الأكراد ضحية الـ"كوماندوز" التركي .. لماذا التصعيد الآن؟

الأكراد ضحية الـ"كوماندوز" التركي .. لماذا التصعيد الآن؟


17/06/2020

يأتي سجل الانتهاكات التركية في حق الأكراد، سواء داخل أراضيها أو في سوريا والعراق، ضمن تاريخ طويل وزخم متجدد، غير أنّ التصعيد الأخير الذي انتهجته أنقرة في حقهم شمال العراق، في وقت تعج فيه الطاولة التركية بكثير من الملفات المتداخلة، يحمل كثيراً من التساؤلات، أولها سر التوقيت.

فرنسا هي المستهدف الأول من رسالة أنقرة باعتبارها القوة الإقليمية التي حلّت محل أمريا في رعاية الأكراد

المدقق في علاقة تركيا بالأكراد، وتحديداً الرئيس رجب طيب أردوغان، يدرك أنّ التوقيت الذي قد يبدو للوهلة الأولى ملتبساً غير مفهوم، مواتٍ تماماً لأهداف تركية عديدة، وعلى العكس لا يتداخل مع الملفات المتصارعة، بل يكمّلها.

يؤكد التوقيت أيضاً أنّ الأكراد الذين تهوّل تركيا من خطرهم ودعوتهم الانفصالية وهجماتهم على قواتها، هم سلاح لا يوجّه إلى تركيا بل في يدها، بمعنى أنّهم ورقة عادة ما تلجأ إليها إما لتبرير قمع المعارضة السياسية المشروعة، أو لبعث رسائل إقليمية؛ أي إنّ خطر الأكراد بالنسبة لتركيا محض دمية تُشهرها كلما دعت حاجتها لذلك، لتشبعها لكماً ثم تعود إلى الطاولة، وهي تعتقد أنّها "أرعبت آخرين".

 

 

ومدّت تركيا هجمات صاروخية على شمال العراق إلى عملية عسكرية واسعة، فجر اليوم، تتطلب إنزال "الكوماندز" لتتبع عناصر تابعة لحزب العمل الكردستاني (بي بي كا ) وهو مصنف إرهابياً في تركيا، بالإضافة إلى "قصف أهداف لمقاتلين أكراد في المنطقة"، وفق وزارة الدفاع التركية التي أطلقت على العملية اسم "المخلب – النمر".

 

 

الأكراد ورقة تلجأ إليها تركيا إما لتبرير قمع المعارضة السياسية المشروعة أو لبعث رسائل إقليمية

ويعكس توقيت العملية بعد ساعات من التصعيد الفرنسي نحو تركيا، وما يبدو من انشقاق في التفاهمات التركية – الروسية على صعيد الملفين؛ السوري والليبي، أنّها عملية لاستعراض القوة، فما لم تستطع تركيا أن تفعله في ليبيا وهي تدير المشهد الميداني في ساحة القتال عبر مرتزقة، لوحت به في شمال العراق.
الرسالة التركية مفادها "أنّ تركيا قادرة على القصف والفتك بأعدائها بآلة عسكرية ضخمة"،  حتى لو كانت الطاولة تعج بأزمات داخلية اقتصادية على وقع أزمة كورونا وتهاوي الليرة، وخارجية على صعيد ليبيا وسوريا، وسياسية بتزايد رقعة المعارضين لأردوغان.
وتعد فرنسا هي المستهدف الأول من تلك الرسالة، على اعتبارها القوة الإقليمية التي حلّت محل الولايات المتحدة في رعاية ملف الأكراد ودعمهم، بعدما تخلّت عنهم الأولى شرق الفرات في سوريا لصالح تفاهمات مع تركيا.
يقول الإعلامي الكردي السوري هوشنك إنّ "العمليات العسكرية الأخيرة ضد الأكراد هي إعلامية بالأساس"، موضحاً في حديثه لـ "حفريات" أنّ "القصف وترويع الأهالي موجود بالفعل على الأرض، في اتصال لسلسة الانتهاكات الكردية في حق الشعب الكردي، غير أنّ الهدف بالأساس تفخيم تلك الهجمات لتحقيق أهداف دعائية".

 

 

ويستشهد حسن بمقطع بثته وزارة الدفاع التركية على "تويتر" باعتباره يصور الهجمات الأخيرة، ثم كُشف أنّه تسجيل مصور قديم لقناة "روسيا اليوم". وحمّل حسن العراق مسؤولية التمادي التركي في حق الكرد على أراضيها، قائلاً: "احتجاج العراق لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب؛ العراق أصبحت كحديقة خلفية لتركيا، ترسل قواتها طائرتها وتقصف الأراضي التي تريد، موقف العراق متساهل يفسح المجال لتركيا للاستمرار في عملياتها".
وكانت العراق استدعت السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، أمس، وقامت بإبلاغه الاحتجاج على الهجمات التركية على شمال العراق، والتي تعد "انتهاكاً للقانون الدولي ومبادئ حسن الجوار"، كما أصدرت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان بيان تنديد.

 

 

اقرأ أيضاً: قصف تركي – إيراني لمواقع تضم أكراداً في العراق
ولا تقتصر أهداف التصعيد التركي صوب الأكراد في العراق الآن فقط على الصعيد الدولي؛ إذ يحمل التصعيد رسائل للداخل، يسعى إلى امتصاص المعارضة والامتعاض الشعبي من توريط تركيا على نحو متزايد في سوريا وليبيا ودعم الجماعات الإرهابية مثل "الإخوان المسلمين"، بفاتورة يتحمل المواطن التركي تبعاتها في النهاية، من دخله واحتياجاته.
تركيا لن تستطيع أن تقنع مواطنيها لتبني موقفها في ليبيا على أمل تحقيق مكاسب مستقبلية بالاستيلاء على غاز المتوسط، فالمواطن الذي يعاني في ظل جائحة عالمية ككورنا، لن يتحمس إلى أهداف أو وعود بعيدة، لكنه سيتحمس إذا ما أشهر نظامه فزاعة: "الكرد" "الإرهاب" "الانفصال" "الخطر الذي يهدد الدولة"؛ أي إنّ الهجمات التركية في شمال العراق، هي كصاروخ تطلقه أنقرة بهدف جذب الانتباه في الداخل والخارج، لصالح قضايا أخرى، وكالعادة، يذهب جراء هذا الصاروخ ضحايا كثيرون.
الأكراد ضحية تركيا دائماً
في قرية صغيرة شمال العراق، فزعت عائلة كردية بسيطة على وقع قصف صاروخي هبط جوار منزلها المجاور لمستشفى سنجار، العائلة التي لم تتعافَ بعد من آثار تنظيم داعش وما فعله، باتت مطالبة بالتعايش مع فزع جديد.
العائلة ليست وحدها، فالآلاف مثلها في المنطقة تعاني الأمر ذاته، وكانت العراق ألمحت إلى "ما تسبب به من ترويع للسكان، وبث الذعر بينهم".

 

 

وفيما يختبر آلاف من الأكراد انتهاكات جديدة على يد الأكراد، لازال سكان عفرين يواجهون الآلة التركية التي انتهجت خطة تغيير ديمغرافي للمنطقة، عبر تغيير أسماء الشوارع والمنشآت في المنطقة إلى التركية، وضخ الليرة التركية، وإجبار الأهالي على الحديث بغير الكردية، وعانى نحو 300 ألف كردي من التهجير في عفرين وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان في كانون الأول (ديمسبر) من العام 2018، بعد شهور من اجتياح تركيا للمنطقة.
ورصدت منظمة "هيومن رايتس واتش" في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي انتهاكات تركية بحق المدنين في سوريا، من ضمنها إعدام نشطاء أكراد.

 

 

اقرأ أيضاً: وثائق سرية تكشف "وحشية" النظام التركي ضد الأكراد
وتدعي تركيا وجود صلة بين أي كردي وحزب العمال الذي تصنفه إرهابياً، لتبرير القتل والانتهاكات الممنهجة في حق الأكراد في أي بقعة تصل إليها يد تركيا.
وفي تركيا، يواصل النظام اعتقال المعارضين الأكراد حيث قُدّم مسؤولون في الفروع المحلية والإقليمية إلى المحاكمة، وما أن بدأت جائحة كورونا تهدأ في تركيا، حتى نشطت الآلة القمعية في مواجهتهم.
يقول الكاتب التركي عدنان سلجوق مزركلي، في مقال على موقع "أحوال تركية" إن تلك الاعتقالات هي "مجرد طريقة لقياس رد فعل المعارضة" أي إنّ الأتراك يستخدمون الكرد لإرهاب معارضين آخرين أكثر خطراً على نفوذ أردوغان في تركيا، وهما الزعيمان السابقان في حزب العدالة والتنمية، علي باباجان وأحمد داوود أوغلو، اللذان أنشآ حزبي "ديفا"، وحزب المستقبل أيضاً.
وتقدم تركيا دليلاً جديداً كل يوم على أنّ النزعة الإمبريالية والتسلطية، لا تضع في حساباتها عواقب ذلك على المدنيين المسالمين، وإنّها مستعدة لكل تجاوز في سبيل مصلحتها، فيصبح كل كردي "خطراً" على تركيا يجب سحقه، حتى لو كان ذلك مجرد وسيلة لتحقيق أهداف أخرى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية