الحرب الروسية الأوكرانية: هل يفجر الأمن الغذائي ثورات في الشرق الأوسط؟

الحرب الروسية الأوكرانية: هل يفجر الأمن الغذائي ثورات في الشرق الأوسط؟


02/03/2022

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية يومها الـ7 على التوالي، سادت مخاوف من أن تتسع دائرة المواجهات، وتخرج عن السياق الجغرافي للحدث، لتمتدّ إلى أدقّ تفاصيل حياة المواطن العربي، عبر سلعة كانت أحد أسباب اندلاع ثورات "الربيع العربي" في بعض البلدان، وهي رغيف الخبز، خاصة في ظلّ ارتفاع أسعار القمح أمس إلى أعلى مستوى لها منذ نيسان (أبريل) 2008.

ومن إجمالي (207) ملايين طن من القمح العالمي، يأتي 17% من روسيا و12% من أوكرانيا، بحسب آخر إحصائيات بنك أوف أمريكا. ومن المتوقع أن تزيد الأسعار بنسبة تصل إلى 80-100% مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كورونا، حيث بلغت أسعار القمح العادي صباح 25 شباط (فبراير) الماضي (311) يورو للطن، بزيادة أكثر من (40) يورو مقارنة بشهر كانون الثاني (يناير) الماضي، بزيادة حوالي 12%، وفقاً لوكالة نوفا الإيطالية للأنباء.

 

مخاوف من أن تتسع دائرة المواجهات، وتخرج عن السياق الجغرافي للحدث، لتمتدّ إلى أدقّ تفاصيل حياة المواطن العربي

 

وفيما عدا السعودية والعراق والجزائر، يعتمد العالم العربي بشكل أساسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا عبر البحر الأسود في توفير احتياجاته من هذه المادة الحيوية. ومن أبرز الأسباب التي تقف وراء هذا الاعتماد انخفاض أسعار القمح الأوكراني والروسي مقارنة بنظيره الغربي؛ لأنّ تكاليف إنتاجه أقلّ، وطرق نقله إلى الأسواق العربية أقصر وأقلّ تكلفة، وفقاً لموقع "دويتشه فيله" الألماني.

مخاوف من احتجاجات في الشرق الأوسط

"خبز (عيش)... حرية... عدالة اجتماعية" هتاف اشتهرت به ثورات "الربيع العربي" في 2011، حيث كان توفير الخبز بأسعار ملائمة للطبقة الفقيرة في مقدمة مطالب المحتجين وقتها، فهل تتجدد الاحتجاجات؟ وفي هذا الشأن حذّر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنّه "إذا عطلت الحرب إمدادات القمح" للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، "فقد تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة، وعدم استقرار في دول عدة".

من إجمالي (207) ملايين طن من القمح العالمي، يأتي 17% من روسيا و12% من أوكرانيا

وفي تقرير عنونه بـ"أصداء روسية في الشرق الأوسط"، قال المعهد: "إذا تسبّبت الحرب في تعطيل هذه الإمدادات، فقد يؤثر ذلك بشدة على البلدان التي تعتمد على استيراد الغذاء مثل مصر واليمن وليبيا ولبنان وغيرها. ومع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء يمكن أن تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى تجدد الاحتجاجات، وعدم الاستقرار، في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."

ويبدو أنّ هناك توافقاً بين المحللين على هذا الرأي، فقد نقلت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء عن جوسيبي دينتيشي، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الدراسات الدولية بإيطاليا، قوله: إنّ الأمن الغذائي يمكن أن يكون مفجّراً خطيراً للغاية للثورات، هناك سابقة الربيع العربي حينما كانت الزيادة في أسعار الحبوب الأمريكية أحد أسباب الثورات وقتها، لكنّ أعمال شغب الخبز كانت دائماً السبب الجذري للاضطرابات في الشرق الأوسط. نتذكر احتجاجات 2008- 2009 في مصر على ارتفاع أسعار السلع الأولية، التي سببها بشكل أساسي الحبوب، وحتى في وقت سابق في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، هذا العنصر يمكن أن يكون مزعزعاً للغاية، خاصّة إذا كانت القيادات العربية غير قادرة على معالجة القضية بطريقة شاملة، أي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي".

 

حذّر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنّ تعطل إمدادات القمح قد يؤدي إلى تظاهرات جديدة في دول عدة

 

وأوضح دينتيشي أنّ "مصر هي مركز لفرز الحبوب وإعادة تصديرها إلى دول أخرى في المنطقة، لكنّها تواجه الجفاف؛ لأنّ البحر الأسود مغلق: لا يمكن الدخول أو الخروج بسبب الحرب، بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضاً مسألة إيقاف الإمدادات من ماريوبول وأوديسا ومن مختلف الموانئ الأوكرانية".

وتمّ تعليق الشحن من بحر آزوف بين روسيا وأوكرانيا بعد إغلاقه بقرار روسي في 24 شباط (فبراير)، وبحر آزوف هو منفذ أوكرانيا الوحيد على البحر الأسود،  ومع توقف شحن الحبوب من المرافئ الأوكرانية بعد اندلاع الحرب وتأثر المرافئ الروسية بالعمليات العسكرية القريبة منها، إضافة إلى فصل عدد من البنوك الروسية عن نظام سويفت للدفع وتمويل التجارة العالمية، ترجح غالبية التوقعات حدوث نقص عالمي في إمدادات القمح خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة على الأقل.

 

اقرأ أيضاً: مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا

وزادت تركيا الطين بلّة أوّل من أمس، بعدما قرّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إغلاق البحر الأسود أمام السفن الحربية الروسية، الأمر الذي قد يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وقف صادرات القمح عبر البحر الأسود.

الحرب في أوكرانيا سيكون لها تداعيات سلبية مباشرة على تونس، من حيث أسعار النفط والسلع، وخاصة القمح

وفي تونس، قال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي لصحيفة "حكايك أون لاين": إنّ "الحرب في أوكرانيا سيكون لها تداعيات سلبية مباشرة على تونس، من حيث أسعار النفط والسلع، وخاصة القمح، في وقت يمرّ فيه البلد بفترة معاناة مالية كبيرة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف واردات القمح للبلد، وبالتالي في إنفاق الدولة للحفاظ على الدعم، في وقت تجري فيه مفاوضات مع صندوق النقد الدولي".

 

اقرأ أيضاً: استفزازات إيران ترفع درجة التوتر مع إسرائيل: هل تندلع المواجهة؟

وقال المدير العام للمرصد الزراعي التونسي حميد الدالي: إنّ البلاد تستورد نحو نصف احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، لكنّها اشترت كميات كافية حتى الصيف، ولن تضطر لمواجهة ذلك النقص حتى موسم الحصاد، وأضاف أنّه بهذه المشتريات ستكون مخزونات الحبوب في البلاد كافية حتى حزيران (يونيو) المقبل.

أمّا السودان، الذي يعاني من تراجع احتياطاته النقدية منذ توقف المساعدات الدولية، فيتوقع أن يكون أوّل المتضررين، فعندما اندلعت الحرب كان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو في زيارة لموسكو من أجل البحث في المبادلات التجارية مع روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، بعد (3) أعوام من الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019، بعد احتجاجات أشعلها ارتفاع سعر الخبز (3) أضعاف.

 

محلل إيطالي: إنّ الأمن الغذائي يمكن أن يكون مفجّراً خطيراً للغاية للثورات في الشرق الأوسط

 

وفي اليمن، نقل موقع "فرانس 24" عن الموظف اليمني وليد صلاح، الذي يتأخر راتبه باستمرار، إعرابه عن الأسف لتحوّل الخبز إلى سلعة فاخرة بالنسبة إلى ملايين اليمنيين الذين يعانون من الجوع في بلد نخرته الحرب، مضيفاً: "الناس حالياً بالكاد يستطيعون توفير الغذاء الأساسي، وأعتقد أنّ الحرب الروسية الأوكرانية ستلقي بظلالها على الشعب اليمني، وستزيد الطين بلّة".

ووفقاً لوكالة نوفا، فإنّ العديد من الدول العربية غير مستقرة داخلياً بالفعل، هناك حرب في اليمن، وفي ليبيا ما تزال هناك خلافات سياسية، ولبنان دولة متعثرة.

إلى ذلك، تشهد الأسواق الليبية ارتفاعاً حادّاً في أسعار القمح والدقيق، وذلك تأثّراً بالأزمة الأوكرانية الروسية، بعدما وصل قنطار الدقيق في ليبيا إلى (275) ديناراً، بعد أن كان سعره (210) دنانير قبل الأزمة، مع توقّعات بزيادة أكثر بكثير عن هذا الحد.

وقال نقيب الخبازين في ليبيا أخريص أبو القاسم: إنّ سعر قنطار الدقيق وصل السبت إلى (275) ديناراً، بعد أن كان أمس (210)، وإنّ كثيراً من تجّار الجملة أغلقوا محالهم أمام هذا الارتفاع الهائل، معرباً عن استغرابه بالتحجج بالحرب في أوكرانيا، مع أنّ المحصول المزمع توريده لليبيا منها ما زال في طور الزراعة.

 في سوريا ولبنان تكسّرت النصال على النصال

فيما تحاول سوريا لملمة جراحها، ويحاول لبنان الخروج من دائرة تعثره المفرغة، جُمعت عليهما الأزمات، فقد كشفت بيانات أصدرها برنامج الأغذية العالمي في شهر آذار (مارس) عشية ذكرى مرور (10) أعوام على الأزمة السورية، أنّ المستويات المرتفعة بالفعل من انعدام الأمن الغذائي قد ازدادت بشكل كبير، ففي عام واحد فقط أصبح (4.5) ملايين سوري آخرين يعانون في الوقت الحالي من انعدام الأمن الغذائي، ممّا رفع العدد الإجمالي إلى (12.4) مليون شخص، وهو أعلى رقم تمّ تسجيله على الإطلاق.

