّ الكيانات المحتجِزة، سواء في مديرية المخابرات العسكرية، أو في اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس في الجيش العربي السوري، تتألف من مقاتلين سابقين من المعارضة "تصالحوا" مع الحكومة.

 

اقرأ أيضاً: "حيلة الربيع العربي".. كيف خدع الإخوان واشنطن في ليبيا وسوريا؟

وتؤكد حالات الاحتجاز الموصوفة استمرار أنماط الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المتصلة بالتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى وفاة المحتجز. وطالب التقرير أن تخضع جميع الوفيات أثناء الاحتجاز لدى الدولة لتحقيق مستقل وشفاف وشامل، وعدم القيام بذلك قد ينشئ في حد ذاته مسؤولية الدولة عن وفاة الضحية.

ولا يزال عشرات الآلاف من الأفراد الذين أخفتهم القوات الحكومية قسراً في عداد المفقودين. وتواصل القوات الحكومية ممارسة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على أقارب المفقودين، من خلال تعمد إخفاء مصيرهم وأماكن وجودهم.

"المعارضة" شريكة في الجريمة

ولا يقتصر الاعتقال والاحتجاز التعسفيان، والاختفاء القسري، على الحكومة، بل تمارسه أيضاً القوى المعارِضة للنظام، ففي إطار الجهود المنهجية المستمرة لخنق المعارضة السياسية، واصلت هيئة تحرير الشام تقييد الحريات الأساسية، واعتقلت أشخاصاً وصحفيين ونشطاء إعلاميين.

ووُثقت عدة حالات لنشطاء إعلاميين اعتُقلوا لأنهم انتقدوا على ما يبدو هيئة تحرير الشام و"حكومة الإنقاذ". وأُفرج عن بعضهم في غضون أيام، ولا يزال آخرون محتجزين. وعُلقت قناة أورينت الإخبارية التلفزيونية في آب (أغسطس) 2021 مدة شهر تقريباً، لأنّ هيئة تحرير الشام لم ترُق لها الطريقة التي تصور بها القناة الجماعة وفصائل أخرى.

وبينت حالات موثقة أخرى الرقابة المشددة التي تمارسها هيئة تحرير الشام على حياة المدنيين اليومية. واحتُجز أشخاص عقب تعليقات أدلوا بها في محادثات خاصة تتعلق بتكاليف المعيشة أو بمسائل دينية. ووُصفت هذه التعليقات بأنهما افتراء وتجديف، حيث تؤدي التهمة الثانية إلى حكم بالسجن مدة سنة واحدة. وواصل جهاز الفلاح (الحسبة سابقاً)، المكلف بضبط الالتزام بقواعد السلوك الاجتماعي وقواعد اللباس التي فرضتها هيئة تحرير الشام، اعتقال النساء بسبب ارتدائهن ملابس "غير لائقة"، وعدم امتثالهن للحظر على وسائل الترفيه. وفي أيلول (سبتمبر)، ذُكر أن "شرطة أخلاقية" جديدة أُنشئت، بعد حل جهاز الفلاح.

 

اقرأ أيضاً: خطة عون للتخلص من اللاجئين في لبنان: سوريا آمنة

وفي القضايا "المتعلقة بالأمن"، تمنع القواعد الإجرائية التي أرستها هيئة تحرير الشام من الاتصال بمحام، ومع ذلك صدرت أحكام بالإعدام على محتجزين متهمين بتهم مثل التعاون مع التحالف الدولي.

التعذيب والعنف الجنسي

ووصف محتجزون سابقون كيف يُحتجز الأطفال، بمن فيهم الأيتام، مع الكبار. كما تحدثوا عن التعذيب والعنف الجنسي، ما يؤكد أنماطاً سبق إثباتها، فعلى سبيل المثال، وصفت امرأة أجريت معها مقابلة مؤخراً الأشهر التي قضتها في الاحتجاز في إدلب بين عامي 2018 و2019، والتي تعرضت خلالها للإذلال والعنف الجنسي. وشرحت كيف أُجبرت على خلع ملابسها بالكامل أثناء جلسات الاستجواب التي جرت بحضور عدة رجال، وسُمح لها بارتداء قطعة واحدة من الملابس في كل مرة أجابت فيها عن سؤال. وواجه أفراد الأسر صعوبات في معرفة أماكن وجود المحتجزين، وفي عدة حالات، لم يفرَج عن المحتجزين بصورة غير قانونية إلا بعد ضغوط من جهات مؤثرة أو في وسائل الإعلام.

شرحت امرأة كيف أُجبرت على خلع ملابسها بالكامل أثناء جلسات الاستجواب بحضور عدة رجال معارضة في إدلب، وسُمح لها بارتداء قطعة واحدة من الملابس في كل مرة

وأكد التقرير الأممي أنّ لديه أسباباً معقولة تجعله يعتقد أنّ هيئة تحرير الشام استمرت في احتجاز أشخاص تعسفاً، بمن فيهم صحفيون ونشطاء إعلاميون ونساء. ويؤثر تطبيقها لما يُسمى بالآداب العامة تأثيراً أشد في النساء والفتيات، وهو ما يشكل تمييزاً جنسانياً في التمتع بحقوقهن. وتنتهك الاعتقالات والتدخل في عمل وسائط الإعلام الحق في حرية التعبير. وعلاوةً على ذلك، واصلت هيئة تحرير الشام تجاهل الأصول القانونية، ولا سيما في قضايا الاحتجاز "المتعلقة بالأمن" التي حُكم فيها على المتهمين بالإعدام، وهو ما يشكل جريمة الحرب المتمثلة في إصدار أحكام وتنفيذ أحكام الإعدام دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً نظامياً.

وفيما احتفل العالم، أول من أمس، بيوم المرأة، يستمر التمييز والعنف على أساس النوع الاجتماعي، مع تأثر النساء والفتيات السوريات بشكل غير متناسب في جميع مناحي الحياة. وغالباً ما تفتقر النساء من بين النازحين داخلياً إلى الوثائق المدنية الضرورية ويكافحنَ من أجل الحصول على حقوقهن القانونية. ويتم إجبار الفتيات بشكل متزايد على الزواج المبكر ويُرسل الأولاد للقيام بعمل الأطفال أو يُجنّدون في النزاع.

التقرير الأممي الذي حمل عنوان "سوريا نحو الهاوية" حذر من تصاعد العنف وانهيار الاقتصاد ومن كارثة إنسانية تحيق ببشر ليسوا زرق العيون ولا شقر الشعر، ولا يملكون حسابات على الإنستغرام، وليسوا مشتركين في "نتفليكس"، لكنهم يستحقون الإنصاف على قاعدة أنهم بشر ينتسبون إلى ما يسمى "الإنسانية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية