جان دوندار: تركيا الآن بلد حزين

جان دوندار: تركيا الآن بلد حزين


19/01/2020

دايفيد ليبسكا

بدأت المشكلة بالنسبة لجان دوندار، كما حدث مع الكثيرين في تركيا، بمظاهرات منتصف عام 2013 التي سعت في البداية إلى وقف هدم حديقة غيزي في إسطنبول، لكنها تحولت إلى حركة ضد زعيم البلاد، رجب طيب أردوغان.

وقال رئيس التحرير السابق لصحيفة جمهورييت، الذي يعيش الآن في المنفى في ألمانيا، لموقع (أحوال تركية) في بث صوتي (بودكاست) "أعتقد أن مظاهرات حديقة غيزي كانت بمثابة نقطة تحول بالنسبة لتركيا، ليس فقط بالنسبة لي".

وقال دوندار البالغ من العمر 58 عاما والذي كان يعمل كاتب عمود في جريدة ميلليت في ذلك الحين "منذ ذلك الحين، أدرك أردوغان التهديدات ضده وحاول سحق كل المعارضة، وكنت أحدهم ... كنت أشارك في احتجاجات غيزي، كنت هناك كصحفي، كمواطن، وكأب. كتبت في عمودي ما شاهدته، لكنهم لم يعجبهم".

وسمحت جريدة ميلليت، التي اشترتها ديميرورين القابضة في عام 2011 وهي شركة قريبة من أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه، لدوندار بالرحيل. انتقل إلى صحيفة جمهورييت، حيث سرعان ما واجه اتهامات حكومية بسبب كتابته عن فضيحة فساد كبرى شملت عائلة أردوغان وأجبرت وزيرين على الاستقالة.

وقد تم تعيينه رئيس تحرير في أوائل عام 2015 وعثر على قصة أكبر: تم تصوير شاحنات من وكالة الاستخبارات الوطنية التركية في تسجيل مصور وهي تنقل الأسلحة عبر الحدود إلى سوريا وربما إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ويقول مسؤولون أتراك إن الشاحنات كانت تسلم أسلحة للمقاتلين التركمان. وعلى أمل تجنب الاضطهاد الحكومي، قرر فريق التحرير في صحيفة جمهورييت وضع جميع أسمائهم على المقال.

وقال دوندار "قالوا إن علينا مواجهة المخاطر المحتملة سوياً ... لم أستطع القيام بذلك. يجب أن أتحمل المخاطرة وحدي، لأنها قصتي وأنا رئيس التحرير".

نُشرت القصة وعليها اسم دوندار وفي اليوم التالي تعهد أردوغان أن يدفع الشخص المسؤول عنها ثمناً باهظاً. ويعترف دوندار "منذ ذلك الحين أدفع الثمن".

تم اعتقاله مع رئيس مكتب أنقرة إردم غول، بتهمة التجسس والانتماء لجماعة إرهابية وقضى 92 يوماً في السجن. وفي مايو 2016، حُكم على دوندار بالسجن لمدة ست سنوات تقريباً بسبب كشفه عن أسرار الدولة، وفي حين كان يغادر قاعة محكمة كاجلايان في إسطنبول مع زوجته، ديليك، خرج رجل من الحشد.

ويقول "أتذكر أن شخصاً ما كان يقترب ... لم أر المسدس في البداية. لكنني سمعت صوته، وصفني بالخائن. ثم أطلق النار مرتين. أتذكر رائحة ذلك. ثم قال صديق لي، وهو صحفي آخر أصيب، (أركض! فأنت الهدف)".

بدأت زوجته في صد المسلح ثم قامت الشرطة وعضو البرلمان المعارض محرم إركيك، بالسيطرة على المهاجم قبل أن يتمكن من التسبب في أي إصابة خطيرة.

استأنف دوندار قرار المحكمة وذهب إلى إسبانيا لكتابة كتاب. وفي حين كان هناك، واجهت حكومة أردوغان محاولة انقلاب قُتل فيها 2500 شخص. أراد دوندار العودة إلى تركيا على الفور، لكنه تحدث إلى محامييه الذين أخبروه أنهم على الأرجح لن يتمكنوا من حمايته من الناحية القانونية أو الجسدية.

فرضت الحكومة على تركيا حالة الطوارئ وبدأت سلسلة من عمليات التطهير وطردت عشرات الآلاف من الموظفين العموميين وتعقبت عدداً لا يحصى من الأتباع المزعومين لفتح الله غولن، الداعية التركي المقيم الولايات المتحدة الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. وفي الوقت نفسه، سمحت السلطات بإطلاق سراح بعض المجرمين.

وقال دوندار "لم يعد بإمكاني العودة والذهاب إلى السجن، لكنني في هذا الوقت لم أكن متأكداً من أن السجون ستكون آمنة بالنسبة لي بعد إطلاق سراح المهاجم ... تخيل، لقد حاول أن يقتل صحفياً على الملأ ومكث في السجن ما يقرب من أسبوعين".

وانتقل دوندار إلى برلين وسرعان ما علم أن الحكومة التركية قد اخذت جواز سفر زوجته. وقال "حاولنا بكل وسيلة استعادة جواز سفرها بالطرق القانونية وبالطرق السياسية وعبر القنوات الدبلوماسية ... لم يفلح الأمر. قررت حكومة أردوغان الاحتفاظ بها لمجرد معاقبتي. لقد كانت رهينة".

بعد ثلاث سنوات، فاتها تخرج ابنها من الجامعة في لندن، اتبعت ديليك تيركر دوندار طريق لاجئين لا حصر لهم قاموا برحلة غير شرعية من تركيا إلى أوروبا. وتم لم شمل الزوجين في اليونان وعادا إلى ألمانيا سوياً.

تلقى دوندار تهديدات بالقتل ووضعته السلطات الألمانية تحت حماية بعد تلقيها معلومات عن تهديد خطير. وهو يرى هذا فيما ينفذ أردوغان التهديد الذي وجهه بعد نشر القصة حول دخول شاحنات وكالة الاستخبارات الوطنية التركية إلى سوريا.

وقال دوندار "إنه يحاول معاقبة خصومه أينما كانوا ... إذا كنت في السجن أو داخل البلاد أو خارج البلاد، لا يهم. إذا كنت تتحدى مثل هذا القائد ومثل هذا النظام، فإنهم يريدونك أن تشعر دائماً بالخطر".

هذا لم يمنع دوندار من العمل. فهو رئيس تحرير محطة أوزغوروز الإذاعية على شبكة الإنترنت ويكتب عموداً أسبوعياً لصحيفة ألمانية، في حين يواصل إضافته إلى ما يربو على 40 كتاباً كتبها. وقد فاز بسلسلة من الجوائز الكبرى، بما في ذلك جائزة حرية الصحافة الدولية التي تمنحها لجنة حماية الصحفيين، وجائزة الحرية ومستقبل وسائل الإعلام من مؤسسة لايبزيغ الإعلامية، وجائزة صحفي العام في أوروبا.

لكن في تركيا، يتم التعامل مع دوندار على أنه عدو للدولة ويواجه قضايا في المحكمة مرتبطة باحتجاجات حديقة غيزي، وفضيحة الفساد ومنفذ إعلامي مغلق.

وقال "إذا وُصفت بعدو للدولة فمن السهل عليهم إلقاء كل اللوم عليك"، مضيفاً أنه وجد طريقة جيدة للتعامل مع الهجمات شبه اليومية ضده في وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة. وأردف قائلاً "في مرحلة ما، قررت تجاهلها. وهذا عقاب لهم ... لقد فقدوا قوتهم".

وفي هذا الشهر، أنتجت شركة فنية ألمانية مسرحية تستند إلى كتاب (الخائن) الذي ألفه دوندار والذي يتناول منفاه وفصله عن زوجته. هذا هو ثاني عمل له يتحول إلى عمل مسرحي بعد أن صنعت شركة شكسبير الملكية البريطانية مسرحية تستند إلى كتاب كتبه عن فترة سجنه. وقد حضر المسرحية مع زوجته الأسبوع الماضي، رغم أن لغتهما الألمانية محدودة.

وقال "كنا نبكي على أنفسنا على المسرح دون أن نفهم كلمة"، مضيفاً أن المسرحية ساعدتهم على تقدير ما مروا به بصورة أفضل.

وتابع قائلاً "في الحرب، إذا كنت مصاباً، فلن تشعر بالألم ولكن بعد ذلك تبدأ النزيف وتدرك أن هناك جروحاً. إن الأمر كذلك، ففي المعركة لم ندرك مدى صعوبة كل ما مررنا به. ولكن على المسرح لمدة ساعة ونصف شاهدنا كل هذه السنوات المضطربة، كان الأمر صعباً، وأدركنا أنه كان كثيراً جداً على زوجين وعائلة".

في السنوات القليلة الماضية، واجهت آلاف العائلات التركية الأخرى عقبات مماثلة وأسوأ من ذلك. وقال دوندار إنه وزوجته يشعران بالرضا لأن بإمكانهما على الأقل مواجهة المنفى سوياً. عندما يفكران في تركيا، لا يشعران بافتقاد أي مطعم أو منظر لإسطنبول أو أكلة معينة، بل الإحساس بما فقدته بلادهم.

وقال "نحن نفتقد تركيا تضحك ... إنه بلد حزين الآن، يعاني الكثير. لسوء الحظ، لم يعد بلدي سعيداً بعد الآن. افتقد ضحكته. أكره أن أرى بلدي يعاني".

عن "أحوال" التركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية