على ذمة التحقيقات الجارية المتعلقة بالتورّط في تسفير تونسيين إلى بؤر التوتر خارج البلاد التونسية ولا سيّما سوريا، أصدرت النيابة العمومية التونسية أمراً بالقبض على محمد فريخة، رجل الأعمال والنائب السابق عن حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس.
وجاء قرار الاحتفاظ بالنائب السابق عن حركة النهضة في البرلمان المنحل على خلفية امتلاكه سابقاً شركة طيران، وفقاً لما أورده موقع إذاعة "موزاييك" التونسية.
ويأتي قرار اعتقال فريخة غداة اعتقال آمر سابق لمحافظة مطار تونس قرطاج الدولي لمدة (5) أيام قابلة للتمديد، وتمديد اعتقال قياديين أمنيين سابقين، فتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي، المتهمين في ملف الجهاز السرّي لحركة النهضة، على ذمة التحقيقات الجارية في قضية تتعلّق بتسفير تونسيين إلى بؤر التوتّر.
أصدرت النيابة العمومية التونسية أمراً بالقبض على محمد فريخة، رجل الأعمال والنائب السابق عن حركة النهضة
وتتعلّق القضية بشبهات التورّط في شبكات تسفير الشباب التونسيين خارج البلاد التونسية للقتال في بؤر الإرهاب، خاصّة في سوريا والعراق قبل عدّة أعوام، وذلك على خلفية الشكوى التي تقدّمت بها النائبة السابقة فاطمة المسدّي.
وفي بدايات اندلاع الأزمة السورية ترددت تقارير إخبارية عن تورط جمعيات خيرية تونسية في تسفير أكثر من (3) آلاف شاب تونسي لـ"الجهاد" ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، مقابل "أموال ضخمة" من دولة قطر لدعم أنشطتها عبر أموال تصلها نقداً داخل حقائب عبر نقاط حدودية حساسة وحيوية مثل مطار تونس/ قرطاج الدولي، وفقاً لوكالة "فرانس برس" حينها.
وبعد قرارات 25 تموز (يوليو) 2021 التي أنهت ما يُطلق عليه التونسيون "العشرية السوداء"، التي شهدت توغل حركة النهضة ومشتقاتها الإخوانية في مفاصل الدولة التونسية، تبيّن أنّ جمعية "نماء تونس" التابعة للحركة من بين تلك الجمعيات المتورطة في تسفير الشباب إلى سوريا.
وفي مطلع شباط (فبراير) الماضي، كشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في ندوة صحفية، بـ"الوثائق" تورط حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي في الاغتيالات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين وفي مقدمتهم بلعيد في عشرية الإخوان، وكشفت تورط الغنوشي ونجله، إضافة إلى آخرين، في جرائم غسيل الأموال، والقيام بتحركات مالية مشبوهة مع أطراف مرتبطة بدولة قطر لتمويل عمليات تسفير شبان تونسيين إلى سوريا للالتحاق بمعسكرات داعش، فضلاً عن الاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والتجسس على التونسيين.
وفي منتصف آذار (مارس) الماضي، أعلن لطفي حشيشة، رئيس لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي إحالة ملف (36) جمعية أهلية على القضاء بشبهة "تمويل الإرهاب وفساد مالي والاستيلاء على أموال جمعية"، من بينها جمعية "نماء تونس" الذراع الخيرية لحركة النهضة، مؤكداً رصد استقطاب بعض الجمعيات في تونس وتشجيعها للشباب من أجل السفر إلى بؤر التوتر، من خلال الملفات المحالة على اللجنة التابعة للبنك المركزي.
جاء قرار الاحتفاظ بالنائب السابق عن حركة النهضة في البرلمان المنحل على خلفية امتلاكه سابقاً شركة طيران
ويواجه الغنوشي، زعيم النهضة، نفسه اتهامات بتمويل الإرهاب عبر جمعية "نماء تونس"، التي كشف رضا الرداوي عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في مطلع شباط (فبراير)، أنّها تأسست في 2011 بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتورطت في جرائم تسفير شباب تونسيين للقتال بمناطق النزاع والحروب، وتمّ فتح أبحاث جزائية أولية، سرعان ما لاحقتها يد حركة "النهضة" الإخوانية عبر ذراعها في القضاء، وتمّ وقف التحقيق.
وفي حين تحاول النهضة وقياداتها الترويج إلى أنّ القضية سياسية، وتنفي أيّ علاقة للغنوشي بجمعية "نماء تونس"، أكد المحامي علي بن عون أنّ الصور والتدوينات واللقاءات تؤكد علاقة الغنوشي بالجمعية المتورطة في تبييض وتهريب الأموال وتمويل جمعيات وتنظيمات مرتبطة بالإرهاب داخل وخارج تونس، إلى جانب ثبوت تورط حركة النهضة في ملف الجهاز السري وثبوت تلقيه أموال أجنبية لتمويل حملته الانتخابية بموجب "عقود اللوبيينغ".
ويخضع للتحقيق في قضية تسفير الشباب لسوريا أيضاً القيادي بحركة النهضة نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية السابق، على خلفية تداول مقطع فيديو يظهر فيه الخادمي وهو يحث الشباب التونسي على "نصرة السوريين"، وذلك في خطبة جمعة ألقاها في شهر رمضان عام 2012، قبل تشكيل حكومة النهضة الأولى، في جامع الفتح، أحد أبرز جوامع العاصمة التونسية الذي سيطرت عليه النهضة والجماعات السلفية الجهادية في تونس حينها، بحسب موقع "كيوبوست".
في عامَي 2012 و2013، اتُهمت الترويكا بشكل عام وحركة النهضة بشكل خاص، التي كانت في الحكم آنذاك، بالتغاضي عن تسفير الشباب المناصر للفكر الجهادي إلى بؤر التوتر وحتى بتشجيعه؛ وقد ظلت تصريحات وخطب أتباعها، خصوصاً الأئمة المحسوبين عليها، كقرائن تؤكد ضلوعها في ملف شبكات التسفير وتسامحها مع السلفيين الجهاديين الذين مهدوا بدورهم الطريق لسفر آلاف الشباب التونسي إلى بؤر التوتر.
كما يُتَّهم الخادمي بأنّه قام بفتح المساجد أمام المتشددين لدى تولّيه وزارة الشؤون الدينية؛ حيث مكَّن السلفيين المتشددين وأنصار حركة النهضة من اقتسام السيطرة على مختلف المساجد. وكانت نتيجة هذه الخطوة انفلات المساجد وتحولها إلى وكر للمتشددين وخطبهم، وحتى لتكديس السلاح في بعض المراحل. وأمام هذه التهم لم يلقَ الخادمي تعاطفاً شعبياً تونسياً ما عدا إدارة حركة النهضة، ويذهب طيف واسع من التونسيين للمطالبة بمحاسبة كلّ مَن تسبب في تسفير الشباب للجهاد والتغرير بهم؛ سواء بالخطب والتحريض أو بالأموال أو بتسهيلات السفر.
وكانت تونس قد شهدت خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإخوانية بداية من عام 2011 حتى 2013، حالة من الانفلات؛ تحولت خلالها المساجد إلى قبلة للمتشددين الذين يقومون بتحريض الشباب على مغادرة البلاد للقتال في ليبيا وسوريا.