القصف التركي الإيراني على كردستان: "مخلب النمر" ينتهك سيادة العراق

القصف التركي الإيراني على كردستان: "مخلب النمر" ينتهك سيادة العراق


21/06/2020

تواصل القوات التركية وعناصرها المسلحة، منذ منتصف ليل الأحد الماضي، عدوانها العسكري على العراق، وتوغلها في المنطقة الشمالية؛ إذ قامت باستهداف مواقع عديدة في إقليم كردستان، بلغت نحو 150 موقعاً، زعمت أنقرة أنّها أهداف لحزب العمال الكردستاني، في منطقة سنجار، والمناطق المحاذية لها، بهدف مطاردة مسلحي الحزب، وذلك في إطار العملية العسكرية "مخلب النمر"، التي أطلقتها وزارة الدفاع التركية، وانضمّت لها، مؤخراً، قوات من الحرس الثوري الإيراني، والأخيرة، درجت على قصف المناطق العراقية في الإقليم ذاته، والمنطقة الحدودية مع إيران، بحجة التصدي للمعارضة الكردية الإيرانية داخل الأراضي العراقية.

 

عدوان تركي جديد
وبحسب المصادر المحلية الكردية؛ فإنّ الطيران التركي عمد إلى قصف مناطق مدنية، ضمن حدود بلدة كاني ماسي، التابعة لقضاء العمادية، في محافظة دهوك، شمال العراق، مما تسبّب في خسائر هائلة بالأراضي والمناطق الزراعية، وكشف مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع التركية، عبر حسابها الرسمي في "تويتر"، قصفاً مدفعياً عنيفاً من جانب القوات التركية، واستخدام مقاتلات سلاح الجو والطائرات بدون طيار.
كما استخدمت القوات التركية والإيرانية في قصف مزدوج الطائرات المسيرة، أثناء استهداف منطقة آلانة، التابعة لقضاء حاج عمران، وذلك بحسب ما كشف مختار القرية، لشبكة "رووداو" الإعلامية العراقية الكردية، وذكرت الأخيرة أنّ "القصف استهدف أعالي مارين بيشه، ضمن حدود قرية آلانه في حاج عمران"، كما لفتت مصادر أمنية عراقية إلى أنّ القوات الإيرانية قامت بقصف مدفعي على المناطق الحدودية، مما نجم عنه وقوع إصابات لعدد من المدنيين والمزارعين الموجودين في المنطقة.

الباحث الكردي باز بكاري لـ"حفريات": العملية الجديدة ألمح إليها أردوغان أكثر من مرة، إذ يخطط للسيطرة على كامل كردستان سوريا

ومن جهتها، دانت قيادة العمليات المشتركة العراقية، في بيان رسمي، اختراق الأجواء العراقية من جانب الطائرات التركية؛ حيث أشارت إلى قيام القوات التركية بالقصف الجوي بواسطة 18 طائرة، عبرت باتجاه عدة مدن، من بينها: سنجار، مخمور، الكوير، أربيل، وصولاً إلى قضاء الشرقاط، بعمق 193 كم من الحدود التركية داخل الأجواء العراقية؛ حيث استهدفت مخيماً للاجئين، بالقرب من مدينتي مخمور وسنجار، الأمر الذي وصفته بأنّه "عمل استفزازي لا ينسجم مع التزامات حسن الجوار، وفق الاتفاقيات الدولية، ويعدّ انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية".

 

الموقف العراقي وهيمنة طهران
واستدعت وزارة الخارجية العراقية سفير أنقرة لدى بغداد، فاتح يلدز، وسلمته مذكرة احتجاج؛ حيث أوضحت في بيان رسمي أنّ المذكرة "تضمنت إدانة الحكومة العراقية لانتهاكات حرمة وسيادة الأراضي والأجواء العراقية، ورأت أنّه مخالف للمواثيق الدولية، وقواعد القانون الدولي ذات الصلة، وعلاقات الصداقة، ومبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل"، مضيفاً أنّها "جددت التأكيد في مذكرتها على دعوتها الجارة تركيا لوقف العمليات العسكرية الأحادية، وأعربت عن استعداد الحكومة العراقية للتعاون المشترك في ضبط الأمن على الحدود، بالشكل الذي يؤمن مصالح الجانبين".

الحكومة العراقية وبتدخّل إيراني مباشر، موافقة على هذا التحرك العسكري، على عكس ما يبدو من بيان الرفض الصادر قبل أيام

يمكن قراءة الهجوم العسكري المزدوج، التركي الإيراني، على إقليم كردستان العراق، في ضوء عدة ملاحظات، حسبما يشير الباحث المصري في العلوم السياسية، هاني سليمان، تتمثل في أنّ تلك العمليات تأتي في سياق تمدّد إقليمي تركي، نابع من حالة من الصمت الدولي تجاه الممارسات العدوانية لها، والتي تشكّل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، كما أنّها ترسّخ لفكرة الاستغلال السياسي لأزمة كورونا واتّخاذها فرصة لبسط نفوذها، والقيام بعمليات مشبوهة، كما هو الحال في سوريا وليبيا والعراق، مما يؤكد أنّ عملية "مخلب النمر" التي تقوم بها تركيا حالياً لن تكون الأخيرة إذا ما استمر النهج الدولي على هذه الشاكلة.
ويضيف سليمان لـ "حفريات": "العمليات والهجوم المزدوج بين طهران وأنقرة، توحي بوجود تنسيق إستراتيجي بينهما، وهو ما يبدو غير منطقي للوهلة الأولى، في ظلّ حالة المواجهة غير المباشرة في الداخل السوري؛ لكن هذا الأمر يؤكد فكرة تلاقي المصالح والدوافع القمعية للدولتين، في ضوء محددات أيديولوجية محددة، خاصة فيما يتصل بالملف الكردي؛ حيث تبدو تلك العمليات فرصة لقمع مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني من جهة، وحزب العمل الكردستاني بالعراق من جهة أخرى، كما أنّها فرصة لتصفية وقمع أكراد تركيا الموجودين في تلك الأحزاب، ووأد أية فرصة للمطالبة بحقوقهم، وهو ما يتنافى وحقوق الأقليات".

 

أردوغان وحروب الإبادة
العمليات الحالية التركية الإيرانية تعدّ ثاني أوسع هجوم تركي على تلك المناطق، بحسب الباحث المصري في العلوم السياسية، خاصة منطقة شنكال سنجار، وذلك بعد هجوم نيسان (أبريل) عام 2017، وهو ما يدخل ضمن دائرة "الإبادة الثقافية" في ضوء وحشية الهجمات والقضاء على مكون ثقافي اجتماعي أصيل.

اقرأ أيضاً: الأكراد ضحية الـ"كوماندوز" التركي .. لماذا التصعيد الآن؟
ويلفت المصدر ذاته إلى أنّ تركيا وإيران تعانيان من أزمات محلية عنيفة، على خلفية سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وكذا تدهور مستوى العملة المحلية وتراجع قيمتها، مما يجعل التحرك نحو الخارج، لخلق عدو إقليمي، بهذه الطريقة غير الشرعية، والبحث عن مساحات للنفوذ والسيطرة على الموارد، خارج القانون الدولي، بمثابة فرصة للقيام بنوع من تسريب الضغوط على النظام، وسحب المجتمع إلى معارك وهمية.
وفي ظلّ الانتهاكات التركية المستمرة، تصاعدت لهجة الاستنكار والإدانة من جانب الجامعة العربية ضد طهران وأنقرة، والتي أعلنت على لسان أمينها، أحمد أبو الغيط، أنّ التدخّل العسكري التركي يعدّ "اعتداء على السيادة العراقية، ويجري بدون تنسيق مع بغداد، مما يعكس استهانة أنقرة بالقانون الدولي، وبعلاقاتها مع جيرانها العرب على حدّ سواء".

اقرأ أيضاً: قصف تركي – إيراني لمواقع تضم أكراداً في العراق
كما شدّد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، على ضرورة إيقاف تركيا تدخلاتها في دول المنطقة، وقال: "تركيا وإيران لا تراعيان مبادئ حسن الجوار مع الدول العربية، وتذكيان نار الفتنة والخلاف".
المدنيون تحت القصف التركي الإيراني
بيد أنّ المستشار الإعلامي في لجنة الثقافة والإعلام في برلمان إقليم كردستان العراق، طارق جوهر، قال في تصريحات إعلامية: إنّ "دافع تركيا لاختراق سيادة العراق هو الموقف غير الصارم وغير الواضح من قبل الساسيين في بغداد، الذين يكتفون بإصدار بيانات خجولة، للتنديد بالغارات وتقديم مذكرة لمجلس الأمن".

 

 

وكشف المسؤول الكردي تلفيق أخبار وزارة الدفاع التركية، خاصة أنّ الأخيرة زعمت قصف مناطق حزب العمال الكردستاني، فأوضح أنّ "الهجمات لم تقتصر على مواقع حزب العمال الكردستاني فقط، إنما استهدفت أيضاً القرى الكردستانية على الشريط الحدودي، وعلى الحكومة العراقية ألا تسمح بمزيد من الانتهاكات لحقوق الشعب الكردستاني، وأن تطلب من تركيا سحب قواتها الموجودة في أماكن الحزب، لأنّ تواجدها يخلق مشكلات للإقليم الذي قد يدخل في مواجهات خارج إرادته مع تركيا".

 

 

اقرأ أيضاً: وثائق سرية تكشف "وحشية" النظام التركي ضد الأكراد
وتابع جوهر: المسؤولية مشتركة بين بغداد وأربيل، لجهة وقف الاختراق التركي للأجواء العراقية، خاصة أنّ القرى التي تقوم حكومة الإقليم بإعمارها، تتعرض من جانب تركيا للتدمير والتخريب، فضلاً عن التهجير القسري لسكانها، بحجة وجود مسلحين من حزب العمال الكردستاني في هذه المناطق.
ما علاقة صدام حسين؟
ووجه المستشار الإعلامي في برلمان إقليم كردستان العراق، بضرورة وأهمية إلغاء الاتفاقية الأمنية التي وقّعتها حكومة الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، مع أنقرة، في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تتيح لتركيا ذرائع عديدة للتدخل العسكري في الأراضي العراقية، وذلك لمسافة خمسة إلى عشرة كم، بهدف ملاحقة معارضي كلّ طرف، موضحاً أنّ برلمان إقليم كردستان قد أصدر قراراً سابقاً، عام 2003، طالب من خلاله أنقرة بسحب كلّ قواتها، خاصة القوات التي كانت تعمل من أجل حفظ السلام، لكنّها لم تستجب لذلك.

اقرأ أيضاً: كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟
وإلى ذلك، أوضح الصحفي والباحث الكردي، باز علي بكاري، أنّه لا يمكن وصف ما تفعله تركيا في إقليم كردستان العراق من تحركات عسكرية عدوانية، سوى بأنّها تأتي ضمن سلسلة التصرفات الدالة على أنّ أردوغان ونظام حكمه، وصلا إلى درجة من التضخم والعنجهية، بحسب وصفه، يفرضان فيها عدم التوقف عن خلق بؤر توتر ونزاع إقليمي، في كافة الاماكن التي يمكنهما الوصول إليها.
وأبلغ بكاري "حفريات" بأنّ "هذه العملية الجديدة قد ألمح إليها أردوغان، أكثر من مرة، إذ كان يخطط للسيطرة على كامل كردستان سوريا، ومن ثم، الانتقال إلى الجانب الآخر من الحدود نحو العراق، لكن الظروف لم تكن مواتية أو في صالحه، بشكل كامل، ليكمل عمليته العسكرية التي أسماها "نبع السلام"، وعلى ما يبدو فإنّ الحكومة العراقية، وبتدخّل إيراني مباشر، موافقة على هذا التحرك العسكري، وذلك على عكس ما يبدو من بيان الرفض الصادر قبل أيام".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية