حرب أوكرانيا: معارك المعلومات والدعاية المضللة

حرب أوكرانيا: معارك المعلومات والدعاية المضللة


13/03/2022

واحدة من أكثر الحقائق الاستخبارية التي يعرفها المحللون الاستخباريون، والخبراء في شؤون الاتحاد السوفييتي السابق؛ هي قدرة الأجهزة الأمنية السوفييتية على صناعة وإدارة عمليات التضليل الواسع والعميق والدقيق، خاصة جهاز المخابرات السوفييتي الشهير ‏ Komitet Gosudarstvennoy Bezopasnosti(KGB) (الكي جي بي)، والتي تعني باللغة الإنجليزية "لجنة أمن الدولة"، وهي الوكالة الأمنية الرئيسية للاتحاد السوفييتي من العام 1954 حتى انهياره في العام 1991.

لعب (الكي جي بي) دوراً متعدد الأوجه خارج الاتحاد السوفييتي وداخله، حيث عمل كوكالة استخبارات وقوة من "الشرطة السرية"، وقد تمّ تكليفه ببعض الوظائف نفسها التي تقوم بها وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة اليوم، وحماية البلاد من التهديدات الداخلية والخارجية.

لعب (الكي جي بي) دوراً متعدد الأوجه خارج الاتحاد السوفييتي

احتلّ مقر (الكي جي بي) ما أصبح الآن مبنى شهيراً في ساحة لوبيانكا ـ وليس الساحة الحمراء ـ في موسكو، هذا المبنى نفسه هو الآن موطن لجهاز الأمن الفيدرالي (FSB) أو جهاز الأمن الفيدرالي في الاتحاد الروسي، والذي يؤدي وظيفة مماثلة لما كان يفعله جهاز (KGB) ذات مرة، لكنّ سمعته ليست سيئة بالقدر نفسه. ومن الجدير بالذكر أنّ رئيس دولة الاتحاد الروسي الحالي فلاديمير بوتين عمل ذات مرة في جهاز (كي جي بي) كضابط استخبارات أجنبي من العام 1975 إلى العام 1991.

جهاز الأمن الفيدرالي بزعامة بوتين ورث كلّ فنون وحرفة التضليل الاستخباري التي برع فيها الكي جي بي

والحقيقة أنّ "جهاز الأمن الفيدرالي" بزعامة بوتين رجل المخابرات السابق، قد ورث كلّ فنون وحرفة التضليل الاستخباري التي برع فيها الـ"كي جي بي" طيلة (4) عقود تقريباً، ووصلت أوجها خلال فترة الحرب الباردة الطويلة.

اليوم تُشكّل الحرب في أوكرانيا ساحة مناسبة لاستخدام كافة فنون التضليل والخداع الاستخباري والإعلامي، أو ما يُسمّى "حرب المعلومات"، من قبل الروس والأوكرانيين على السواء؛ لأنّهم من المدرسة الاستخبارية نفسها. وربما كلّ ما تغير هو الأدوات، حيث يتمّ التعويل حالياً على آليات العولمة التكنولوجية، خاصة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وجماعات  القرصنة (الهاكر) المحترفين.

ويشير الكثير من المؤشرات إلى أنّ روسيا تتعرّض منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى حرب معلومات عميقة وواسعة النطاق، تشترك وتتعاون فيها الأطراف الفاعلة من الدول مع الجماعات الهاكرية، وربما غير المشروعة والإجرامية، الأمر الذي جعل أجهزة الأمن الروسية (سيدة التضليل) في موقف لا تُحسد عليه.

اقرأ أيضاً: هل تمزق أوكرانيا الحلف بين الصين وروسيا؟

وبهذا المجال؛ أشارت وسائل إعلام أمريكية مثل موقع "الأمن الداخلي اليوم" في 9 آذار-(مارس) 2022، إلى أنّ أكثر من (5) ملايين رسالة نصية مناهضة للدعاية أرسلت إلى الروس في حرب معلومات مجهولة "أنونيموس"، حيث أرسل "جيش رقمي" من جميع أنحاء العالم يعمل جاهداً لمواجهة عمليات التضليل الروسية أكثر من (5) ملايين رسالة نصية إلى أرقام الهواتف المحمولة الروسية تنقل معلومات حول ما يحدث حقاً في أوكرانيا. 

 

اقرأ أيضاً: مع تصاعد التوتر في أوكرانيا.. ما احتمالية حدوث حرب نووية؟ وما تداعياتها؟

تقول الرسائل: "لدينا رسالة لمواطني العالم الحر: الفيلق يناديك، أوكرانيا بحاجة إليكم، أنت أكبر جيش في تاريخ العالم". وتقول مجموعة من المبرمجين المجهولين تُسمّي نفسها Squad303 ، التي أنشأت الأداة التي تمكّن المحاربين الرقميين من الوصول إلى جدار معلومات النظام الروسي، في مقطع فيديو اليوم: "أنت لست بحاجة إلى أيّ أسلحة أو ذخيرة، أسلحتك هي الهاتف الذكي، والذخيرة الخاصة بك هي الرسائل المرسلة إلى المواطنين الروس".

روسيا تتعرّض منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى حرب معلومات عميقة وواسعة النطاق

لقد ابتكر المبرمجون المجهولون Squad303 أداة تسمح لغير المتسللين بتقديم مساهمة ‏إيجابية في "أكبر وأنجح عملية إلكترونية في تاريخ العالم". في غضون (48) ساعة ‏من إطلاق أداة (1920.in)، ذكرت المجموعة على تويتر أنّ "شعوب العالم الحر ‏أرسلت إلى الروس (2) مليون رسالة نصية" تُحذّر من أنّ الشعب الروسي سيعاني ‏نتيجة لردّ فعل الدول على عدوان فلاديمير بوتين، وأنّهم بحاجة إلى معرفة الحقيقة ‏حول حربه غير المبررة، وبحلول يوم الثلاثاء الماضي بلغ هذا الحجم (5) ملايين، ومايزال ‏يرتفع‎.

 

اقرأ أيضاً: هل أصبح الاتفاق النووي مع إيران وشيكاً.. ما علاقة الأزمة الأوكرانية؟

ونشرت المجموعة على قناتها على تلغرام قائمة بأرقام الهواتف المحمولة لأعضاء مجلس الدوما الروسي، مشجعة الجيش الرقمي على "إجراء محادثة لطيفة" مع المشرعين. بينما قالت جماعة أخرى من الجماعات المجهولة إنّها سيطرت على أكثر من (400) كاميرا روسية، بما في ذلك المرافق الحكومية والمكاتب والمدارس والشركات، ونشرت بعضها على موقع إلكتروني مع رسالة تغطي الخلاصات تتضمن أحدث عدد من القتلى المدنيين في أوكرانيا، وتبدأ بـ "بوتين يقتل الأطفال"، ‏وتستخدمها "للدعاية المضادة لفتح أعين المدنيين الروس على الحرب".

 

اقرأ أيضاً: قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟

وأطلقت مجموعة القرصنة المجهولة، الهجوم السيبراني #OpRussia قبل أسبوعين تقريباً ردّاً على الغزو الأوكراني؛ ممّا أدى إلى عمليات اختراق وإزالة لمواقع الحكومة الروسية إلى جانب تسريبات البيانات المضبوطة، حيث استخدم المتسللون وصولهم لبث المعلومات التي يدّعون بأنّها حقيقية حول حرب أوكرانيا إلى المواطنين ودعوة الروس إلى معارضة الهجوم على جارتهم.

 

اقرأ أيضاً: الطلبة العرب ضحية الأزمة الأوكرانية: ظروف صعبة وممارسات عنصرية

في بيان مهم على موقع يُسمّى "خلف خطوط العدو"   behindenemylines.live أشار المتسللون المجهولون إلى أنّه "إذا كنت روسيّاً، فنحن نريدك فقط أن تعرف أنّك تتعرض لغسيل دماغ من قبل دعاية الدولة، وأنّ الكرملين وبوتين يكذبان عليك، أوكرانيا لا يسيطر عليها النازيون، فهم لا يحتاجون إليك "لتحريرهم"، تحتاج إلى القتال وتحرير نفسك من ديكتاتورك، نحن ندرك أنّ هذا أمر مخيف، وقوله أسهل من فعله، ولكن سيكون لديك العالم كله خلفك، ويدعمك ويراقبك".   

هذا، وقدّر جدول نشره حساب مجهول على تويتر أنّه اعتباراً من 3 آذار (مارس) شارك حوالي ثلث مجموعات القراصنة البارزين في "أكبر حرب إلكترونية على الإطلاق في الوقت الحالي"، حيث انحازت (12) مجموعة فقط من أصل (49) مجموعة إلى جانب روسيا، (3) لم يكن دعمها معروفاً، والباقي يدعم أوكرانيا، ووعدت مجموعة ‏"كتيبة الشبكة 65" ‏(NB65 )، وهي مجموعة قرصنة تابعة لشركة مجهولة قالت في وقت سابق إنّها اخترقت مركز التحكم في روسكوسموس Roscosmos وقطعت سيطرة الوكالة على أقمار التجسس الصناعية الخاصة بها كجزء من الهجوم السيبراني المستمر، بأنّ تسريب شفرة مصدر كاسبرسكي Kaspersky قادم. ومعلوم أنّ كاسبرسكي هو برنامج مضاد للفيروسات تمّ تطويره من شركة كاسبرسكي لاب الروسية، ويعمل البرنامج على أنظمة مايكروسوفت ويندوز وماكنتوش، كما يوجد نسخة أخرى من البرنامج تعمل على الهواتف الذكية.

أرسل "جيش رقمي" من جميع أنحاء العالم أكثر من 5 ملايين رسالة نصية إلى أرقام الهواتف الروسية

وكانت مجموعة (NB65) في 28 شباط (فبراير) الماضي قد هاجمت  المعهد الروسي للأمن النووي، وسرقت (40) ألف وثيقة، تحتوي على بعض البيانات الحساسة، في ذلك الوقت   تعرّض النظام المستقل لمشغل روسي للهجوم أيضاً، والذي استضاف عدداً كبيراً من أنظمة المعلومات للمنظمات الحكومية الروسية وحتى الإدارات العسكرية.

لقد تمّ اختراق أكثر من (2500) موقع إلكتروني مرتبط بالحكومتين الروسية والبيلاروسية، إلى جانب وسائل الإعلام التي تديرها الدولة والبنوك والمستشفيات والمطارات والشركات في الأسبوع الأول من الحرب،  بعد أن أعلنت مجموعة مجهولة أنّها أطلقت عمليات إلكترونية.

 

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية: هل يفجر الأمن الغذائي ثورات في الشرق الأوسط؟

وقام المتسللون المناهضون للحرب بملاحقة المتسللين الموالين لروسيا، فقد قاموا بتمرير وتسريب الآلاف من الدردشات الداخلية من مجموعة تُدعى (Conti Ransomware )، بالإضافة إلى الاتصالات العسكرية وأكثر من ذلك. وأعلن القراصنة يوم الأحد الماضي أنّهم اخترقوا خدمات البث الروسية Wink و Ivi والبث المباشر على محطات التلفزيون، روسيا 24 والقناة الأولى وموسكو 24 لبث لقطات حرب من أوكرانيا.

الأخطر من ذلك أنّ الاختراق تضمّن رسالة نصية على الشاشة تدعو الروس إلى الوقوف ضد حرب بوتين. وتقول الرسالة: "نحن مواطنون عاديون في روسيا، نحن نعارض الحرب على أراضي أوكرانيا، روسيا والروس ضد الحرب! هذه الحرب شنّها نظام بوتين الإجرامي الاستبدادي نيابة عن المواطنين الروس العاديين، الروس يعارضون الإبادة الجماعية في أوكرانيا".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية