تونس: هل ينجح الرئيس في حل البرلمان؟

تونس: هل ينجح الرئيس في حل البرلمان؟


24/03/2021

تصاعدت وتيرة الدعوات السياسية والحقوقية في تونس لحل البرلمان، وتطبيق الفصل الثمانين من الدستور الذي يتيح للرئيس فرض تدابير استثنائية لتسيير البلاد، وذلك أعقاب أحداث العنف التي شهدها البرلمان وزيادة الاحتقان بين الكتل النيابية.

كرر الرئيس التونسي أنّ النظام السياسي في حاجة إلى لقاح من صنف جديد لكن غير مستورد، ويعيد للثورة وهجها ولتونس ومؤسساتها عافيتها

وأطلق نواب وسياسيون معارضون، دعوات إلى الرئيس قيس سعيّد لحل البرلمان، معتبرين أنّ المجلس الحالي عمّق الأزمة التي تعيشها البلاد وزاد من حدّة الصعوبات، لكن بعض خبراء القانون اعتبروا أنّ الدعوات لحل البرلمان لا تستند على تأويل قانوني بقدر ماهي لدوافع سياسية، فيما أكّد بعضهم أنّ شروط الخطر الداهم الذي يهدد كيان الدولة التونسية في جانب منها متوفرة الآن باعتبار التعطيل الكبير للمرافق العامة، وأثاره المالية والاقتصادية، فضلاً عن الفوضى الكبرى الحاصلة في البرلمان التي اقترنت بالعنف الشديد.

وينص الفصل 80 من الدستور على أنّ "لرئيس الجمهورية، في حالة خطرٍ داهمٍ مهدّدٍ لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب".

اقرأ أيضاً: عبير موسي تتعرّض للضرب تحت قبة البرلمان التونسي.. ما علاقة الإخوان؟

وبحسب الدستور أيضاً، يملك رئيس البلاد إصدار قرار بحل البرلمان في حالة واحدة فقط، وهي مرور 90 يوماً على انعقاده دون تشكيل الحكومة.

الرئيس متمسّك بحل البرلمان

ولم يفوّت الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ توليه الرئاسة أواخر العام 2019، مناسبة رسمية أو زيارة ميدانية دون توجيه سهام نقده إلى البرلمان والنظام السياسي، الذي جاء به دستور الثورة، وتحميلهما مسؤولية الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، ملمحاً في كلّ مرة إلى حل البرلمان الذي تكوّن النهضة أغلبيته (54 نائباً من جملة 217).

اقرأ أيضاً: متظاهرون يدعون إلى حل البرلمان في تونس بهذه الطريقة

وزادت حدّة هذه الدعوات على إثر الخطاب الأخير لسعيّد خلال زيارته إلى محافظة قابس (جنوب شرقي تونس) منذ أيام، الذي صرّح فيه بأنّه "لو كان نظام الحكم في تونس رئاسياً، لما آلت الأوضاع إلى هذا المستوى من الخراب والدمار"، وفق تعبيره.

اقرأ أيضاً: هل وصل الانقسام السياسي الحاد في تونس إلى طريق مسدود؟

تفاعلاً مع هذا الخطاب، خرج مئات المحتجين المؤيدين للرئيس في مسيرة بالشارع الرئيسي للعاصمة تونس، يطالبونه بالدعوة إلى استفتاء وطني لحل البرلمان، رافعين لافتات تطالب بتطبيق الفصل 80 من الدستور الذي يتضمن إجراءات حل البرلمان، حيث ردد المحتجون "حل البرلمان" و"الشعب يريد حل البرلمان".

وتعدّ هذه المسيرة الثانية ضمن المسيرات النادرة التي تطالب صراحةً بحلّ البرلمان، الذي يعدّ أعلى سلطة في البلاد ومحور النظام السياسي المعتمد في تونس منذ صدور دستور 2014، وهو نظام برلماني معدل.

اقرأ أيضاً: تونس وليبيا إلى تعميق العلاقات بعد زيارة قيس سعيد... تفاصيل

تصريحات الرئيس التي لمّح فيها إلى حلّ البرلمان وتغيير النظام السياسي، اعتبرها الأستاذ في العلوم السياسية إبراهيم العمري قناعةً راسخةً لديه، بدليل أنّ الرئيس لم يسمح بحل الخلاف المتواصل بينه وبين رئيس الحكومة هشام المشيشي، بل حوّله في أغلب الأحيان إلى خلاف مع البرلمان ورئيسه راشد الغنوشي، برغم أنّه ليس طرفاً في الصراع.

أستاذ العلوم السياسية إبراهيم العمري لـ"حفريات": الرئيس لم يستوعب أنّ نصف من صوتوا له في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية هم قواعد "النّهضة"

ولفت العمري في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ سعيّد ما انفك يبحث عن فرصةٍ قانونيةٍ أو دستوريةٍ لتنفيذ رغباته السياسية بحل البرلمان وتغيير نظام الحكم، وأنّها لو توفّرت، لقام بذلك منذ وقتٍ طويلٍ، مشدّداً على أنّ سعيّد لم يستوعب بعد أنّ نصف من صوتوا له في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية هم في الحقيقة قواعد حركة النّهضة، التي كانت تخشى فوز خصمه نبيل القروي (حليفها الحالي)، وبالتالي فإنّ الاستثمار في هذه الشعبية خاطئ لأنّه لا يملك نصفها.

الغنوشي يردّ

من جانبه، استنكر رئيس البرلمان راشد الغنوشي هذه الدعوات، مشدّداً على أنّه "لا سبيل قانوني ودستوري لحل البرلمان، ولا يمكن حله إلا في صورة عجزه عن إنتاج حكومة وتزكيتها"، وأنّ حل البرلمان يقود إلى حكم الفرد وحتماً إلى الديكتاتورية.

وأشار الغنوشي إلى أنّ "الشعب التونسي الذي سال دمه من أجل الاستقلال وتأسيس برلمان وطني، لا يمكن أن يسمح بأن يتحكم فيه لا زيد ولا عمر" (دون تسمية أحد)، معتبراً أنّ "السلطة نفسها لم تبق موحّدة.. ويجب أن نجمع ولا نفرق"، مشيراً إلى أنّ "تكاليف الانتقال الديمقراطي في تونس معقولة لكن يبقى دائماً خطر خطابات الإقصاء".

اقرأ أيضاً: شبح القرضاوي في تونس ولعنته

يأتي ذلك في ظلّ خلافات تعيشها الساحة السياسية في تونس بين رئيس الحكومة هشام المشيشي المدعوم من حركة النهضة وحلفائها من جهة، ورئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة ثانية.

ولأنّ الغنّوشي يردّ لأول مرّةٍ عن دعوات حل البرلمان، فقد اعتبر المحلل السياسي محمد بوعود هذه الردود تأكيداً على ما وصل إليه رئيس البرلمان من تشنّج، خصوصاً أنّه يعيش يومياً على وقع قصفٍ مركّزٍ من طرف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، ومن طرف كلّ المطالبين بعزله من رئاسة المجلس، ينضاف إليها دعوات أنصار سعيّد الأخيرة بحل البرلمان، برغم أنّ هذه الدعوات لا تمثّل خطورةً على الغنّوشي أو البرلمان، لأنّها غير ممكنة.

المحلل السياسي محمد بوعود

ووصف بوعود في تصريحه لـ"حفريات"، تصريحات الغنّوشي بالتصعيد الخطابي تجاه قيس سعيّد إرضاءً لأنصاره وأنصار حلفائه (قلب تونس وائتلاف الكرامة)، وذلك بالتظاهر بالدفاع عن المجلس النيابي.

المحلل السياسي لفت إلى أنّ الفرصة الوحيدة التي كانت أمام سعيّد لحل البرلمان، حين سقطت حكومة الحبيب الجملي، كان يمكن أن يقترح حكومةٍ قابلة للسقوط، لتعود إليه المبادرة بضرورة حل المجلس مباشرةً وتنظيم انتخابات سابقةٍ لأوانها، غير أنّه أضاعها.

هل تُقبل تونس على نظام سياسي جديد؟

ومنذ حملته الانتخابية، رفع سعيّد شعارات تنتقد في مجملها نظام الحكم الحالي الذي تعتمده تونس (برلماني معدّل)، حيث اعتبر بداية العام، في كلمة إلى التونسيين، أنّ "النظام السياسي التونسي في حاجة إلى لقاح من صنف جديد لكن غير مستورد، ويعيد للثورة وهجها ولتونس ومؤسساتها عافيتها، وتصور يقوم على تحقيق الأهداف التي سقط من أجلها الشهداء، ويحقق ما يطالب به من لا يزالون يئنّون من الجراح والبؤس والفقر".

اقرأ أيضاً: تونس تستعيد أكثر من مليون دولار من أموال بن علي.. تفاصيل

وقال خلال تكليفه المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة، إنّه "يحترم الشرعية، لكن آن الأوان لمراجعتها حتى تكون بدورها تعبيراً صادقاً وكاملاً عن إرادة الأغلبية".

وفي تعليقه عن إمكانية تغيير نظام الحكم في تونس، أكّد المحلل السياسي باسل ترجمان لـ"حفريات"، أنّ المستجدات التي تعيشها تونس تثبت أنّ التجربة التونسية الحالية فاشلة، وأنّ النظام الانتخابي الحالي فاشلٌ أيضاً.

المحلل السياسي باسل ترجمان

وشدّد ترجمان على أنّ البرلمان تحوّل إلى عبء على الدولة، ولم يعد له دور في حلّ المشاكل أو التشريع، محذّراً من أنّ استمرار الوضع داخل البرلمان على ما عليه، سيؤدي ضرورةً إلى تزايد دعوات حلّه وتغيير النظام السياسي برمّته، في ظلّ أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة قد تهدّد بانهيار كل أسس الدولة الوطنية وتحويلها على حالةٍ من الفوضى.

اقرأ أيضاً: بالأسماء والتفاصيل.. ماذا فعلت النهضة التونسية مع إخوان مصر؟

في المقابل، قال النائب عن حزب قلب تونس صادق جبنون إنّ الدعوات المتكرّرة لحل المجلس وتغيير نظام الحكم، ليست جديّةً، وهي على علاقةٍ بمجموعات تنشط على موقع فيسبوك تحرّكها أطراف سياسية معلومة (لم يذكرها).

واعتبر جبنون في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ تغيير نظام الحكم في تونس غير واردٍ، وأنّ الدستور واضح، إذ لا يمكن لأي شخص حل المجلس إلا في حالات معيّنة غير متوفرة بتونس، وأنّه لا يعدو أن يكون رغبات عابرة لبعض الأطراف السياسية.

النائب عن حزب قلب تونس صادق جبنون

من جانبه، استبعد مصطفى بن أحمد، النائب عن حزب تحيا تونس المساند لقيس سعيّد، إمكانية حلّ البرلمان، في ظلّ وجود مسائل إجرائية مستحيلة، وأنّ لا أحد يملك الصلاحية القانونية للتدخل في عمل البرلمان من عدمه، في ظلّ غياب البدائل الممكنة.

وأشار بن أحمد في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ الظروف المادية واللوجستية لتونس لا تسمح بإجراء انتخابات سابقة لأوانها، كما أنّ الظروف الإقليمية لا تسمح بالقيام بحملات انتخابية، واصفاً الدعوات إلى حل المجلس بدعوات اليأس والعجز، لافتاً إلى وجود محاولات تدمير ممنهجٍ للدولة وقفزٌ نحو المجهول.

مصطفى بن أحمد، النائب عن حزب تحيا تونس



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية