جائزة أدبية من أجل قاتل

جائزة أدبية من أجل قاتل


26/04/2022

فاروق يوسف

لبنان يوجع لأسباب غير سياحية.

يُضحكك اللبناني حين يتحدث بحماسة عن حق بلاده في احتكار التبولة باعتبارها اختراعا لبنانيا. “هل تأكل كبة نية؟” يسألك اللبناني ولا ينتظر جوابك. ذلك لأنها جزء من المسلمات. سنكون قادمين من أراض لا تزرع سوى الثوم. تلك عادة سورية هذبها اللبنانيون. ألم يكن بشير الجميل وهو انعزالي رئيسا وطنيا للبنان؟ لم يقتله مسلم لذلك لم تكن الجريمة كبيرة. لقد ذهب إلى النسيان لأنه خطأ وقع داخل الطائفة. الطوائف هناك تحمي المجرمين من القانون. القضاء لديه دوائر يتحرك ضمن حدودها ولا يغادرها. بقدر ما يقدم اللبناني بلاده بفخر بقدر ما يسعى لتدمير سبل العيش المنصف فيها. وفي الوقت الذي كانت فيه الطوائف مصدر تنوع ثقافي في لبنان فإن النظام السياسي الطائفي تحول إلى مرض فتاك وضع ذلك التنوع على جبهات القتال.      

في ما مضى كانت الطوائف اللبنانية تتسابق في تقديم أجمل وأعز وأرق ما لديها من بشر. شعراء وعلماء وأطباء وأساتذة جامعيون وفنانون وجميلات. اليوم يقف على الصف الأول من كل طائفة اللصوص والقتلة والفاسدون والمرتشون والمهربون والأتباع والذيول. الاختلاف هائل بين لبنان ولبنان. لبنان الشاعري الأنيق والعميق في نظرته الذي لا يمكن استعادته حل محله لبنان ثقيل ومتجهم وعصابي وَرَثٌ. ذلك هو لبنان الذي تمكن منه حزب الله الذي يسعى اليوم لأن يتمكن من لبنان الذي اختفى لكن بطريقة لصوصية وغبية. طريقة أبناء الشوارع الذين يحكمون قبضاتهم على السلاح في محاولة لاصطياد الغيوم.

بعد الفشل على اليابسة يطارد حزب الله اللبنانيين بفشلهم في البحر. هاهم يلتحقون بضحايا قوارب الموت، قريبا من الأرض الأم. تلك لحظة تأسيس لمصير غامض جديد، بدأه عدد من اليائسين ليكون تقليدا فلكلوريا ككل شيء في لبنان. يكون على اللبنانيين أن يتفوقوا. حتى في أساليب الموت فإنهم غير مستعدين لكي يكونوا في الخلف.

ليست هناك حرب في لبنان لكي يهرب اللبنانيون منه. ولكن مَن ذلك؟ مَن قال إن لبنان ليس في حالة حرب؟ اللبنانيون على الأقل يعيشون حربا منذ حوالي خمسين سنة. حرب الـ75 لم تنته بعد. غابت وجوه وتغيرت الأهداف واختفت تحالفات واختلف الممولون غير أن مستوى الكراهية في الدم لم ينخفض. لا يحتاج اللبنانيون إلى سبب بحجم تفجير ميناء بيروت ليهربوا ويسلموا أنفسهم لمهربي قوارب الموت. تلك كارثة أكبر من أن يحلم بها اللبناني لكي يضع بطولته على ميزانها. السوبرمانية التي يفكر من خلالها حزب الله فاقت مواهب اللبنانيين كلها فاندفعوا في اتجاه البحر. 

ما فعله حزب الله وما يفعله اليوم وما سيفعله غدا ليس نتاجا خالصا للعبقرية اللبنانية في جانبها السلبي. فجائزته الأدبية التي تحمل اسم الإيراني قاسم سليماني هي مفاجأة صادمة لا لأن سليماني لم يكن متوقعا بل لأن الجائزة تضع مَن يستلمها في قائمة القتلة الإرهابيين. تلك مكافأة لكتاب من نوع خاص. ولا يزال شعار المقاومة ساري المفعول. لذلك فقد تم استعمال ذلك الشعار من أجل تمرير أدب رث وهو ما يشير إلى تحول خطير في المسألة اللبنانية.

فبعد أن كان الأمر سياسيا، وهو ما أثار حفيظة اللبنانيين في أكتوبر 2019، تم السطو على مدخراتهم في البنوك فانزلق أمنهم الغذائي إلى الهاوية حين استسلمت الليرة لسوق حزب الله. أما أن يدخل الأدب إلى تلك السوق باعتباره حادثة عرضية يمكن استعمالها لتكريس فرضية إلحاق لبنان بالإرهاب العالمي بصيغته الإيرانية فإن ذلك يعني بالنسبة إلى حزب الله انتصارا على لبنان بصورته الأدبية المشرقة. ذلك حدث يمكن قراءته بطريقتين. يمكن أن تراه حدثا كئيبا إذا ما تم النظر إليه بطريقة جادة ويمكن النظر إليه باعتباره نوعا من التهريج. غير أنه في الحالين يعبر عن عدوان على الروح اللبنانية التي ظلت دائما تعبر عن علو في الخلق الإبداعي.

في لبنان الذي يعترف العرب بفضله عليهم من جهة صفاء ونقاء وسعة مزاجه اللغوي لا يمكن لقاتل مثل سليماني أن يكون عنوانا لحدث أدبي. يمكن للرجل الذي قتلته الولايات المتحدة بداية عام 2020 أن يكون عنوانا لجريمة، للعبة تهدف إلى مطاردة الإرهابيين، لسلسلة من الكتب التي تتناول تاريخ الوضاعة البشرية. غير أن وقاحة حزب الله متوقعة. سيكون نوعا من السخرية أن نطالبه باحترام الأدب وهو الذي لم يحترم الإنسان. منذ عام 2006 وحزب الله يعبث بلبنان ومواطنيه. يضحك عليهم ليجعلهم يبكون.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية