أحفاد المؤسسين الصهاينة في مواجهة أحفاد المهمشين اليهود

أحفاد المؤسسين الصهاينة في مواجهة أحفاد المهمشين اليهود

أحفاد المؤسسين الصهاينة في مواجهة أحفاد المهمشين اليهود


13/03/2023

تتخذ الاحتجاجات في إسرائيل عنواناً عريضاً هو الدفاع عن الديمقراطية، في وجه خطة الإصلاح القضائي التي طرحها الائتلاف اليميني - أقصى اليمين الحاكم، بقيادة بنيامين نتنياهو. يخفي ذلك العنوان العريض تحته طبقات أخرى من العناوين، منها؛ صراع اليهودية - العلمانية، صراع اليهود الشرقيين - اليهود الغربيين، صراع المهمشين - المتسيدين، صراع الصهيونية العلمانية - الصهيونية الدينية.

تكشف تلك العناوين الفرعية عن التحولات الكبرى التي تحدث في المجتمع الإسرائيلي الفسيفسائي منذ ثمانينات القرن العشرين، الذي شهد إزاحة من أجيال اليهود الغربيين العلمانيين، إلى اليهود الشرقيين المتدينين. وما الصراع حول إصلاح القضاء إلا أحد مظاهر تلك الظاهرة المتنامية، بالوضع في الاعتبار أنّ طبقة الغربيين لها يد العليا في المناصب الكبرى، ومنها القضاء والاقتصاد والمناصب الكبرى.

خطة الإصلاح القضائي

دخلت الاحتجاجات في إسرائيل ضد خطة الإصلاح القضائي التي طرحها الائتلاف الحاكم أسبوعها التاسع، في ظل تمسك الائتلاف بخطته، التي مررها بقراءة أولى في الكنيست الذي يتمتع فيه بأغلبية 64 مقعداً من أصل 120 مقعداً.

تُعرف حزمة التعديلات التي قدّمها الائتلاف الحاكم باسم اقتراح قانون أساس الأحكام (تعزيز فصل السلطات)، الذي قدّمه وزير العدل ياريف لافين، وتناقشه لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست برئاسة النائب سيمحا روتمان عن حزب الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش.

وقعت صدامات بين المحتجين والشرطة

وتتضمن الخطة أربعة محاور: الأوّل تغيير ماهيّة وظيفة المستشار القضائي للحكومة من وظيفة عمومية إلى وظيفة ثقة، والثاني تعديل تكوين لجنة اختيار القضاة، والثالث إلغاء سلطة محكمة العدل العليا في تقدير مقبولية القوانين التي يشرّعها الكنيست، والمحور الرابع تشريع قانون التغلب على قرارات محكمة العدل العليا.

تهدف تلك التعديلات إلى شلّ يد المحكمة العليا والمستشار القانوني للحكومة عن ردّ القوانين والقرارات التي تصدر عن الكنيست والحكومة. وهو الأمر الهام لتحصين نتنياهو من المحاكمات التي تنتظره بتهمة تلقي رشاوى، وحماية قادة الائتلاف الحاكم من قرارات المحكمة، التي أطاحت برئيس حزب شاس أرييه درعي من منصبه كوزير الداخلية والصحة، ومنع توزيره بناءً على اتفاق سابق بين درعي والمدعي العام.

من غير الممكن تقسيم المجتمع الإسرائيلي إلى أشكناز (اليهود الغربيين) وسفرديم (اليهود الشرقيين)؛ بسبب المصاهرة الواسعة، كما أنّ اليهود الإثيوبيين أيضاً دخلوا في تلك المصاهرة والاختلاط

فضلاً عن ذلك، تعتبر المحكمة العليا بطريقة تكوينها وصلاحياتها الحالية العائق الأكبر أمام خطط الائتلاف اليميني الحاكم لتمرير تشريعات دينية، تخالف الأسس العلمانية التي قامت عليها الدولة.

وتنبع المخاوف من أنّه حال تمرير تلك التعديلات، سيكون للتحالف الحاكم اليد العليا في تغيير طبيعة الدولة. في تلك الحالة سيكون اليمين قادراً على فرض قوانين يهودية تستهدف العلمانيين والحريات، وهو الأمر الذي يهدد نمط حياة شرائح كبرى من السكان في إسرائيل.

الأيديولوجيا والديموغرافيا

يقول القيادي الجبهاوي، نائب رئيس بلدية الناصرة السابق، سهيل دياب، بأنّ الأزمة الحالية والتشرذم في المجتمع الإسرائيلي ليس بالأساس أزمة حكم كلاسيكية، ولا حتى أزمة حول ملف الانقلاب القضائي، وإنما هي أزمة الدولة العميقة بمجمل ملفاتها.

وأضاف لـ"حفريات" بأنّ الانشقاق ليس بين ائتلاف حاكم ومعارضة، أو يمين ويسار، وإنما بالأساس بين المفاهيم القومية الليبرالية، وبين المفاهيم الدينية الصهيونية، وكلاهما يؤمن بالفوقية اليهودية لكن من قيم مختلفة.

وأفاد بأنّ العقدين الأخيرين شهدا تغييرات بنيوية عميقة في المجتمع الإسرائيلي، وأهمها: انزياح جارف نحو اليمين واليمين الفاشي، وترجم ذلك بوجود أكثر من 80 عضواً في الكنيست يعرفون أنفسهم كذلك، من بينهم 22 عضواً هم من الفكر الفاشي الديني الكهاني.

سهيل دياب: تغيير بنيوي في تركيبة الجيش لصالح اليمين الصهيوني الديني

إلى جانب ارتفاع المشاعر الانتقامية لليهود الشرقيين المهمشين، وتعبر عنهم أحزاب؛ شاس، أوساط واسعة داخل الليكود، بن غفير ومجموعته. وتابع القيادي الجبهاوي، بأنّ هناك تغييراً بنيوياً في تركيبة الجيش لصالح اليمين الصهيوني الديني المتزمت، خاصة من أوساط المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. وقال دياب "مجمل هذه التغييرات تفرض نفسها على النخب من ناحية، وتجعل الصراع وجودي في كل مناحي الحياة، وأهمها الجيش والشرطة والقضاء".

من جانبه، نبه الناشط من عرب الداخل، عبد القادر وتد، إلى أنّه من غير الممكن تقسيم المجتمع الإسرائيلي إلى أشكناز (اليهود الغربيين) وسفرديم (اليهود الشرقيين) بشكل دقيق؛ بسبب المصاهرة الواسعة، كما أنّ اليهود الإثيوبيين أيضاً دخلوا في تلك المصاهرة والاختلاط.

وأفاد وتد لـ"حفريات" بأنّ المؤكد هو أنّ العائلة الأشكنازية التقليدية التي تتميز بالصهيونية العلمانية تنجب أقل؛ طفل أو اثنين، بينما العائلة من السفارديم والأشكناز المتدينين والصهيونيين الدينيين تنجب أكثر بكثير، ما بين 9 - 11 طفلاً، ما يعني أنّ الغلبة الديموغرافية لهذا التيار مقابل التيار الذي يحتج في الشوارع ضد خطة الإصلاح القضائي.

المهمشون و المتسيدون

تعيد التقسمية السابقة الحديث إلى نشأة دولة إسرائيل، حين كانت السيادة للصهيونية العلمانية أو حتى الملحدة، وفق تنظيرات مؤسسيها مثل تيودور هرتزل وزئيف جابوتينسكي، وما تابعهم من ذلك مثل دافيد بن غوريون وغيرهم.

أما اليوم مع التحوّلات التي شهدها المجتمع الإسرائيلي ديموغرافياً وأيديولوجياً، بتزاوج الصهيونية مع تيارات دينية، فظهرت الصهيونية الدينية مقابل الصهيونية العلمانية.

يعتبر الناشط وتد أنّ الصهيونية الدينية هي مشكلة إسرائيل اليوم، ويميز بين الصهيوني المتدين واليهودي المتدين. فالأول تبنى الصهيونية كهوية "قومية" والذي يغلب عليها الطابع اليهودي على  حساب الطابع العلماني، بعكس ما وصفه هرتزل في كتابه دولة اليهود في أواخر القرن التاسع عشر، وبعكس رؤية جابوتينسكي الإصلاحية. بينما الثاني الأرثوذكسي لا يتبنى الصهيونية، ويتمسك بالعودة إلى أرض إسرائيل - حسب زعمهم - مع عودة الماشيخ، ويعرّف نفسه بدينه مع جرعة خفيفة جداً من القومية الصهيونية، لدرجة أنّ أحد الإهانات المستعملة بين أفراد هذه الفئة هي "صهيوني".

يعود ذلك الخلاف الكبير إلى وقت ظهور الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وكلا الفريقين يؤمن بالعودة، لكنّ الصهيوني عاد بتخطيطه، واليهودي الإصلاحي دعم ذلك بتفسير أنّ ذلك تمهيد لعمل الماشيخ، بينما هناك فئات أثوذكسية ترفض دولة إسرائيل الحالية وتنتظر العودة مع الماشيخ.

عبد القادر وتد: الموازنة بين يهودية الدولة وديمقراطيتها هي الصهيونية الحديثة

وبالعودة إلى أزمة الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل، يمكن القول إنّ نمو قوة الصهيونية الدينية وتحالفها مع الأحزاب اليهودية المتدينة، يمثّل جوهر الخلاف اليوم؛ حيث تسعى تلك القوى من خلال خطة الإصلاح القضائي إلى تبوؤ المناصب العليا التي ظلت محرومة منها، وظلت قاصرة على الأشكناز العلمانيين.

يقول الناشط وتد بأنّ العقل الأشكنازي هو من خطط لبناء الدولة، بينما اليد العاملة كانت من اليهود الشرقيين وعرب الداخل. ويرى أنّ الشرقيين ظلوا مواطنين من الدرجة الثانية، وبعدهم اليهودي الإثيوبي والعربي.

وأحد ملامح الاختلاف الذي يتعلق بالقضية الفلسطينية بين التيارين؛ هو أنّ الأشكناز العلمانيين قد يقبلون العودة إلى حدود العام 1967، بينما التيار المقابل من الصهيونية الدينية (اليمين الاستيطاني) بما يضم من تنوع سفارديم وأشكناز يرون جغرافيا دولة فلسطين كلها حقّاً لهم، خصوصاً مناطق في الضفة الغربية، بتعليل أنّ التوراة لم تذكر حيفا وتل أبيب كأراضي الأجداد، إنما نابلس والخليل وأريحا والقدس.

وتبعاً لذلك، ترتبط خطة الإصلاح القضائي بأنّ تكون الديمقراطية هي لليهود فقط، وتدعم الاستيطان، وليس محكمة عليا تدين التوسع الاستيطاني غير القانوني.

وفي ظل تلك التحوّلات، تُفسر احتجاجات ضباط وجنود من الاحتياط، خصوصاً قوة الطيارين التي تعتبر العمود الفقري لإستراتيجية إسرائيل العسكرية؛ كوّنهم من طبقة المتسيدين الأشكناز، حيث كانت وظائف مثل الطيارين ممنوعة على السفارديم حتى وقت قريب، فضلاً عن أنّ جزءاً من التيار اليميني (الحريديم) يرفض الخدمة العسكرية.

القيادي الجبهاوي سهيل دياب لـ"حفريات": مجمل التغييرات في إسرائيل تفرض نفسها على النخب من ناحية وتجعل الصراع وجودياً في كل مناحي الحياة وأهمها الجيش والشرطة والقضاء

ويتبني الائتلاف الحاكم فكرة شرعية الصندوق الانتخابي فقط، بينما يطالب المحتجون الأشكناز بالعودة لأسس الدولة العلمانية والديمقراطية، والتي تبدأ في الصندوق وتمارس في الحياة اليومية.

وفي ذلك السياق، طرح نواب من الائتلاف الحاكم مشاريع قوانين تقوم على أسس الشريعة اليهودية، منها قانون حائط البراق (حائط المبكى) المتعلق بضبط زي النساء من زائرات الحائط، وثلاثة مشاريع بقوانين لمنع إدخال الأطعمة المخمرة إلى المستشفيات في أسبوع عيد الفصح. تعتبر تلك البداية لمشاريع قوانين أخرى تهدف إلى إقامة مجتمع الشريعة اليهودي، في ظل هيمنة ائتلاف يميني يصل إلى عدم اعتبار العلماني يهودي من الأساس.

من جانب آخر، أدى الصعود القوي لليمين، بالصهيوني التقليدي إلى تحول فكري؛ بحيث بات يعتبر الموازنة بين يهودية الدولة وديمقراطيتها هي الصهيونية، وكلما وازن أكثر يكون صهيوني أفضل، بخلاف أفكار مؤسسي الصهيونية الذين كانوا يرون تدخل الحاخامات في شؤون الحياة اليومية عداءً للصهيونية، بحسب حديث الناشط عبد القادر وتد.

يذكر أنّ معسكر أقصى اليمين حقق أكبر نتيجة له في تاريخه في انتخابات الكنيست (25) الأخيرة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، بعد فوزه بقيادة بنيامين نتنياهو بأغلبية مريحة، مكنته من تشكيل حكومة يمينية متطرفة. حصل المعسكر على حصة (64) مقعداً، بزيادة 14 مقعداً عن الانتخابات السابقة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية