حادث مفاعل نطنز.. هل تبحث إيران عن المسؤول الحقيقي؟

حادث مفاعل نطنز.. هل تبحث إيران عن المسؤول الحقيقي؟


05/07/2020

منذ اللحظة التي سُمع فيها صوت الانفجار في مفاعل نطنز النووي وسط أصفهان يوم الخميس الماضي، بدأت إثره انفجارات ارتدادية، مؤداها أنّ دولة الملالي مازالت لا تتعلم من التاريخ ولا من تجاربها، وأنّ مشاريعها السياسية والاقتصادية عُرضة للتدمير الداخلي من قبلها هي قبل أن تكون من قبل أعداء مفترضين.

يتخبط المسؤولون الإيرانيون باتهام المعارضة الداخلية وأمريكا وجهات أخرى بالمسؤولة عن التفجير ويتوعدون الجميع بالرد

الانفجار الذي أحدث أضراراً جسيمة في المفاعل، تبعته سلسلة من التصريحات الإعلامية والرسمية في إيران، اتهمت العدو التقليدي للنظام الإيراني بأنَّه الفاعل، لكن هذا الاتهام، أسهم من ناحية أخرى في التعتيم على المشروع النووي الإيراني ومدى إسهامه في تدمير اقتصاد إيران عبر عقود، إضافة لكونه مجرد ورقة ضغط تستخدمها السلطات، وأيضاً، مدى رفض المعارضة الإيرانية المقموعة تاريخياً، لسياسات بلادها الداخلية والخارجية، فما هي تداعيات ما حصل مؤخراً في مفاعل نطنز؟

خلف الحدود

خلف حدود إيران، وداخل أراضيها، توجد أمور كثيرة مختلفة عن باقي أنحاء العالم، من أهمها أنّ "أرض الثورة" كما يزعم قائدها ينبت في تربتها أعداء داخليون وخارجيون كل يوم، مما يستوجب البقاء دائماً في حالة حرب، طويلة ومستمرة، تستنزف الدولة مجتمعاً واقتصاداً ومستقبلاً.

في هذا السياق، قال ثلاثة مسؤولين إيرانيين، رفضوا الكشف عن أسمائهم، إنّ الانفجار في المفاعل "نتج عن هجوم سيبراني (هجوم على أنظمة الحاسوب) أدّى إلى حريق ضخم في المفاعل، وأنّه هجوم نفذه أعداء إيران التقليديون وربما إسرائيل، خاصة أنّ مجمع صواريخ إيراني تعرض لهجوم الأسبوع الماضي دون ورود تفاصيل"، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" الجمعة الماضي.

كل فشل برنامج إيران النووي أو تراجع لاقتصادها بسبب دعمها الإرهاب يتم توظيفه كاعتداء عليها لتقمع شعبها

لكن ضبابية المشهد تبدأ حين يصرح رئيس منظمة الدفاع المدني الإيرانية غلام رضا جلالي إنّ معظم الحوادث "نجمت عن عدم مُراعاة معايير السلامة، لكنّ بعضها ربما يكون بسبب أعمال العناصر المُعادية للثورة، أو العناصر المُرتبطة بها من مخربين". بحسب المصدر نفسه.

وهكذا، لا يظهر إذا كان الهجوم خارجياً استخدمت فيه أنظمة متطورة للتحكم في أجهزة المنشأة وتفجيرها، أم نتج عن عناصر داخلية من المعارضة الإيرانية، بعد خروج "مجموعة إيرانية معارضة تطلق على نفسها اسم (نمور الوطن) تبنت عملية التفجير في مفاعل نطنز وفي موقع نووي آخر قريب لم ترد عنه أي معلومات، وذلك من خلال عناصر أمنية إيرانية (منشقة ربما) سرية تعمل لصالح المجموعة المعارضة"، بحسب ما قاله "القسم الفارسي في إذاعة بي بي سي" يوم الجمعة الماضي.

كالعادة، لا تقدم إيران لشعبها وللعالم أي صورة واضحة عن نوعية العدو المفترض الذي تريد تحميله مسؤولية ما تسميه ممانعتها ومقاومتها من أجل الثورة، إنّما تتوعد بردود قاسية فقط، على جهات كثيرة بدءاً من المعارضة الإيرانية وليس انتهاء ببعض دول الجوار، وذلك من أجل التغطية على الخطر العملي والاقتصادي الذي يسببه برنامجها النووي على شعبها ووجوده ومستقبله.

سياسات خامنئي فشلت في إزالة مخاوف العالم من برنامج بلاده النووي

وبالنظر إلى هذه المسألة، أقحمت إيران نفسها، تحت قيادة خامنئي في مواجهة كارثية؛ من أجل برنامجها النووي، وضد العقوبات الدولية المفروضة بسبب هذا البرنامج. وقد فشل خامنئي مراتٍ في إزالة مخاوف العالم من برنامج بلاده النووي الذي كلف خزينتها مليارات الدولارات من دون أي جدوى.

تولى خامنئي منصبه الديني والسياسي في إيران منذ العام 1988، فكيف انعكس خلال حقبته المستمرة حتى اليوم كل هذا التخبط في البرنامج النووي على اقتصاد إيران ومستقبلها؟

الإنكار والهاوية

في إيران، لا يجرؤ أحد على القول علناً إنّ هناك معارضة ترغب في تغيير السلطة، أو شعباً يرزح تحت وطأة فقر وبطالة ونقص حاد في الحريات وانعدام الأمان، ومن اللافت في المقابل، أنّ معدلات هذا الفقر، وكذلك البطالة، إضافة إلى القمع وانعدام الأمان، ازدادت باطراد خلال حقبة خامنئي، وترافقت مع تطور البرنامج النووي الإيراني المزعوم الذي جلب مصائب على الشعب الإيراني منها "ارتفاع معدل البطالة العام منذ 2015 وحتى اليوم إلى نسبة 45% إضافة إلى ارتفاعها بنسبة 60% في بعض محافظات إيران، وحتى بين صفوف الجامعيين من الشباب في إيران" وفق دراسة تحليلية مطولة نشرها "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية" نهاية 2019.

اقرأ أيضاً: هل بات العراق مسرحاً للتدخلات التركية بعد اجتياحه إيرانياً؟

ويضيف المعهد "إلى الارتفاع المستمر في نسب التضخم المالي في إيران، وضعف معظم قطاعاتها التجارية والاقتصادية واعتمادها الرئيسي على قطاع النفط فقط، إضافة إلى التأثر السلبي الكبير على اقتصاد إيران بسبب العقوبات الأمريكية ضدها، وكذلك الأوروبية".

اقرأ أيضاً: القصف التركي الإيراني على كردستان: "مخلب النمر" ينتهك سيادة العراق

وقد أدت العقوبات، كما ترى الدراسة، إلى انعدام الاقتصادي ومرد ذلك برنامجها النووي المتعثر الذي ليس سوى "بعبع مسلط على رقاب الشعب وورقة تهديد محتملة للخارج يشهرها النظام كلما أفلس" بحسب تقرير نشره "موقع الرؤية" السبت الماضي.

من ناحيةٍ أخرى فإنّ الليرة الإيرانية "التومان"، تواصل انحدارها المطرد منذ بداية هذا العام؛ إذ إضافة إلى أزمة كورونا العالمية "سيطر نظام خامنئي على سوق العملات المحلية، واتخذ سلسلة فظيعة من الإجراءات العقابية ضد مكاتب الصيرفة والتجار. وتوقفت أعمال شريحة متعاظمة من التجار في الآونة الأخيرة، ليس بفعل العقوبات فحسب، بل أيضاً جراء الانهيار المتوالي للتومان بسبب ما تصرفه إيران على تمويل الإرهاب ودعم ميليشياتها هنا وهناك، واستنزافها الاقتصاد لأجل مشروعها النووي أيضاً"، وفقاً لصحيفة "الاقتصادية" في 24 حزيران (يونيو) الماضي.

يدفع الشعب الإيراني وشعوب عربية في لبنان والعراق واليمن ثمن سياسات خامنئي العدوانية

لفت الهجوم "المفترض" على المفاعل في أصفهان مرة أخرى، بمدى السخط الشعبي لما آلت الأوضاع إليه في إيران، فضلاً عن استشعار مدى العدائية التي تسببت بها التدخلات الخارجية لها، خاصة في دول عربية كسوريا واليمن والعراق ولبنان "بدعم ميليشياتها بمئات ملايين الدولارات وليس من خلال الدفع المباشر دوماً، بل باستخدام التمويل الذاتي، الذي يعني امتصاص مقدرات الدول ونهبها تجارياً واقتصادياً والتحكم قدر الممكن في حركة صادراتها ووارداتها كما يحدث في لبنان والعراق مثلاً، من أجل أن تقوم تلك الميليشيات بتمويل نفسها ذاتياً، وتحويل الأموال إلى إيران بطرق غير مشروعة قدر ما تستطيع"، بحسب تقرير موقع "الرؤية".

تفجير مفاعل نطنز، أعاد إلى دائرة الضوء ملف القمع والإفقار في إيران، فضلاً عن تهديد سياساتها للمجتمع الدولي والتدخل بدول الجوار العربية عبر ميليشياتها، ورغم ذلك، كان الرأي الرسمي وإعلامه على ذات الشاكلة التي رسمها عصر خامنئي والملالي؛ تهديد وتخبط في كل اتجاه، ما يعيد التذكير بالمقولة القديمة: التاريخ حين يُعاد، يشبه نكبة ما، أما حين يتكرر، فإنه يتحول إلى مهزلة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية