لا يخفى على المتابع للشأن اليمني؛ أنّ فشل تنفيذ اتفاق السويد بين الفرقاء اليمنيين، الشرعية ممثلة بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وجماعة "أنصار الله الحوثي"، يشكّل أبرز عناوين المرحلة في اليمن، رغم الأجواء الإيجابية التي أشاعها الاتفاق، باعتباره اتفاقاً جديداً، جاء بعد مفاوضات أشرفت عليها الأمم المتحدة، بظروف وسياقات يمنية عكست التغييرات التي طرأت على مستوى الفرقاء اليمنيين، في الداخل اليمني، والقوى الإقليمية الداعمة لهما.
اقرأ أيضاً: اليمن يشكو انتهاكات الحوثيين لمجلس الأمن
اليوم، وبعد شهر تقريباً من توقيع الاتفاق، يرفض الحوثيون الالتزام بتنفيذ الاتفاق، بإخضاع نصوصه للتفسير مجدداً، وأنّه لم يتضمن تسليم الميناء للشرعية، رغم أنّ المفترض أنّ بعض بنود الاتفاق تمّ الشروع بتنفيذها فور مغادرة الوفدين اليمنيين السويد، وتحديداً موضوع تسليم موانئ الحديدة من قبل الحوثيين إلى قوات الشرعية، وبإشراف الأمم المتحدة، وهو القرار الذي ضمن الاستجابة لمطالب الشرعية بوقف استخدام ميناء الحديدة لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، ومطالب الحوثيين باستمرار عمل الميناء، لضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وخوفاً من نوايا الشرعية لقطع الإمدادات عن الحوثيين.
إن المرجعية التي تدعم حماس والحوثيين وحزب الله واحدة وهي القيادة الإيرانية وتستخدم النهج نفسه في اليمن ولبنان وفلسطين
وبالتزامن تتعثر عملية تبادر الأسرى والمعتقلين بين الجانبين، في تشكيك كلّ طرف بالآخر بحقيقة القوائم التي قدمها، وأعداد هؤلاء المعتقلين من كلا الجانبين، ناهيك عن قضية إعادة فتح مطار صنعاء، واستئناف حركة الطيران منه وإليه، في ظلّ مخاوف وشكوك الشرعية من إمكانية استخدام المطار لهبوط الطائرات الإيرانية، واستمرار تزويد الحوثيين بالأسلحة، من خلال الطيران المدني، على غرار ما تقوم به طهران في مطارَي دمشق وبيروت، وهو ما دفع الشرعية لاشتراط هبوط الطائرات في مطار عدن، حيث تسيطر، لتجري عمليات التفتيش والتدقيق الأمني، ثم هبوطها في مطار صنعاء، وهو ما يرفضه الحوثيون.
محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، كان في صلب مهمات الجولة الجديدة التي قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن والرياض، مارتن جريفيث، لعقد لقاء مع رئيس الشرعية، عبد ربّه منصور هادي، ويبدو أنّ "جريفيث" قد تمكّن من انتزاع موافقة الطرفين، على جولة جديدة من المفاوضات؛ حيث أعلن القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي، أنّها قد تعقد في العاصمة الأردنية، عمّان، وأنّها ستتركز على تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، وسبل معالجتها، وهو ما يجعلها ذات صبغة اقتصادية وليست سياسية.
فشل تنفيذ الاتفاق مرتبط، بالدرجة الأولى، بالفجوة العميقة بين الفرقاء اليمنيين للاتفاق؛ ففي الوقت الذي تنظر فيه الشرعية للاتفاق على أنّه إقصاء للحوثيين، وأنّه يتضمن إعلان استسلامهم، يواصل الحوثيون التعامل مع الاتفاق بكونهم سلطة موازية إلى جانب سلطة الشرعية المعترف بها دولياً، ويريدون من الاتفاق الحصول على ما تضمنه من مكاسب مرتبطة بتخفيف الحصار، ورفع شعارات مواجهة ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتردية في اليمن، خاصة أنّ الموضوع يحظى باهتمام الأمم المتحدة؛ حيث تركز على طرحه باعتباره الموضوع الأهم في المصالحة اليمنية، حتى إنّ كان على حساب التسوية السياسية، وبافتراضات مفادها أنّ التوافق على مواجهة الأزمة الاقتصادية، وضمان وصول المساعدات لمحتاجيها سيؤسس، ويسهل الوصول إلى التسوية السياسية، وهي الصورة ذاتها القائمة في السجالات، التي تجري بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة من جهة، والسجالات التي تجري بين حزب الله اللبناني مع القوى السياسية اللبنانية، مما يؤكّد أنّ المرجعية التي تدعم حماس والحوثيين وحزب الله واحدة، وهي القيادة الإيرانية، وتستخدم النهج نفسه في اليمن ولبنان وفلسطين.
محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين كان في صلب مهمات الجولة الجديدة التي قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن والرياض مارتن جريفيث
المفاوضات التي يتوقع أن تشهدها العاصمة الأردنية، عمّان، بين الشرعية اليمنية والحوثيين، هذا في حال عقدها، لا يتوقع أن تحقق نتائج تذكر، في ظلّ الفجوة العميقة بين الجانبين، خاصّة أنّ الحوثيين ينوون قصرها على ملف الأوضاع الاقتصادية، وإنهاء الحصار على بعض المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، وملفات أخرى مرتبطة برواتب موظفي الدولة المنضويين تحت رايتهم والموقوفة من قبل الشرعية، فيما ترى الشرعية أنّ أيّة مفاوضات يجب أن تفضي إلى ترجمة أنّ هناك سلطة واحدة في الدولة، وأنه لا يمكن السماح للحوثيين بمواصلة نهجهم، باعتبارهم سلطة موازية، على غرار حزب الله اللبناني وحماس، وأنّ أية "حلحلة" في الأوضاع الاقتصادية، كما يتطلع الحوثيون، يجب أن تكون بمدى تجاوبهم مع هذا الهدف.
غير أنّ الأهمّ؛ أنّ تلك المفاوضات، وبمعزل عن دلالات الجغرافيا السياسية، من حيث المكان الذي تعقد فيه المفاوضات (في الأردن أو في سلطنة عُمان، أو في الكويت، أو في العواصم الأوروبية)، فإنّها ستبقى محكومة بالتطورات الإقليمية، وتحديداً مواقف الرياض وطهران، ومدى قناعتهما بإيقاف هذه الحرب، والضغط على الوكلاء "الشرعية والحوثيين"، لوضع حدّ لهذه الحرب، ويبدو أنّ التطورات الدولية والإقليمية، بالنسبة إلى الرياض وطهران، تؤسس لإمكانية وقوع انفراجات في عديد من الملفات الإقليمية موضع النزاع، وربما تكون بداياتها في الساحة اليمنية، رغم تداعيات الانسحاب الأمريكي العسكري من سوريا، والنوايا الأمريكية لتعزيز تواجد قواتها العسكرية بالعراق.