
تكبد التيار الإسلامي في الأردن خسارة قاسية في انتخابات نقابة الأطباء، في تحول لافت في مزاج الأردنيين، ربطه كثيرون بارتدادات ما تم الكشف عنه مؤخرا من مخططات “إرهابية”، متورطة فيها عناصر من جماعة الإخوان المسلمين.
ويثير ما جد في انتخابات نقابة الأطباء تساؤلات حول مستقبل حضور الإسلاميين في النقابات المهنية، والذي لطالما كان مؤثرا.
ولم يتمكن التيار الإسلامي عبر قائمته “طموح” من الفوز بأكثر من مقعدين من أصل 12 مقعدا في مجلس نقابة الأطباء.
في المقابل فازت قائمة “وطن” التي ضمت تلوينات فكرية مختلفة، بعشرة مقاعد بما في ذلك منصب النقيب الذي آل إلى الدكتور عيسى الخشاشنة، الذي فاز بنتيجة مريحة على منافسه مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور طارق التميمي.
ويرى نشطاء سياسيون أن الخسارة التي مني بها التيار الإسلامي في انتخابات نقابة الأطباء تشكل رد فعل شعبي متوقعا على “الشبكة الإرهابية” التي جرى الكشف عنها، وأن على جماعة الإخوان استيعاب الرسالة.
ويلفت النشطاء إلى أن نتائج انتخابات نقابة الأطباء، وهي من أهم النقابات المهنية في المملكة، تعكس في جانب منها أيضا، حرص المنخرطين على النأي بنقابتهم عن الصراعات السياسية، والتركيز على تحسين الأوضاع المهنية.
ودفع القوميون في هذه الانتخابات أيضا ضريبة تماهيهم مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث لم تفز القائمة التي تقدموا بها بأي مقعد، في انتخابات كانت الأعلى من حيث المشاركة في تاريخ نقابة الأطباء.
وصرح أحد الفائزين من قائمة “وطن” بأن هذا الفوز “انتصار للإرادة الحرة، وأن النقابة كمؤسسة مهنية يجب أن تبقى بعيدة عن الاستقطابات السياسية”، مؤكدا أن المرحلة المقبلة “ستشهد خطوات فعلية لتحسين أوضاع الأطباء والدفاع عن استقلال النقابة.”
وعلى خلاف المرات السابقة، تعاطت جماعة الإخوان بهدوء مع الهزيمة الانتخابية ولم تسارع مثلما حصل مرارا في السابق إلى محاولة التشكيك فيها، واتهام أجهزة الدولة بالتلاعب بنتائجها.
ويعكس هذا الموقف رغبة جماعة الإخوان في التهدئة مع الدولة، بعد ضجة “المخططات الإرهابية”، وما أثارته من ردود فعل سياسية ونيابية غاضبة ذهبت حد المطالبة بتطبيق صارم للقرار القضائي القاضي بعدم قانونية الجماعة، وأيضا المطالبة بحل ذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي وكتلتها النيابية.
واهتزت الساحة الأردنية الأسبوع الماضي بإعلان السلطات الأردنية عن إحباطها لمخططات كانت تتابعها دائرة المخابرات منذ العام 2021، لضرب الأمن القومي في البلاد.
وقالت دائرة المخابرات العامة الأردنية إن المخططات شملت قضايا “تصنيع صواريخ بأدوات محلية، وأخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مجهز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيرة”.
وذكرت مصادر أردنية أن من بين الذين جرى إيقافهم وإحالتهم على محكمة أمن الدولة عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان، لتجد الأخيرة نفسها في وضع هو الأصعب منذ عقود.
واتخذت الجماعة بعض الخطوات لامتصاص الغضب تجاهها، من ذلك تعليق المسيرات التضامنية مع قطاع غزة، وإعلان النائب ناصر النواصرة و(ليس رئيس الكتلة المحامي صالح العرموطي)، عن استعداد نواب الحركة الإسلامية للتخلي عن مقاعدهم النيابية “حفاظا على الوطن”، في خطوة قراءها محللون على أنها أشبه ما تكون بمحاولة لتقديم قربان سياسي لنيل رضى الدولة، تفاديا لسيناريوهات أسوأ، ودون أن يعني ذلك بالضرورة تحمّلا فعليا للمسؤولية.
وكانت جماعة الإخوان عملت على استثمار الحرب الدائرة في غزة منذ أكتوبر 2023، لتعزيز شعبيتها التي تراجعت في السنوات الماضية بفعل الخلافات الداخلية، وقد نجحت إلى حد ما في تحقيق ذلك وهو ما توج بفوزها في الانتخابات النيابية التي شهدتها المملكة في سبتمبر الماضي، وإن لم تمكنها من تحصيل الأغلبية بفعل فشلها في تشكيل تحالفات تحت قبة البرلمان.
وقد اعتقدت الجماعة لوهلة أن الباب مفتوح أمامها لوضع يدها على باقي الاستحقاقات الانتخابية في المملكة وفي مقدمتها انتخابات النقابات المهنية، التي جهزت لها منذ بداية العام الجاري، لكنها أهملت نقطة مهمة وهو أن المزاج العام متغير ويتأثر بكل ما قد يمس من استقراره.
ويشير محللون إلى أن جماعة الإخوان سيكون عليها ضغط كبير الآن بالنسبة للمشاركة في انتخابات نقابتي المحامين والمهندسين، التي لم يعد يفصل عنها سوى أسابيع قليلة.
ويقول المحللون إن انتخابات المهندسين على وجه الخصوص تعد المقياس الأكثر مصداقية لناحية معرفة مدى تأثر النقابي بما يجري محليا، بالنظر لثقلها على الساحة النقابية في الأردن.
ومن المقرر إجراء انتخابات نقابة المهندسين في التاسع من مايو المقبل، وقد ترشح 5 مهندسين للتنافس على منصب النقيب وهم جميل محمد الخطيب، وعبدالله عاصم غوشة، ونايف محمد البصول، وبسام أحمد أبوياسين، وخالد عبدالرزاق أبورمان.
كما ترشح لمنصب نائب النقيب 10 مهندسين، وهم أحمد فالح الفلاحات، وعبدالهادي شكري المشايخ، وإبراهيم محمد السمامعة، وعامر محمود الحباشنة، وعبدالكريم سالم أبوهزيم، وكمال عبدالرحيم الدباس، ورائد جميل حدادين، ومحمد إبراهيم العناتي، وعبدالعزيز غازي هنداوي، ومحمد طارق بركات.
وأجريت في فبراير الماضي انتخابات نقابة المهندسين، على مستوى مجالس الشعب، وسط اتهامات من جماعة الإخوان لأجهزة الدولة بالتدخل فيها، فيما بدا توظيفا حينها لخطاب “المظلومية” الذي لطالما برعت فيه الجماعة، وهو ما لا يبدو متاحا في الظرف الحالي، على أمل مرور عاصفة “المخططات” بأقل الأضرار.
وقال الكاتب الصحافي الأردني فارس الحباشنة إن “الخلية التخريبية عطلت قدرة الإخوان المسلمين الانتخابية، والأدوات والأسلحة المحرمة في توظيف الدين والشعارات الجهادية، وحرب غزة. وهذا سر المعركة، والذي سيجعل من الجولات الانتخابية القادمة في النقابات المهنية وغيرها، خاسرة ودون قيمة لجماعة الإخوان المسلمين.”
ولفت الحباشنة في مقال نشرته صحيفة “الدستور” القريبة من السلطة إلى أن خسارة الإسلاميين في انتخابات نقابتي الأطباء والممرضين، بلا شك، ستضع الإسلاميين أمام واقع سياسي جديد وصعب وشديد التعقيد، حيث لطالما كان الإسلاميون يتمتعون بحصة وافرة من التمثيل والفوز في رئاسة وأعضاء مجالس النقابات المهنية، وكادوا في مراحل أن يمسكوا بالعملية السياسية الأردنية من داخل النقابات المهنية.
العرب