احتفت جماعة "حزب الله" اللبنانية بالذكرى الأربعين لتأسيسها، الاثنين الماضي، باحتفالات واسعة النطاق في جنوب بيروت ظهرت فيها صور ثلاثية الأبعاد لعناصر الحزب الذين قُتلوا في معارك مختلفة، وفيديوهات تُظهر المواجهة التاريخية للجماعة مع إسرائيل، بالإضافة إلى مواجهة تنظيم "داعش" في سوريا.
على مر السنين، حاولت الجماعة الشيعية اللبنانية إعادة تقديم نفسها من منظمة شبه عسكرية تدعمها إيران إلى لاعب سياسي وإقليمي جاد. بعد مرور أربعين عامًا، أصبح "حزب الله" أقوى عسكريًا من أي وقت مضى، ولكنه أيضًا أكثر عزلة عالميًا مما كان عليه في أي وقت مضى.
وصنفت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا ودول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، الجماعة كـ"منظمة إرهابية"، في حين يصنف الاتحاد الأوروبي وفرنسا الجناح العسكري لحزب الله فقط على هذا النحو. كما تصنف الولايات المتحدة حسن نصر الله، زعيم حزب، كـ"إرهابي" ويخضع نتيجة لذلك للعقوبات الأمريكية.
ظهرت الحركة لأول مرة في عام 1982 كرد فعل على الغزو الإسرائيلي لبيروت خلال الحرب الأهلية الدموية في لبنان. حقق الإسرائيليون هدفهم المتمثل في طرد المقاتلين الفلسطينيين، لكن نتيجة ذلك حفزوا عدوًا أكثر شراسة وهو حزب الله. وجد النظام الإيراني الجديد الجماعة حليفًا مناسبًا، بسبب أيديولوجيتها الشيعية المشتركة وبسبب موقع حزب الله في قلب العالم العربي. وبدأت إيران في تزويد جماعة "حزب الله" بالتمويل والتدريب بعد فترة وجيزة من ظهورها.
منذ ذلك الحين، وسع "حزب الله" من قوته العسكرية ومن استعراضها. في عام 2000، انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بعد صراع طويل مع الجماعة هناك. في عام 2006، حافظت على موقفها في حرب ضد الجيش الإسرائيلي عندما سعت إسرائيل إلى نزع سلاحها. خلال الحرب الأهلية في سوريا، نجحت في التدخل نيابة عن الرئيس بشار الأسد وساعدت في تعزيز دفاعاته بعد أن قام بقمع انتفاضة شعبية. وبدا أن النفوذ السياسي للجماعة في تصاعد مستمر، على الرغم من محاولة محلية - مدعومة من السعودية - للحد من نفوذها الذي كان يمتد بسرعة إلى ما وراء لبنان.
الآراء في الداخل منقسمة، حيث لا يعتقد 52٪ من اللبنانيين أن حزب الله يعزز استقرار البلاد، وفقًا لاستطلاع مؤسسة "زغبي" عام 2021، بينما تعتقد البقية أنه لا يزال كذلك. الانقسامات الطائفية أكثر وضوحا، مع 80٪ من الشيعة يثقون في أن حزب الله يفيد استقرار لبنان، وكذلك الحال بالنسبة لأغلبية الدروز (64٪) والمسيحيين (56٪). في حين لم يبد أي من السنة مثل هذا الشعور، بحسب الاستطلاع.
اعتبر العرب نصرالله ذات يوم بطلًا بسبب مواجهة إسرائيل، لكن يقول شبلي تلحمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميريلاند الأمريكية، إن "المواقف العامة تجاه حزب الله بين العرب قد تأثرت بانتفاضات الربيع العربي والحرب السورية والتوترات الطائفية في لبنان والخصومات العربية الإيرانية".
قال مهند الحاج علي، الزميل الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إن "حزب الله على المستوى الرسمي هو حركة مقاومة، لكن دوره تطور إلى خارج حدود (لبنان) حيث تحول إلى لاعب إقليمي"، مضيفا أن "تسمية حزب الله بحركة مقاومة أمر غير دقيق".
لقد تحول "حزب الله" إلى لاعب رئيسي في المشهد السياسي اللبناني. يصفه المعارضون بأنه "دولة غامضة داخل دولة"، يقودها حسن نصر الله منذ توليه منصب الأمين العام في عام 1992. ونادرًا ما ظهر نصرالله علنًا منذ حرب 2006 مع إسرائيل، خوفًا على ما يبدو من الاغتيال. في الذكرى السنوية الأربعين للجماعة، ألقى خطابه عبر الفيديو.
نشبت حرب عام 2006 مع إسرائيل بعد غارة عبر الحدود شنها حزب الله قتل خلالها 8 جنود إسرائيليين واختطف اثنين. قُتل ما يقرب من 121 جنديًا إسرائيليًا و49 مدنيًا إسرائيليًا. وقُتل نحو 270 من مقاتلي حزب الله، و50 جنديا وشرطيا لبنانيا. وقُتل نحو 1200 شخص في لبنان معظمهم مدنيون إثر الهجوم الاسرائيلي.
قال إميل حكيم، الزميل الباحث في أمن الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لشبكة CNN: "لطالما كان لدى حزب الله مصلحة في جيش لبناني ضعيف ومطيع. أما إذا كان لبنان أكثر أمانًا بسبب تصرفات حزب الله فهذا أمر مثير للجدل". وأضاف: "من ناحية، أنشأ حزب الله مستوى من الردع ضد إسرائيل. ومن ناحية أخرى، لبنان أضعف من الناحية الموضوعية، ومعزول، ويائس اقتصاديًا، وفي حالة فوضى سياسية".
بالنسبة لإسرائيل، تشكل الأسلحة المتطورة للمجموعة الشيعية تهديدًا أكبر من تهديد الجماعات الفلسطينية المدعومة من إيران في غزة.
على مدى العقد الماضي، لعب حزب الله دورًا نشطًا بشكل متزايد في المنطقة بما في ذلك العراق واليمن. كان أهم التزام عسكري خارجي للجماعة في سوريا حيث تم نشر آلاف المقاتلين للدفاع عن نظام الأسد.
وقال علي: "حزب الله لعب دورًا مركزيًا في الصراع السوري، حيث انخرط في عمل مباشر، وعكس مكاسب المعارضة". وأضاف أن تدخلات حزب الله في العراق واليمن "هي أكثر على الجانب السياسي واللوجستي، وتحديداً التدريب والتسهيلات السياسية".
يستخدم نصر الله بانتظام لغة تحريضية ضد دول الخليج العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وقال الحكيم إن "حزب الله سمم العلاقات اللبنانية مع دول الخليج، والتي كانت بمثابة شريان حياة اقتصادي حاسم للمغتربين اللبنانيين والدولة اللبنانية". وأضاف: "في الرياض وأبوظبي وأماكن أخرى، يُنظر إلى لبنان على أنه تهديد، وأضعف من أن يمنع حزبه السياسي الرئيسي من تعريض أمنهم للخطر".
يعمل مئات الآلاف من اللبنانيين في دول الخليج العربية الغنية بالنفط، ويرسلون المليارات من العملات الصعبة إلى بلادهم. تمثل التحويلات الواردة 54٪ من اقتصاد لبنان، وفقًا للبنك الدولي.
لكن يبدو الآن أن الجماعة تخفف من نبرتها تجاه الخليج. وقال نصرالله في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الأربعين: "ليس لدينا مشكلة في علاقات لبنان مع الدول العربية وخاصة دول الخليج، وأن تتطور هذه العلاقات وتقوى".
وقال علي: "الآن بينما توشك إيران على العودة إلى (الاتفاق النووي) واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج، منطقيًا ينبغي على حزب الله أن يحذو حذوها، وأن يوقف تصعيد خطابه".
عن "سي إن إن" العربية