 

اقرأ أيضاً: هل يؤدي الاتفاق النووي مع إيران إلى تصدع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟

ومن بلد كان مكتفياً ذاتياً من القمح حتى عام 2011 تاريخ اندلاع الثورة، اضطرت دمشق، بعد أعوام من الحرب ساعدتها فيها روسيا عسكرياً، "إلى شراء (1.5) مليون طن من القمح في عام 2021، معظمها من موسكو"، وفقاً للموقع المتخصّص "ذي سيريا ريبورت".

 

اقرأ أيضاً: رفع العقوبات عن إيران، رسائل خاطئة أم مؤامرة مقصودة؟

أمّا في لبنان المجاور، حيث أدى انهيار النظام المصرفي إلى إفقار 80% من السكّان، وانفجار مرفأ بيروت إلى تدمير مخازن القمح، فالمخزون أقل، ونقل موقع "النشرة" اللبناني عن ممثل مستوردي القمح في لبنان أحمد حطيط قوله: "لدينا (5) بواخر في البحر حالياً محمّلة بالقمح، جميعها من أوكرانيا، المخزون الحالي، إضافة إلى البواخر الـ5 يكفي لشهر ونصف الشهر". وأضاف: "لبنان يستورد بين (600 و650) ألف طن سنوياً، 80% منها من أوكرانيا"، عبر بواخر تصل إلى لبنان خلال (7) أيام.

أمّا البديل عن أوكرانيا، فهو الولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنّ الفرق يكمن في أنّ الشحنة تحتاج إلى (25) يوماً من الولايات المتحدة، وفقاً لحطيط، الذي قال: "لبنان قد يدخل في أزمة".

من يدفع فاتورة حرب أوكرانيا؟

فيما تجري الحرب على الأراضي الأوكرانية، وهي رقعة جغرافية بعيدة عن العالم العربي، إلّا أنّه يتوقع أن تكون معظم الدول العربية في مقدّمة الدول المتأثرة بالحرب الروسية الأوكرانية؛ لأنّها تعتمد بنسب تتراوح بين 25% و80% على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح اللازم لسدّ احتياجاتها. وتشير التقارير إلى أنّ مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، سوف تكون في مقدّمة الدول العربية المتأثرة بالقرار.

ووفقاً لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإنّ مصر تستورد وحدها ما نسبته 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، ووصلت قيمة ما استوردته عام 2019 إلى  (4.67) مليارات دولار، وتصل نسبة واردات القمحين الروسي والأوكراني في مصر إلى 70% من احتياجات البلاد، بما يصل إلى (13) مليون طن سنوياً، غير أنّ نادر سعد المتحدث باسم مجلس الوزراء قال، خلال برنامج على قناة ON مساء السبت الماضي: إنّ "مصر لديها (14) دولة معتمدة لتوريد القمح، بعضها خارج القارة الأوروبية."

 

تجري الحرب على رقعة جغرافية بعيدة، إلّا أنّه يتوقع أن تكون الدول العربية من المتأثرين بحرب أوكرانيا

 

وأضاف سعد: "بافتراض لم يردنا أيّ قمح على الإطلاق، وهو الأمر المستبعد لأنّ مصر تعمل على خطة لاستيراد القمح من مناشئ أخرى بدلاً من روسيا وأوكرانيا، فمصر لديها (14) دولة معتمده لتوريد القمح، بعضها خارج القارة الأوروبية"، مشيراً إلى أنّ "مصر لديها مخزون استراتيجي من القمح يقترب من (5) ملايين طن مخزّنة في الصوامع أو المطاحن، وسينضمّ إليها بداية من 15 نيسان (أبريل) القمح المحلي."

وتوقّع متحدث الحكومة أن يكون الموسم الحالي مميزاً لتوريد القمح؛ لأنّ الحكومة اتخذت خطوة ذكية وسبّاقة في تشرين الثاني (نوفمبر)، قبل بدء موسم الزراعة، وأعلنت السعر الاسترشادي للتوريد، متوقعاً ألّا يقلّ القمح المصري عن (4) ملايين طن، ولفت إلى أنّ "كلّ تلك الأطنان من القمح ستكفي مصر فترة (9) أشهر."

 

اقرأ أيضاً: ما العقوبات التي رفعتها أمريكا عن إيران؟ ومتى ستُستأنف مفاوضات فيينا؟

ونقلت وسائل إعلام محلية في مصر عن المستشار السابق لوزير التموين قوله: إنّ الحكومة وجّهت باستيراد القمح بكميات متساوية، من الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا وكازاخستان والبرازيل ورومانيا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية