تونس: هكذا تخطط حركة النهضة للسيطرة على الإعلام

تونس: هكذا تخطط حركة النهضة للسيطرة على الإعلام


26/10/2020

خلق المقترح البرلماني "تنقيح المرسوم 116" أزمة سياسية وإعلامية في تونس، بين الفريق المطالب بالتنقيح، ويضمّ: حركة النهضة، وحزب قلب تونس، وائتلاف الكرامة، والمعارضين من أحزاب سياسية، على رأسها؛ الحزب الدستوري الحرّ، ومعه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، (الهايكا)، ونقابة الصحفيين، والعديد من منظمات المجتمع المدني، ومن الصحفيين والناشطين وغيرهم.

ودخل الرئيس، قيس سعيّد، على خطّ الأزمة، مؤكداً عدم توقيعه على التنقيح، حال حظي بالتمرير في البرلمان، الذي تحظى فيه حركة النهضة وحلفائها بالأغلبية النسبية، المقدرة بـ 109 مقعداً، من أصل 217 مقعداً.

وينصّ المقترح الجديد على إلغاء سلطة الهايكا في منح التراخيص للإذاعات والقنوات التلفزيونية، والرقابة السابقة واللاحقة عليها، ووضع نظام جديد لاختيار أعضائها، عبر البرلمان، والسماح بإنشاء القنوات والإذاعات بمجرد الإخطار للهيئة، وهو ما يثير خوف المعارضين، الذين يخشون من تدفق المال القطري على المشهد الإعلامي التونسي، وتحويل البلاد إلى منبر لقنوات الإخوان، وتبييض الأموال عبر رجال الأعمال، حلفاء النهضة وقلب تونس، إلى جانب رفضهم خضوع الهايكا لسيطرة الأحزاب السياسية التي تحظى بالأغلبية في البرلمان.

على ماذا ينص المرسوم "116"؟

صدر المرسوم رقم 116، في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2011، ويتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري، ونصّ على إحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري، بعد أخذ رأي الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال، ومجلس الوزراء، وجاء في إطار تحقيق مبادئ الثورة التونسية. بموجب المرسوم، أصبح من سلطات الهيئة الوطنية المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا)؛ إصدار تراخيص البثّ الإذاعي والتلفزيوني، وتخصيص وتوزيع طيف تردّدات البثّ التلفزيوني والإذاعي، والرقابة على العمل الإعلامي.

ثمة خلافات داخل حركة النهضة حول تعديل المرسوم 116. لكنّ الغاية الحقيقية للإخوان، هي السيطرة على الإعلام، وتحويل تونس إلى مقرّ لقنوات التنظيم الدولي للإخوان

والهايكا هيئة جماعية، تتكون من سبع شخصيات مستقلة، مشهود لهم بالكفاءة، ويتمّ اختيارهم كالآتي؛ عضو يعيّنه رئيس الجمهورية، بعد استشارة أعضاء الهيئة، ويتولّى مهامّ الرئيس. عضوان من القضاة، ترشّحهم الهيئات الممثلة للقضاة، وعضوان يقترحهما رئيس السلطة التشريعية، وعضو باقتراح الهيئات المهنية الأكثر تمثيلاً للمهن السمعيّة البصريّة، من غير الصحفيين، وعضو باقتراح الهيئات الممثلة لأصحاب المنشآت الإعلامية والاتصالية.

ولا يمكن تعيين أشخاص تحمّلوا مسؤوليات حكومية أو نيابية عمومية، أو حزبية، أو سياسية، أو عملوا لدى أحزاب سياسية، خلال العامين السابقين للترشيح، ولا يمكن تعيين من لهم مصالح مالية في منشآت إعلامية، إلا إذا ثبت تخليهم عنها، ومدة التعيين هي 6 أعوام، غير قابلة للتجديد، ويجدّد ثلث الأعضاء كلّ عامين.

وتقدّم ائتلاف الكرامة في البرلمان بمقترح يحمل رقم (2020/34)، في أيار (مايو) الماضي، لتعديل المرسوم 116، وينصّ التعديل الجديد على؛ تغيير طريقة تشكيل أعضاء الهيئة، وإقرار سلطة التعيين بيد البرلمان، وزيادة عدد أعضاء الهيئة إلى تسعة أشخاص. وإجازة إحداث القنوات الفضائية دون أي ترخيص، والاكتفاء بإيداع ممثل القناة تصريح بالوجود لدى الهيئة، تتضمن بيانات الترخيص التجاري والضريبي.

اقرأ أيضاً: هل تنهي العودة إلى النظام الرئاسي هيمنة حركة النهضة على المشهد السياسي التونسي؟

وحول التعديلات المقترحة، تقول مقدّمة البرامج الإذاعية، والصحفية التونسية، رباب علوي إنّ "صلاحية إسناد الإجازات للقنوات والإذاعات هي مهمّة هيئة الاتصال السمعيّ والبصريّ، التي تتأكّد من مدى التزام مقدّم الطلب بالشروط، وهويّة المالك، والضوابط التي تصون حرية الإعلام، وذلك قبل منح الإجازة، أما وفق المقترح الجديد فيتمّ بثّ القنوات دون أيّ ترخيص".

وتتابع علوي، لـ "حفريات": "التنقيح الجديد يجيز تأجير التردّدات لجهات أجنبية، وهو ما يتعارض مع مبادئ الجمهورية، فالتردّدات ملك للشعب، وحركة النهضة تسعى إلى تأجير الترددات لدول أجنبية، وتسعى للاستقواء بالمال الأجنبي، للسيطرة على المشهد الإعلامي".

اقرأ أيضاً: هذا ما كشفه وزير تونسي سابق عن فساد حركة النهضة

ويقضي التعديل الجديد، بحسب المحامي التونسي لدى محكمة النقض، طه العبيدي "على استقلال الهيئة، عبر منح البرلمان سلطة اختيار أعضاء مجلسها، وبما أنّ النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة لديهم الأغلبية النسبية، بـ 109 مقاعد، فستكون لهم السيطرة على الهيئة، وبذلك يسيطرون على المشهد الإعلامي، وينفتح المجال أمام قنوات تبثّ خطاب التطرف والكراهية، فمن قبل دعا نواب في ائتلاف الكرامة الشباب إلى الجهاد في سوريا، وهي دعوة للالتحاق بتنظيمات إرهابية، تعاني تونس من ويلاتها".

اقرأ أيضاً: هل حانت ساعة رحيل الغنوشي من رئاسة حركة النهضة

وصدقت لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان على مقترح التعديل، في شهر تموز (يوليو) الماضي، وكان من المقرر طرحه للتصويت في جلسة علنية، يوم 20 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، لكن تمّ رفع الجلسة، وتأجيل التصويت، دون تحديد موعد جديد.

وأرجع النائب في ائتلاف الكرامة، عبد اللطيف العلوي، سبب التأخير إلى خطأ إجرائي في تحديد موعد الجلسة، مؤكداً إعادة تحديد موعد جديد.

تطرّف وتبييض أموال

وكانت الحكومة السابقة، برئاسة إلياس الفخفاخ، قدّمت مشروع قانون بعنوان "حرية الاتصال السمعي البصري"، الذي جرى العمل عليه لمدة 4 سنوات، لتنظيم الإعلام، وقامت حكومة المشيشي بسحبه، لافساح المجال لتمرير تنقيح المرسوم 116، في خطوة تكشف عن تحالف الحكومة مع الأغلبية البرلمانية.

وحول ذلك تقول الصحفية رباب علوي: "الحكومة سحبت مشروع قانون "حرية الاتصال السمعي البصري" لصالح التنقيح، رغم أنّ القانون عكفت على إعداده عدّة جمعيات مدنية، ونقابة الصحفيين، وهيئة الاتصال، لمدة أربع سنوات على إعداده، وكان محلّ توافق كبير، وحظي بدعم الحكومة السابقة، التي كان المشيشي عضواً فيها، مما أدّى إلى موجة غضب، ونظّمت نقابة الصحفيين وقفة احتجاجية أمام البرلمان".

وتضيف علوي، لـ "حفريات": "المشيشي رضخ للمحتجين، وأعلن إعادة تقديم القانون للتصويت في البرلمان، معللاً سحبه بوجود خروقات، ومخالفات دستورية".

المحامي التونسي طه العبيدي لـ"حفريات": هناك استخدام للإعلام لتبييض الأموال، من قبل سياسي معروف، حليف للنهضة، كما أنّ إعلام النهضة متهم بأنه يموّل من قطر

ويمنع المرسوم 116 تأسيس قنوات وإذاعات تابعة لكيانات أو أفراد في الحقل السياسي، حفاظاً على حرية المنافسة السياسية، ومنعاً لاستغلال الإعلام في الترويج لأحزاب بعينها.

وفي ذلك، يقول الباحث التونسي، المتخصص في القانون الدولي والعلوم السياسية، نجيب الفرحاني: "الدعم الكبير من حركة النهضة وقلب تونس في أحد أسبابه هو شرعنة القنوات المخالفة المملوكة لهما، والتي تروّج لهما، ومنها؛ قناة "الزيتونة" التابعة للنهضة، وقناة "نسمة" المملوكة لرجل الأعمال، نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، وهاتان القناتان مهدّدتان بالإغلاق من قبل الهايكا، نظراً لعدم حصولهما على تراخيص، كونهما من أبواق الدعاية السياسية، ولا شفافية حول حساباتهما المالية".

اقرأ أيضاً: ألفة يوسف: على حركة النهضة دفع ثمن ما ألحقته بتونس من فوضى

ويردف الفرحاني، لـ "حفريات": "الهدف من تعديل المرسوم 116 هو ضرب الهايكا، وإنقاذ قناة نبيل القروي، وقناة الغنوشي من قرارات الحكومة المرتقبة، وائتلاف الكرامة هو مجرد بيدق، يحرّكه حلف القروي - الغنوشي لتمرير المبادرة، والبقاء بعيداً عن ساحة المعركة".

ووُجهت اتهامات بالفساد للمرشح الرئاسي السابق، ورئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، ومالك قنوات نسمة.

ويقول المحامي العبيدي: "هناك استخدام للإعلام لتبييض الأموال، من قبل سياسي معروف، حليف للنهضة، كما أنّ إعلام النهضة متهم بأنه يموّل من قطر، ومن أجل الحفاظ على هذا الوضع تريد النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة تغيير المرسوم 116، والسيطرة على الهايكا".

أخونة تونس

ويردف العبيدي، لـ "حفريات": "نحن في وضع اقتصادي صعب، وكلّ المؤسسات الإعلامية تعاني، وحال تمرير التعديل، سيتمّ ضخّ مال أجنبي للسيطرة على الإعلام، خصوصاً لصالح حركة النهضة، التي ضخّت قطر أموالاً كثيرة لدعمها، ومنها حين اشترت أصوات نواب قلب تونس، في جلسة التصويت على سحب الثقة من الغنوشي، فضلاً عن استخدام المال الأجنبي لتغيير نمط الحياة في المجتمع، عبر رجال الدين الإخوان، كي يكون المجتمع بيئة للإسلام السياسي، والدول الداعمة له".

وكانت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري قد رصدت الخروقات التي تقوم بها الوسائل الإعلامية الموالية للقروي والنهضة، خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة، ورفعت تقريراً إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بشأن خروقات كلاً من؛ قناة نسمة، وقناة الزيتونة، وإذاعة القرآن الكريم، والوسائل الثلاث غير مرخّصة، ولا توجد معلومات عن وضعها المالي.

وكشف التقرير استغلال إذاعة القرآن الكريم، المملوكة لمحمد الجزيري، الذي يعمل مع سعيد الجزيري، رئيس حزب الرحمة، في الدعاية الانتخابية، وتوظيف الدين في الدعوة للمرشحين، وبثّ خطاب يحضّ على الكراهية، والتمييز ضدّ المرأة، ونشر التطرّف في المجتمع.

اقرأ أيضاً: الإرهاب يضرب تونس مرة جديدة... ما علاقة حركة النهضة؟

ويحاول المؤيدون لتعديل المرسوم 166 تبرير التأييد؛ سواء باسم حرية الإعلام، أو خلق فرص عمل أمام الشباب التونسي في سوق الإعلام، وهي ادّعاءات باطلة، تخفي الغاية الحقيقية للإخوان، وهي السيطرة على الإعلام، وتحويل تونس إلى مقرّ لقنوات التنظيم الدولي للإخوان.

وكان مراقبون أشاروا إلى وجود خلافات داخل حركة النهضة حول تعديل المرسوم 116، وربطوها بالخلافات التي تعيشها الحركة، على وقع الخلاف بين جبهة الغنوشي التي تريد تعديل الفصل 31 من القانون الأساسي لحركة النهضة، الذي يحدّد تولّي رئاسة الحركة بفترتين فقط، كي يتولّى الغنوشي الرئاسة لفترات أخرى، بعد استنفاد مدده، وتعارض جبهة الشباب تعديل الفصل 31، وطالبت بعقد مؤتمر عام للحركة.

اقرأ أيضاً: تونس: ملفات ثقيلة في انتظار المشيشي لا تستثني حركة النهضة

ويرى الباحث نجيب الفرحاني؛ أنّ ما يظهر من خلاف حول موقف كتلة النهضة البرلمانية من تعديل المرسوم 116، هو مجرد ذرّ رماد في العيون، وازدواجية خطاب تتميز بها الحركة، لكنّ القرار بيد مجلس الشورى، الذي يؤيد التعديل، وهناك بوادر انقسام تعيشه الحركة، بسبب الخلاف على بقاء الغنوشي في رئاستها".

وترشّح رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، في الانتخابات الرئاسية، التي جرت عام 2019، وتنافس حزبه على مقاعد البرلمان، وحاز على 30 مقعداً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية