تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات


13/12/2023

قرار حكومي جديد بإحداث لجنة لصياغة قانون جديد خاص بالجمعيات من حيث التمويل والتنظيم في تونس يثير النقاشات مجدّداً حول الشبهات التي تلاحق عدداً كبيراً من المنظمات والهيئات الناشطة تحت غطاء جمعياتي، لكنّها تمثل في الواقع رصيداً مهماً لتمويل الأحزاب السياسية خاصة منها ذات التوجه الإخواني، وذلك بعد فترة من انتقادات وجهها الرئيس قيس سعيّد لبعض هذه الجمعيات بالحصول على تمويلات مشبوهة والتخابر لصالح جهات أجنبية.

وقد أثارت منظمات مدنية وهيئات حقوقية عديدة طيلة الفترة الماضية مسألة تمويل الجمعيات المرتبطة بتنظيمات دينية متطرفة، مشيرةً إلى أنّ هناك جمعيات تتخذ من الحملات الخيرية والدينية غطاء لتتلقى أموالاً طائلة من جهات أجنبية.

وطيلة العشرية الماضية لعب التمويل الأجنبي للجمعيات والأحزاب دوراً في ضرب الحياة السياسية ورهنها للخارج، وهو ما أضر في النهاية بالمصالح التونسية واستقلالية القرار الوطني.

مراقبة تمويل الجمعيات

ووفق بيان لرئاسة الحكومة التونسية الثلاثاء، تم تخصيص جلسة عمل وزارية للنظر في مسائل تتعلق بالجمعيات وكيفية تمويلها، وقد تقرّر خلالها إحداث لجنة لتعمل على مشروع قانون جديد خاص بالجمعيات، مع إمكانية النظر في تنقيح قوانين أخرى متعلقة بتمويل الجمعيات وتبييض الأموال.

وأكد رئيس الحكومة التونسية بالمناسبة "على ضرورة أن يساهم القانون الجديد للجمعيات في تدعيم دور المجتمع المدني، وذلك في كنف احترام المبادئ والحقوق والضمانات المنصوص عليها في الدستور وفي إطار دولة القانون".

الرئيس قيس سعيّد

وتشير أرقام رسمية في تونس إلى أنّ النسيج الجمعياتي شهد منذ 2011 طفرة واضحة في عدد الجمعيات الذي تجاوز (24) ألف جمعية تنشط في قطاعات مختلفة، منها الاجتماعي والسياسي والحقوقي والثقافي والصحي والديني وغيرها، وأغلب هذه الهياكل يتم تمويل جزء كبير من مواردها من قبل جهات أجنبية.

وكانت السلطات القضائية التونسية قد قررت الشهر الماضي حل العشرات من الأحزاب والجمعيات بشبهة التمويل الأجنبي وفي قضايا ترتبط بالشفافية المالية ومصادر التمويل.

وعلقت السلطات القضائية نشاط (182) جمعية من بين (272) جمعية تم إخطارها، في حين أصدرت قرارات بحل (69) جمعية بسبب شبهات التمويل.

وتحدث سعيّد أكثر من مرة عن ملف التمويل الأجنبي للجمعيات، باعتباره ملفاً يهم الأمن القومي للتونسيين ويهدد استقلالية القرار الوطني.

 

طيلة العشرية الماضية لعب التمويل الأجنبي للجمعيات والأحزاب دوراً في ضرب الحياة السياسية ورهنها للخارج

 

وأكد سعيّد خلال لقاء مع وزيرة العدل ليلى جفال أنّ إحدى المنظمات تحصلت على تمويلات من الخارج بقيمة (7.615) مليون دينار (2.5 مليون دولار) من 2016 إلى 2023 باسم المجتمع المدني، مؤكداً حدوث عدد من التجاوزات في ملف الجمعيات، ممّا يهدد السيادة الوطنية.

وكان سعيّد قد شدد سابقاً على ضرورة مكافحة ظاهرة التمويل الأجنبي للجمعيات وترجمة التشريعات والقوانين المتعلقة بمراقبة الأموال المشبوهة.

أجندة تخريبية

ومنذ وصولهم إلى الحكم، سارع الإخوان إلى وضع مرسوم منظم للجمعيات من أجل تسهيل أعمالهم وتدفق الأموال إليهم؛ حيث عادوا من سجونهم ومنافيهم محملين بأجندة تخريبية مسمومة لأدلجة المجتمع وزرع بذور التطرف والإرهاب، وتحقيق ثروات طائلة.

وبتمويلات أجنبية دخلت عن طريق جمعيات متطرفة، تمكنوا من تنفيذ مخططاتهم الإجرامية على مدى أكثر من عقد، ففخخوا مفاصل الدولة التي تسللوا إليها، وعاثوا فيها فساداً، ظناً منهم أنّهم فوق المحاسبة.

 

كثيراً ما أثار الإنفاق الضخم لحركة النهضة الإخوانية، سواء في الحملات الانتخابية أو الاجتماعات بهدف اختراق الشارع واستمالته، التساؤل عن مصدر تلك الأموال

 

وكثيراً ما أثار الإنفاق الضخم لحركة النهضة الإخوانية، سواء في الحملات الانتخابية أو الاجتماعات بهدف اختراق الشارع واستمالته، التساؤل عن مصدر تلك الأموال.

ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أنّ تعديل قانون الجمعيات مسألة مهمة، خاصة في هذه المرحلة التي تعمل خلالها السلطات التونسية لتطهير البلاد من براثن الإخوان.

شبهات تمويل الإرهاب

وقد أحالت اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالبنك المركزي في آذار (مارس) من العام الماضي ملفات (36) جمعية على القضاء، بشبهة تمويل الإرهاب وفساد مالي والاستيلاء على أموال جمعية من المُسيرين.

وأكدت اللجنة أنّ قيمة الأموال المجمدة من العملات التونسية والأجنبية في شبهات غسل الأموال بلغت نصف مليار دينار (ما يعادل 170 مليون دولار)، بعضها وُجّه لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس.

وكشفت تقارير سابقة للّجنة أنّ جمعيات تنشط تحت غطاء خيري أسهمت في تمويل ونقل نحو (6) آلاف من الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في العراق وسوريا والتحاقهم بتنظيم (داعش).

هذا، وكشفت تقارير مختلفة سابقاً أنّ الكثير من الجمعيات في تونس تحولت إلى فروع خارجية وخفية للأحزاب السياسية، حيث يتعاظم نشاطها خلال الحملات الانتخابية، كما أنّ بعضها كان بمثابة المطية التي تستغلها دول أجنبية لتمرير أجنداتها الخاصة في تونس، إذ أثبتت تحريات قضائية سابقة أنّ جمعيات موالية بالخصوص لحركة النهضة الإخوانية في تونس تورطت في عمليات التسفير وإرسال الشبان إلى بؤر التوتر في العالم منذ 2011.

البرلمان على الخط

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي أوضح رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة أنّ عدداً من النواب سيقدمون في قادم الأيام مقترح قانون، بعد أن ثبت أنّ إقرار التمويل الأجنبي للجمعيات في المرسوم السابق أدى في بعض الحالات إلى تمويل الإرهاب أو الحملات الانتخابية.

وكانت دائرة المحاسبات قد كشفت عن تجاوزات وتمويلات أجنبية لعدد من الأحزاب وانتهاكات لقانون الانتخابات المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية لعدد من الأحزاب.

 

النسيج الجمعياتي شهد منذ 2011 طفرة واضحة في عدد الجمعيات الذي تجاوز (24) ألف جمعية تنشط في قطاعات مختلفة

 

وأظهرت في تقريرها المنشور في 2021 أنّ حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت منها الجمعيات، وفق المعطيات المتوفرة لديها، بلغت (68) مليون دينار (25.15 مليون دولار) عام 2017، و(78) مليون دينار (28.85 مليون دولار) عام 2018، في وقت لم تُعلم فيه (566) جمعية الحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر.

وأضافت محكمة المحاسبات في تقريرها الـ (32) الصادر مؤخراً أنّ الأرقام التي توصلت إليها أعلى من تلك التي أوردها البنك المركزي التونسي والتي تقارب (27) مليون دينار (9.99 ملايين دولار) عام 2017، و(17) مليون دينار (6.29 ملايين دولار) عام 2018، مبيّنة أنّ أرقام البنك المركزي التونسي المتعلقة بحجم التمويلات الأجنبية للجمعيات تمثل 41% من الحجم المتوقع لعام 2017، و22% من الحجم المتوقع لعام 2018.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية