جهاد الصوفية في فلسطين: كيف دافع الشيوخ عن الأرض؟

جهاد الصوفية في فلسطين: كيف دافع الشيوخ عن الأرض؟

جهاد الصوفية في فلسطين: كيف دافع الشيوخ عن الأرض؟


30/11/2023

محمد حسين الشيخ

«الصوفية في فلسطين»، مصطلح ربما يبدو غريبًا على الأذهان التي اعتادت أن ترى الإسلام في فلسطين في صورة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ولكن المتأمل يجد أن الصوفية هم من حملوا عاتق تحرير فلسطين منذ السلطان المتصوف صلاح الدين الأيوبي، وحتى الصوفي «الشاذلي» عز الدين القسام.

ما زالت الزوايا والطرق الصوفية تنتشر في فلسطين حتى اليوم، حتى في قطاع غزة، بخلاف القدس والضفة الغربية، حتى وإن لم تتصدر المشهد، ويُتَّهم رواد هذه الطرق والزوايا أحيانًا بالتخاذل عن نصرة القضية الفلسطينية، بخاصة في ظل تصدر الأفكار السلفية للمشهد.

هناك صورة ذهنية عن الصوفية وهي أنهم منشغلون بالغيبيات والعواطف والروحانيات ومعزولون عن الواقع، مع قدرة على التسامح وتقبل للآخر غير عادية ربما خلقت فيهم تخاذلًا عن الجهاد.

وترسم هذه الصورة أدبيات لا حد لها، ومنها ما قاله الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي:

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه دان
لقد صار قلبي قابلًا كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني

إلا أن صاحب هذه الأبيات التي تدعو لحب من ليس على دينك، هو نفسه الذي يقول: «واجهد أن ترمي بسهم في سبيل الله، واحذر إن لم تَغْزُ أن لا تحدِّث نفسك بالغزو».

ويرى ابن عربي أن الطريق إلى هذا الجهاد لا يأتي إلا بعد الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس وترقيتها، حيث يقول «وعليك بالجهاد الأكبر، وهو جهادُ هواك، فإنك إذا جاهدتَ نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء، الذي إن قُتِلت فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون».

أما الإمام أبو حامد الغزالي فيقول «إن المنافقين كرهوا القتال، خوفاً من الموت، أما الزاهدون المحبون لله تعالى، فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص»، ويقول أيضا «ولقد عظم الخوف من أمر الخاتمة، فأسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة».

فالغزالي الذي يتحدث عن الكرامات والمجاهدات الروحية هو نفسه من يرى أن أسلم الحلول لضمان حسن الخاتمة هو الجهاد، معتبرًا أن النفس الصوفية الزاهدة هي الأسبق للتنازل عن الدنيا من أجل الآخرة.

بناء على ما سبق، وعلى أدبيات لا حصر لها أيضًا، فإن الفكر الصوفي يحث على الجهاد، كما يدعو للتعايش والحب.. فكيف شارك الصوفية أو قادوا النضال في فلسطين منذ الصليبيين وحتى إسرائيل؟ وهل أدبياتهم ومناهجهم الفكرية تحث على ذلك؟ وما أبرز الأدوار التي لعبوها وأشهر قادتهم؟ هذا ما نوضحه في ما يلي.

الصوفية الذين صنعوا صلاح الدين وجنوده

حين دخل الصليبيون الشام في حملتهم الأولى (492هـ – 1099م) كان العالم الإسلامي مفسخًا إلى دويلات، ومنقسم الولاء بين خلافتين، إحداهما شيعية فاطمية في القاهرة، والأخرى سنية عباسية في بغداد.

وكان الخليفتان مهمشين وغارقين في ملذاتهما الشخصية؛ فالفاطمي المستعلي كان تحت رحمة وزيره الأفضل بدر الدين الجمالي صاحب السلطة الفعلية، أما الخليفة العباسي المستظهر فكان لا حول له ولا قوة، وكانت السلطة الفعلية للسلاجقة المتناحرين على الحكم فيما بينهم.

في هذا التوقيت ظهر الإمام أبو حامد الغزالي (توفي 505هـ – 1111م)، الصوفي الشهير، الذي مهد الطريق بمدرسته الفكرية لظهور جيل جديد من القادة القادرين على تحمل المسؤولية.

فقد ركز في مؤلفاته على الإصلاح الأخلاقي والسلوكي، الأخذ بالأسباب لإصلاح أمور الناس، ومواجهة الحاكم بانحرافه، وإبراز دور الجهاد وضرورته لاكتمال الإيمان.

ومن مدرسة الغزالي انبثقت مدارس جديدة تعاملت بشكل مباشر مع الوضع القائم في القدس والشام المحتل من الصليبيين، وانتشرت تلك المدارس في كل مكان، وكان تلاميذها جميعًا أعضاءً في الدولة الزنكية ووريثتها الأيوبية بزعامة صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس.

أهم هذه المدارس كانت المدرسة والطريقة الصوفية القادرية التي أسسها في بغداد الإمام عبد القادر الجيلاني (توفي 561 هـ – 1165 م)، الذي تأثر بأفكار الغزالي أشد تأثير، حد أنه كان ينقل في مؤلفاته فقرات كاملة من الغزالي، ككتابه «الغنية لطالبي طريق الحق»، المليء باقتباسات من «إحياء علوم الدين»، و«المنقذ من الضلال» وغيرها من مؤلفات الغزالي.

وكان الجيلاني يغرس في تلاميذه قيم الزهد والصبر والتعاون وكل مكارم الأخلاق، إضافة إلى التهذيب الروحي الصوفي، وعدم الانشغال بالخلافات المذهبية والدعوة إلى توحيد الأمة، وعدم نفاق الملوك، ومما يقوله في ذلك:

لا تسمعوا من هؤلاء الذين يفرحون نفوسكم، يذلون للملوك ويصيرون بين أيديهم كالذر، لا يأمرونهم بأمره ولا ينهونهم عن نهيه. إن فعلوا ذلك فعلوه نفاقًا وتكلفًا، طهّر الله الأرض منهم ومن كل منافق، أو يتوب عليهم ويهديهم إلى بابه. إني أغار إذا سمعت واحدًا يقول: الله الله وهو يرى غيره.

ومما قاله أيضًا عن الملوك:

صارت الملوك لكثير من الخلق آلهة، وقد صارت الدنيا والغنى والعافية والحول والقوى آلهة. ويحكم! جعلتم الفرع أصلًا، والمرزوق رازقًا، والمملوك مالكًا، والفقير غنيًا، والعاجز قويًا، والميت حيًا.. إذا عظمت جبابرة الدنيا وفراعينها وملوكها وأغنياءها ونسيت الله، عز وجل، ولم تعظمه، فحكمك حكم من عبد الأصنام، وتصير من عظمت صنمك.

ولم يكتف عبد القادر بالكلام، بل نجده يمارس ذلك بنفسه في مواقف كثيرة، منها موقفه من الخليفة العباسي المقتفي حين ولّى يحيى بن سعيد المعروف بابن المرجم القضاء، وكان قاضيًا ظالمًا، فكان الجيلاني يحرض تلاميذه على لصق المنشورات المنددة به على حوائط المساجد، ثم وقف الجيلاني أمام الخليفة شخصيًا وقال له في المسجد وهو يخطب على المنبر: «وليت على المسلمين أظلم الظالمين، وما جوابك غدا عند رب العالمين؟»، فاستجاب له الخليفة وعزل ابن المرجم.

لعبت مدرسة الجيلاني دورًا كبيرًا في إعداد الجيل الذي واجه الصليبيين، بأكثر من وسيلة، أولها أن المدرسة كان مقرها في بغداد بجوار رباط يسكنه الطلبة الوافدون من خارج بغداد، وكان منهم الفلسطينيون والشوام النازحون هربًا من الصليبيين.

وكان يشرف على هذا الرباط أحد تلاميذ الجيلاني وهو الشيخ محمود بن عثمان بن مكارم النعال، وجميع تلاميذ الرباط كانوا تلاميذ لعبد القادر، وقاتلوا في ما بعد ضد الصليبيين، في صفوف الدولة الزنكية، والدولة الأيوبية، ومن هؤلاء التلاميذ كان ابن نجا، وموفق الدين اللذان صار مستشارين لصلاح الدين الأيوبي.

ومن مدرسة عبد القادر والغزالي انبثقت مدارس صوفية كثيرة، ذكر منها المفكر الإسلامي ماجد عرسان الكيلاني، حوالي 24 مدرسة انتشرت بالمنطقة كانت كلها تحمل نفس التعاليم.

ومن هذه المدارس: المدرسة البطائحية الرفاعية، جنوبي العراق، ومن أشهر مشايخها الصوفي أحمد الرفاعي، والمدرسة العدوية، التي أسسها الشيخ الصوفي عدي بن مسافر، وهو تلميذ مباشر لعبد القادر، وكانت مدرسته في شمال العراق بين الأكراد في منطقة جبال هكار، والمدرسة السهروردية، لأبي النجيب عبد القاهر السهروردي في قرية سهرورد بزنجان في فارس، ومدرسة الصوفي الزاهد حياة بن قس الحراني شمالي سوريا.

صلاح الدين وصوفيته يحررون القدس

كل ما سبق انعكس على الدولة الزنكية التي أنتجت الدولة الأيوبية بزعامة صلاح الدين الأيوبي، وهي دولة صوفية بامتياز، فالسلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي (توفي 569هـ – 1174هـ) كان مجلسه يضم صوفية وفقهاء كأهل مشورة، وكان يحضر بنفسه دروس المدرسة العدوية، وتأثر بها نور الدين في زهده حتى قيل إن أدنى الفقراء في زمانه كان أعلى نفقة منه.

وكل وزراء وقواد نور الدين شيدوا مدارس وخنقاوات صوفية على نفقتهم الخاصة، ومنهم أبو الفضل محمد بن عبد الله الشهرزوري، ونجم الدين أيوب والد صلاح الدين الذي بنى الخانقاه النجمية في دمشق، وغيرهم.

أما صلاح الدين نفسه فقد كان أقرب مشايخه وأهم مستشاريه هو الصوفي الشهير نجم الدين الخبوشاني (توفي587هـ – 1191م)، بل كان الخبوشاني يستطيع أن يأمر وينهي صلاح الدين، ومن ذلك الموقف الشهير الذي حكاه السبكي في «طبقات الشافعية» عن مواجهة أهان فيها الخبوشاني صلاح الدين.

فخلال التجهيز لإحدى المعارك مع الصليبيين جاء الخبوشاني لصلاح الدين لوداعه، وليلتمس منه إسقاط بعض المكوس (نوع من الضرائب) من على الناس، فرفض صلاح الدين، ونتيجة لذلك وكزه الشيخ بعصاه حتى وقعت قلنسوة السلطان على الأرض، وقال له الخبوشاني: «قم لا نصرك الله»!

خرج صلاح الدين إلى الحرب وانهزم، فاعتقد أن سبب هزيمته عصيانه لشيخه، فعاد من الحرب وقبَّل يد الخبوشاني، راجيًا إياه أن يسامحه.

وكان خريجو المدرسة العدوية الهكارية التي أشرنا إليها قادة مهمين في جيش صلاح الدين، ومنهم الأمير سيف الدين المشطوب العكاري، الذي كان يسمى الأمير الكبير، وكذلك ضياء الدين عيسى بن محمد الهكاري، أحد أكابر الأمراء العسكريين وكان فقيهًا في الوقت نفسه، ومنهم زين الدين ابن نجا، تلميذ الجيلاني المباشر، وأحد مستشاري صلاح الدين المقربين.

بعيدًا عن القادة، كان للمتطوعين من الصوفية دور كبير في معركة حطين (583هـ – 1187م) وتحرير القدس، وكان أهل القدس ذاتهم يغلب عليهم التصوف حتى قيل إنها كانت «عاصمة التصوف» لكثرة الزوايا والخلوات التي كانت مأوى للصوفية بها، وتكاد تجمع المصادر على دور متصوفة القدس وغير القدس في الجهاد ضد الصليبيين.

من هؤلاء مثلًا كان الشيخ غانم بن علي بن إبراهيم الغماري، الشهير بـ«غانم النابلسي»، الصوفي المغربي الزاهد كما تصفه المصادر، الذي قاد لواء المغاربة في معركة حطين (583هـ – 1187م)، وقاتل قتالًا شرسًا، أبهر صلاح الدين الأيوبي، حد أنه بعد الانتصار قرر توليته مشيخة الحرم القدسي.

ومنهم الشيخ أبو مدين الغوث، الأندلسي، الذي كان قد رحل إلى الشرق وتتلمذ على يد الجيلاني، وكان ممن سكنوا حارة المغاربة بعد تحرير القدس.

وقبل تحركه للجهاد، زار صلاح الدين الأيوبي مقر مشيخة الطريقة القادرية في بغداد، وقابل شيخها في هذا التوقيت علي بن الحسين المعروف بـ«قضيب البان»، الذي أمد صلاح الدين بعدد من تلاميذه وأتباع الطريقة القادرية ليكونوا جنودًا معه في الحرب.

وفي مصر لعب الشيخ عبد الرحيم القنائي دورًا كبيرًا في حشد الصوفية للمشاركة في جيش صلاح الدين، وشارك بنفسه في القتال، وبعد المعركة جرى تكريمه بأن أصبح شيخًا على عموم قنا، جنوبي مصر.

وعن ذلك يقول المؤرخ ابن الوردي إن فتح بيت المقدس «شهده كثير من أرباب الخرق والزهد والعلماء في مصر والشام، بحيث لم يتخلف منهم أحد». وأرباب الخرق والزهد هي الأوصاف المعروفة للصوفية.

ما بعد صلاح الدين وحتى عصر الاحتلال

ربما أكبر خطر تعرضت له فلسطين بعد الاحتلال الصليبي كان الغزو المغولي، الذي اجتاح شرق العالم الإسلامي وقضى على الخلافة العباسية في بغداد، ولم ينكسر المغول إلا في «عين جالوت»، بين نابلس وبيسان في فلسطين.

وقعت معركة عين جالوت (658هـ – 1260م) بين المغول والجيش المملوكي بقيادة المظفر سيف الدين قطز، بدعم صوفي كبير، فبجانب المتطوعين من المتصوفة، كان الإمام الصوفي العز بن عبد السلام، صاحب الكرامات كما يصفه السبكي، مشاركًا في اجتماعات التحضير للحرب في القاهرة، ورغم تقدمه في السن كان حريصًا على حشد الجماهير وفي قلبهم المتصوفة للانضمام للجيش الذي خرج من مصر لملاقاة التتار في فلسطين.

وظلت فلسطين تحت السيادة الإسلامية سواء مملوكية أو عثمانية حتى جاء الاحتلال البريطاني، ومن ثم إعلان الانتداب على فلسطين عام 1920 بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م).

وكانت إرهاصات تمليك فلسطين لليهود قد بدأت، سواء بموجات الهجرة اليهودية أو بوعد وزير الخارجية البريطاني بلفور عام 1917م، ووقتها كان الصوفية أيضًا في قلب الحدث.

خارج فلسطين كان الصوفية داعمين حتى ولو بالفتوى وحشد الناس، ومن ذلك ما فعله الإمام محمد ماضي أبو العزائم، شيخ ومؤسس الطريقة العزمية في مصر، الذي نشر عديدًا من المقالات وأجرى عديدًا من الاتصالات مع قيادات إسلامية لأجل نصرة فلسطين ومحاربة الإنجليز.

كما أفتى أبو العزائم بفرضية الجهاد ضد اليهود والإنجليز في فلسطين، وبحرمة بيع أي أرض فلسطينية لليهود، وأن من يفعل ذلك يعتبر خارجًا عن الإسلام وتطلق منه زوجته، ونشر فتواه في عدد من الصحف والمجلات وقتها، ونقلتها صحيفة الصراط الفلسطينية عام 1925، وأرسل إليه صاحب الصحيفة الشيخ عبد الله القلقيلي خطاب شكر وأخبره أن صحفًا سورية وعراقية نقلتها أيضًا.

وبعد وفاته جدد ابنه ووريثه على مشيخة الطريقة العزمية أحمد أبو العزائم فتوى الجهاد ضد الصهاينة، وتحريم بيع الأرض لهم.

أما في الداخل الفلسطيني فقد برز مجموعة من المتصوفة الذين قادوا النضال، ولعل أهمهم الشيخ فرحان السعدي، والشيخ عز الدين القسام الذي تحمل الكتائب المسلحة لحركة حماس الآن اسمه.

الشيخ فرحان كان ينتمي إلى عائلة السعدية الجيباوية الصوفية، وخطب على منبر المسجد الأقصى عام 1921 وحشد الناس للتظاهر ضد الاحتلال البريطاني، وانطلق بعد صلاة جمعة قائدا لمسيرة مشي فيها الألوف، وانتهت باعتقاله.

وشكل من تلاميذه ورفاقه مجموعة مسلحة قاومت الاحتلال البريطاني، وبرزت مجموعته فيما عرفت بثورة البراق عام 1929، وانتهى الأمر بسجنه 3 سنوات، وبعد خروجه انضم لعصبة الشيخ عز الدين القسام، وقاد الثورة من بعد استشهاد القسام، حتى أعدمته السلطات البريطانية عام 1937.

أما الشيخ عز الدين القسام (محمد عز الدين بن عبد القادر مصطفى القسام)، فقد نشأ داخل الطريقة القادرية في سوريا، وكان جده شيخًا لها وورث والده المشيخة، ثم ورث عز الدين والده، وناب عنه في الإرشاد الصوفي، حتى لقب بـ«شيخ الزاوية في جبلة»، وجبلة هي بلدته في سوريا.

تعلم القسام في الأزهر بمصر، وحارب ضد الفرنسيين في بلده سوريا، وحين ارتحل إلى حيفا في فلسطين كان ينظم الاحتفال المولد النبوي هناك، وعمل في أكثر من وظيفة دينية في فلسطين، منها الخطابة والإمامة بمسجد الاستقلال في حيفا.

ومن على منبر الاستقلال كان القسام يحرض الناس على الثورة ضد الاحتلال الإنجليزي ويفضح مخططاتهم لتوطين اليهود، ولاحقًا شكل مجموعته الفدائية «العصبة القسامية»، التي أشعلت ما يعرف بثورة فلسطين الكبرى عام 1936.

كان القسام قد استغل علاقاته الواسعة وشعبيته الجارفة في تكوين جماعته المسلحة، التي أحضر لها الأموال والسلاح من أصدقائه وأشرف على تدريبها، حتى جاءت معركة يعبد مع قوات الاحتلال الإنجليزي، التي استشهد خلالها وعدد من رجاله، وكانت المعركة هي الشرارة التي أطلقت ثورة فلسطين الكبرى، والتي استمرت حتى عام 1939.

وهكذا نستخلص أن الصوفية كانوا دائمًا حاضرين في المشهد الجهادي الفلسطيني حتى العصر الحديث، وكان دعمهم فلسطين هو دعم روحي وتعبوي وتربوي، بجانب الدعم القتالي المباشر.

ولكن بعد إعلان قيام إسرائيل وهزيمة العرب عام 1948، بدأت المقاومة تدريجيًا تأخذ طابعًا قوميًا علمانيًا، حتى بدأت فصائل إسلامية تنخرط في المقاومة منذ الثمانينيات مع تأسيس حركتي الجهاد وحماس، ولكن بطابع جديد غير صوفي.

عن "إضاءات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية