
في محاولة لاستعادة قدر من التوازن الميداني، نفّذت القوات الأوكرانية ضربات جوية وصاروخية متزايدة داخل عمق الأراضي الروسية. ففي 15 نيسان (أبريل) الجاري شنت طائرات أوكرانية مسيّرة هجومًا كثيفًا على منطقة كورسك الحدودية، وفق ما أفادت السلطات الروسية، وأسفر الهجوم عن مقتل امرأة وإصابة (9) أشخاص، بعد اندلاع حرائق في عدة مبانٍ.
من جهته، أعلن الجيش الروسي أنّه تصدى لنحو (109) طائرات مسيّرة أطلقتها أوكرانيا، معظمها في تلك الغارة، وأسقطها دون أن يبلغ عن أنشطة جوية أوكرانية أخرى في ذلك اليوم. وذكرت موسكو، بحسب وكالة (رويترز) للأنباء، أنّ كييف كثّفت من تنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة على الأراضي الروسية، بما في ذلك استهداف البنى التحتية الكهربائية في منطقة بيلغورود الجنوبية وشبه جزيرة القرم.
بالتزامن مع ذلك، أشارت تقديرات أوكرانية، نقلاً عن وسائل الإعلام، إلى أنّ القوات الأوكرانية فتحت النار نحو (444) مرة على مواقع روسية خلال الهدنة. وأعلنت كييف أنّها ستردّ بالمثل إذا واصل الروس القصف، مضيفة أنّها "ستردّ الصمت بالصمت، والنيران بالنيران" دفاعًا عن المدنيين.
هدنة عيد الفصح والاتهامات المتبادلة
في 20 نيسان (أبريل) الجاري صدر إعلان عن هدنة مؤقتة "يومية" بمناسبة عيد الفصح. ووقّع الطرفان على اتفاق لوقف إطلاق النار حتى منتصف ليل الأحد، لكن سرعان ما تبادلا الاتهامات بانتهاكه. فزعمت أوكرانيا أنّ الجانب الروسي خرق الهدنة بما يقارب (3) آلاف مرة في الساعات التي تلت الإعلان، بينما قالت موسكو إنّ أوكرانيا خرقتها أكثر من (1000) مرة، بما في ذلك شنّ ضربات على القرم ومناطق حدودية أخرى. وأشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أنّ جنوده تلقوا تعليمات بالامتناع عن إطلاق النار، ما دامت روسيا تحترم وقف النار.
على المستوى الدولي، أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها للترحيب بتمديد الهدنة نحو (30) يومًا، إذا ما رأت تقدّماً في وقف العنف. وأكد زيلينسكي في بيان رسمي قبل الهدنة أنّه مستعد للموافقة على اقتراح هدنة طويلة الأمد، إذا توقفت روسيا عن استهداف المدنيين. لكنّ الكرملين أعلن أنّ الرئيس بوتين لم يصدر أوامر بتمديد الهدنة بعد يوم الأحد. وقال متحدث باسم الرئاسة الروسية: إنّ الهدنة التي أُعلنت كانت اختبارًا لمدى جديّة أوكرانيا في المفاوضات، دون توسيع نطاقها.
على أثر ذلك، استمر توتر الخطوط الأمامية، وإن أفادت وزارة الدفاع الروسية أنّ وتيرة القتال انخفضت بعض الشيء في العديد من القطاعات إثر الهدنة، بينما نقلت وحدات أوكرانية وأفراد عسكريين تأكيدهم أنّ الهدنة لم تؤدِّ إلى تغييرات ملحوظة في الواقع الميداني.
وعليه ظلّ كل طرف مسيطرًا على المواقع المتنازع عليها في دونباس، والأراضي الجنوبية، دون تحقيق سيطرة حاسمة.
الوضع في كورسك
في 26 نيسان (أبريل) أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ القوات الروسية استعادت السيطرة الكاملة على منطقة كورسك، مشيرًا إلى أنّ المغامرة الأوكرانية فشلت تماماً. وأفاد رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، فاليري غيراسيموف، بأنّ القوات الروسية استعادت قرية غورنال، آخر معقل للقوات الأوكرانية في المنطقة، وأكد غيراسيموف لأوّل مرة مشاركة قوات كورية شمالية في العمليات، مشيدًا بشجاعتها ومهنيتها.
من جانبها، أنكرت أوكرانيا هذه التصريحات، وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 27 نيسان (أبريل) الجاري أنّ قواته ما تزال تنفذ عمليات دفاعية نشطة في مناطق محددة من منطقتي كورسك وبيلغورود. وأضاف أنّ الوضع ما يزال صعبًا في العديد من المناطق، بما في ذلك كورسك.
وأفادت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أنّ قواتها صدّت (5) هجمات روسية في منطقة كورسك، مؤكدة استمرار العمليات الدفاعية في المنطقة.
بدورها، أعلنت كوريا الشمالية رسميًا في 27 نيسان (أبريل) مشاركتها في العمليات العسكرية إلى جانب روسيا في منطقة كورسك، مشيدة بجنودها الذين وُصفوا بـ "الأبطال". وذكرت وسائل الإعلام الكورية الشمالية أنّ هذه المشاركة تأتي في إطار معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة مع روسيا.
وكانت وكالة (رويترز) قد كشفت في تقرير لها عن تفاصيل جديدة بشأن مشاركة حوالي (14) ألف جندي من كوريا الشمالية في الحرب، إلى جانب الجيش الروسي، في معارك بمحيط كورسك خلال الأيام الماضية. وكشفت عن استمرار تدفق ملايين القذائف والصواريخ التي أرسلتها بيونغ يانغ إلى موسكو لدعم جهودها في حرب الاستنزاف ضد أوكرانيا. وقد أسهمت هذه الإمدادات في تعزيز القدرة النارية الروسية، خصوصاً في مناطق الجبهة الشرقية، وهو ما شكّل عاملًا مؤثراً في تغيير موازين القوة.
وتشير التقارير الغربية إلى أنّ القوات الأوكرانية ما تزال تحتفظ ببعض المواقع في كورسك، حيث تواصل التصدي لهجمات الروس، وما يزال الوضع متقلبًا، مع استمرار العمليات العسكرية والتصريحات المتضاربة من الجانبين.
التطورات السياسية والدولية
واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دور الوسيط الساعي إلى إنهاء الحرب، واستغل إعلان هدنة عيد الفصح للدعوة إلى هدنة أوسع، واقترح هدنة مدة (30) يوماً، شريطة توقف روسيا عن قصف المدنيين. ورأى ترامب أنّ السلام سيتيح لروسيا وأوكرانيا عقد "صفقات كبيرة" تجارية مع الولايات المتحدة، وعرض تخفيف العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الروسي مقابل إنهاء الحرب.
وبحسب تقارير، انخرطت واشنطن والأطراف الأوكرانية في مفاوضات لإبرام اتفاقات اقتصادية، ومن المتوقع قريبًا التوقيع على صفقة معادن بقيمة كبيرة بين أوكرانيا وأمريكا.
في المقابل شدّدت الإدارة الأمريكية على دعم وقف إطلاق النار. ونقلت وسائل إعلام أنّ وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت بيانًا السبت 20 نيسان (أبريل) الجاري تؤكد فيه التزامها بـ "تحقيق هدنة شاملة وكاملة"، وأنّها سترحب بتمديد إعلان وقف إطلاق النار المؤقت.
في المجمل، يشي المشهد في أواخر نيسان (أبريل) الجاري بأنّ الفرقاء بصدد مرحلة التحضير لاتفاق محتمل، لكنّ التطورات الميدانية أظهرت استمرار القتال على عدة محاور، ممّا يجعل أيّ خفض للتصعيد هشًا في هذه المرحلة. أمّا على الجانب السياسي، فتحاول واشنطن التوفيق بين الجانبين، في ظل بقاء الحليف الأوروبي في الخلفية، دون دور فعّال معلن خلال هذه المرحلة.