قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟

قبل الردع النووي: هل استخدمت روسيا أسلحة "محرّمة" في أوكرانيا؟


03/03/2022

مع تنامي وتيرة الأحداث، العسكرية والميدانية، في الأزمة الأوكرانية، ثمّة ترجيحات عديدة تؤشر على اتساع دائرة القتال، لا سيما أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي لوح بقوة الردع النووية، تواصل قواته المسلحة عمليات الإنزال في خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وقد ذكرت وكالة "رويترز" للأنباء أنّ المدينة الواقعة في شمال شرق أوكرانيا، ويقطنها نحو 1.4 مليون نسمة، تعرضت لقصف عنيف بقنابل عنقودية متعددة، الأمر الذي أكده خبراء أمنيون وعسكريون، بالإضافة إلى تقارير حقوقية أجنبية.

هل تتورط موسكو في جرائم حرب؟

وقال رئيس مختبر التحقيقات الرقمية في منظمة هيومن رايتس ووتش سام دوبيرلي: "يبدو أنّ خاركيف كانت هدف الهجمات متعددة بالذخائر العنقودية. لدينا موقع جغرافي يظهر ما يبدو أنّه عدة ضحايا مدنيين على بعد مسافة قصيرة". كما شدد هاميش دي بريتون جوردون، وهو ضابط سابق في الجيش البريطاني ومتخصص في الأسلحة البيولوجية والكيميائية، على أنّ ذخائر عنقودية قد تم استخدامها على الأرجح في خاركيف، وتابع: "يشبه هذا إلى حد كبير القنابل العنقودية، كما يشبه تلك القنابل التي رأيتها تنفجر في العراق وسوريا. الانفجارات المتعددة عقب ارتطام كل رأس حربي تشير إلى وجود ذخيرة عنقودية".

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة فلوريدا إرك لوب: لماذا يهدد بوتين بالنووي؟

وفي السياق ذاته، اتُهمت روسيا باعتزامها استخدام أسلحة حرارية، تُعرف أيضا باسم القنابل الفراغية، في غزوها لأوكرانيا.

وهذا النوع من القنابل مثير للجدل لأنه أكثر تدميراً من المتفجرات التقليدية ذات الحجم المماثل، وله تأثير رهيب على أي شخص يقع في دائرة التفجير الذي يحدثه، وفق "بي بي سي".

اقرأ أيضاً: مقايضات أنقرة بعد كشف مخطط إيراني لاغتيال إسرائيلي في تركيا

ومن جانبه، قال الجيش الأوكراني في بيان على تطبيق "تلغرام" إنّ "قوات روسية مجوقلة هبطت في خاركيف (...) وهاجمت مستشفى محلياً"، مضيفاً "هناك قتال يدور الآن بين القوات الروسية والأوكرانيين".

وعدّ رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، تهديدات بوتين النووية بأنّها عملية "ابتزاز" و"ترهيب جيوسياسي". بينما تهدف إلى خلق رعب دولي، كما غرد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بأنّ نشر روسيا للسلاح النووي في بيلاروسيا أمر خطير، وذلك في إشارة إلى دعوة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو موسكو بنشر أسلحة نووية على أراضي بلاده، إذا عمد الناتو إلى فعل الأمر عينه في الدول الحليفة له الشرق الأوروبي.

استخدام الأسلحة النووية لا يحتاجه الرئيس بوتين في الوقت الحاضر؛ إذ إنّ لدى الروس أسلحة محرمة أخرى يمكنهم استخدامها، خاصة النابالم والفوسفور الأبيض

وقال ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل: "من المهم للغاية، التشديد على أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بوضع منظومة الردع النووية الروسية في حالة التأهب القصوى".

وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك، مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: "منظومتنا للردع النووي في حالة تأهب قصوى ونحن نشاهد حرباً على الحدود الأوروبية".

كيف رد الغرب على تهديدات روسيا النووية؟

كما أعلن ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنّ أكثر من نصف الاحتياطي التابع للبنك المركزي الروسي سوف يجمد، كما "سيتم إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الطيران الروسي". وبالإضافة إلى العقوبات، أعلن بوريل أن "الاتحاد الأوروبي سيقدم أسلحة لدعم الجيش الأوكراني في هذه الحرب"، مشيراً إلى أنّ التنسيق مستمر مع الحكومة الأوكرانية والدول المجاورة حتى"نضع حداً لهذه الحرب".

 

اقرأ أيضاً: رفع العقوبات عن إيران، رسائل خاطئة أم مؤامرة مقصودة؟

وقال: "هذه هي المرة الأولى التي يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدة عسكرية لدولة لا تنتمي له. هذه أوقات غير مسبوقة". وأوضح بوريل أن بروكسل ستقترح على الدول الأعضاء استخدام خط الاتحاد الأوروبي للتمويل الطارئ "لتوفير أسلحة فتاكة فضلاً عن وقود وتجهيزات حماية ومستلزمات صحية للقوات الأوكرانية".

رسائل بوتين

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة فلوريدا إرك لوب، يقول إنّه ليس من الواضح على وجه التحديد الأسباب التي تجعل بوتين يستعين بـ"الورقة النووية في هذا الوقت"، الأمر الذي يعتبره عملية تصعيد منفلتة وغير مبررة، لافتاً إلى أنّ ذلك التهديد هو بمثابة "ردع ضد التدخل المباشر في أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو".

كمال الزغول: التهديد النووي من قبل بوتين رسالة للتراجع عن العقوبات الاقتصادية

من المحتمل أيضاً، بحسب لوب في حديث لـ"حفريات" أنّ يكون ذلك الأمر بمثابة رد فعل من الرئيس الروسي على العقوبات المتزايدة التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا بحق موسكو، وربما وسيلة ضغط قصوى من الأخيرة لجهة بعث إشارة قوية فيما يتعلق بأنواع الأسلحة (الدفاعية والهجومية) التي يملكها بوتين في مواجهة الأسلحة التي تزودها الولايات المتحدة وأوروبا/الناتو لأوكرانيا، إلى جانب قواتهم المسلحة والعسكرية، ويردف: "تعد قوة الردع النووية رسالة تحذيرية لافتة ومؤثرة لدول أخرى في أوروبا الشرقية، وكذا في المحيط الذي يعتبره الرئيس الروسي ضمن محيط أمنه الإقليمي والاستراتيجي".

 

اقرأ أيضاً: ما العقوبات التي رفعتها أمريكا عن إيران؟ ومتى ستُستأنف مفاوضات فيينا؟

ويشير الأكاديمي الأمريكي بجامعة فلوريدا، إلى أنّ موسكو تملك قرابة 6000 رأس حربي (مقابل 5500 في الولايات المتحدة)، كما يملك الجيش الروسي أكبر ترسانة أسلحة، وعليه، يملك كل طرف قدرة هجومية هائلة ومخيفة من شأنها إحداث التدمير النهائي، لكن، والحديث للمصدر ذاته، لا يبدو أنّ أيّ منهما يسعى لحرب نووية، حتى مع تصاعد التوتر وتزايد المخاطر، ويختتم: "مأساة الحرب، أي حرب، هي أنّ "تكون هناك تصورات خاطئة أو حسابات خاطئة بين الولايات المتحدة/ الناتو، من جهة، وروسيا، من جهة أخرى".

وإلى ذلك، شدد وكيل الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، مارتين غريفيثس، مؤخراً، على أن المدنيين في أوكرانيا يتحملون تداعيات الحرب، وقال في جلسة علنية لمجلس الأمن بشأن أوكرانيا إنّ العمليات العسكرية شرّدت مئات آلاف الأوكرانيين حتى الآن، وطالب أطراف الحرب احترام القانون الإنساني، مشيراً إلى أنّ القصف يلحق أضراراً بالمنشآت المدنية الأوكرانية.

ردع عسكري أم وسيلة ضغط سياسية؟

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول، إنّ قوة الردع النووي لا يُنظر لها بعدد الرؤوس النووية أو كثرتها، وإنّما تخضع لعدة عوامل؛ منها مكان انتشارها، والقدرة على الردع قبل الاستخدام، وحسابات ما بعد الاستخدام، وهي كلها عوامل تعد الخط الفاصل المعنوي الاستراتيجي بين حدود الدول التسليحية قبل وبعد الاستخدام، حيث تضطر الأطراف تحت ضغط القوة النووية إلى الحوار والدخول في معاهدات لضمان عدم خلق أسباب لاستخدامها. ويردف: "كلمة ردع هنا تعني التهديد باستخدام كامل القوة (النووية) والتي تؤدي إلى التدمير لكل الأطراف المنخرطة في الصراع، لذلك من الصعب اتخاذ قرار استخدام القوة النووية لضرب دولة نووية أخرى لأنّ ذلك سيدمر الدولتين".

الباحث السياسي في جامعة فلوريدا إرك لوب لـ"حفريات": قوة الردع النووية رسالة تحذيرية لدول أخرى في أوروبا الشرقية، والمحيط الذي يعتبره بوتين ضمن محيط أمنه

إذاً، إعلان بوتين حالة التأهب للسلاح النووي هو "لتشتيت انتباه العالم عن القضية الرئيسية في أوكرانيا، وبعث رسالة للمجتمع الدولي والولايات المتحدة مفادها أنّ بعد كل هذه العقوبات روسيا ما زالت دولة عظمى، ولديها ورقة نووية يصعب تجاهلها، بالإضافة الى أنّ بوتين أراد استقطاب العالم لكي يدخلوا معه في حوار ووساطة لايجاد حل بشأن الضمانات الأمنية في أوكرانبا؛ حيث إن غياب هذه الضمانات سيشكل سباقاً للتسلح على حدود أوروبا الشرقية".

وفي تقدير الزغول، فإن التهديد النووي من قبل بوتين "رسالة لأوروبا أكثر منها لأمريكا لردع الاتحاد الاوروبي، حتى يتراجع عن العقوبات الاقتصادية، من ناحية، وإيقاف تسليحه لأوكرانيا، من ناحية أخرى، وفي كل الأحوال محاولة لحل مسألة الضمانات الأمنية".

ويختتم: "إن استخدام الأسلحة النووية لا يحتاجه بوتين في الوقت الحاضر؛ إذ إنّ لدى الروس أسلحة محرمة أخرى يمكنهم استخدامها، خاصة النابالم والفوسفور الأبيض، والموقف الميداني يباعد تماماً بين كل الأطراف واستخدام النووي، لكن التلويح الروسي هي رسالة ردع سياسية تمهيداً لمتابعة الأجواء الإستراتيجية التي خلقتها روسيا في هذه الأيام والجلوس للتفاوض مع أوكرانيا".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية