تهديدات هجينة وإرهاب: أزمة الساحل الأفريقي تتعمق.. هل من حلول؟

تهديدات هجينة وإرهاب: أزمة الساحل الأفريقي تتعمق.. هل من حلول؟


31/05/2022

تعاني منطقة الساحل الأفريقي تهديدات متصاعدة، تتعلق بتفشي الإرهاب وزيادة عملياته إلى مراحل غير مسبوقة، بالتزامن مع زيادة حالة الرخاوة السياسية والأمنية في البلاد، وتدهور الاقتصاد وانهيار البنية التحتية، فيما تتعالى التحذيرات من "كوارث محتملة" تواجه مواطني تلك الدول.

وفي هذا السياق، سلّطت دراسة حديثة صادرة عن مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، الضوء على إشكالية الإرهاب في أفريقيا وواقعها الراهن، وأسباب تفاقمها مؤخراً، ومآلاتها المستقبلية.

وفي دراسته المعنونة بـ"مقاربات بديلة: إشكاليات التهديدات الإرهابية والهجينة في الساحل"، يرى الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن، أستاذ العلوم السياسية، أنّ "منطقة الساحل والصحراء التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، قد شهدت على مدى العقد الماضي وجود دول هشة على شفا الانهيار، مثل مالي وبوركينا فاسو".

وبالتزامن، شهدت تلك الدول تمدداً للجماعات المسلّحة العنيفة والقابلة للتكيّف ذات الصلة بالمنظمات الإرهابية العالمية، وزيادة هائلة في أحداث العنف الطائفي المدفوعة من قبل الميليشيات العرقية، بحسب الدراسة.

 

شهدت منطقة الساحل والصحراء على مدى العقد الماضي تمدداً للجماعات المسلحة العنيفة والقابلة للتكيف ذات الصلة بالمنظمات الإرهابية العالمية، وزيادة هائلة في أحداث العنف الطائفي المدفوعة من قبل الميليشيات العرقية

 

ويتابع الباحث أنّه "على الرغم من التحديات التي لا تُعدّ ولا تُحصى، والتي تدفع إلى هذه الحالة من انعدام الأمن في بيئة جيواستراتيجية بالغة التعقيد تعاني سوء إدارة الموارد والتخلف وتغير المناخ كعوامل دافعة للصراع، على الرغم من ذلك كله فإنّ الدوائر الغربية المعنية تواصل انتهاج مقاربات عسكرية للتعامل مع هذه التهديدات الإقليمية".

وبالرغم من نهج "الأمننة" المتبع في الساحل، حيث تم نشر أكثر من (20) ألف فرد من القوات الدولية والوطنية، فإنّه يمكن القول إنّ مثل هذه التدخلات جعلت الأمور في الواقع أكثر سوءاً، وفق ما أوردته الدراسة.

تهديدات غير مسبوقة

وبحسب الدراسة "تواجه دول الساحل وغرب أفريقيا تحديات أمنية غير مسبوقة وتهديدات هجينة؛ مثل انتشار الشبكات الإجرامية وجماعات الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وتمدد الجماعات الإرهابية، وتصاعد موجات التطرف العنيف، وتفشي الأوبئة الصحية مثل الإيبولا".

يُعدّ محور التواجد الروسي والتنافس بين روسيا والغرب أحد أهم محددات الأزمة في القارة الأفريقية

وحول الخطورة التي يمثلها هذا النوع من التهديدات، يقول الباحث: إنّ مصطلح التهديدات الهجينة يُعبّر عن مفهوم شامل، بحيث يجمع العديد من الأنواع المختلفة من الأنشطة القسرية والتخريبية، التي تستخدمها الجهات الفاعلة الحكومية أو غير الحكومية لتحقيق أهداف محددة بدون إعلان حالة الحرب بصورة رسمية.

وتشمل هذه التهديدات، وفق الباحث، "التلاعب بالمعلومات والهجمات الإلكترونية (غالباً ما يتم تحديدها على أنّها أدوات شائعة للتدخل الأجنبي)، وأيضاً دعم الجهات الفاعلة العنيفة من غير الدول، واستخدام الشركات الأمنية الخاصة، واستهداف البنية التحتية الحيوية. وغالباً ما تستخدم الجهات المختلفة أدوات التدخل هذه بشكل متوازٍ، كجزء من إستراتيجية أوسع.

كما أنّها تعمل كمحفز لإجراءات أخرى، وتهدف إلى استغلال نقاط الضعف الموجودة، مع الاستفادة من الارتباك في الدولة المستهدفة، وعدم وجود تدابير مناسبة لمعالجتها، وهو ما يعكس خطورتها البالغة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية: إنّ "هشاشة الدولة وعدم الاستقرار السياسي في العديد من دول الساحل، جنباً إلى جنب مع تفاقم مسببات الصراع والعنف، كلّ ذلك يوفر بيئة خصبة للهجمات والحروب الهجينة".

محددات التأثير في الأمن الأفريقي

وأوردت الدراسة (3) تحولات كبرى أسهمت في تغيير بنية الأمن الإقليمي في منطقة الساحل، وهي: "التنافس الروسي الغربي، وتغير نمط التمويل الأوروبي بعد تأسيس مرفق السلام الأوروبي، وتحولات الظاهرة الإرهابية والحروب الهجينة".

ويُعدّ محور التواجد الروسي والتنافس بين روسيا والغرب أحد أهم محددات الأزمة في القارة الأفريقية، وبحسب الدراسة "استطاع الرئيس بوتين، ما بين عامي 2015 و2020، توقيع (19) اتفاقية تعاون عسكري مع الحكومات الأفريقية".

 

 (3) تحولات كبرى أسهمت في تغيير بنية الأمن الإقليمي في منطقة الساحل وهي: التنافس الروسي الغربي، وتغير نمط التمويل الأوروبي بعد تأسيس مرفق السلام الأوروبي، وتحولات الظاهرة الإرهابية والحروب الهجينة

 

وقد ركز التعاون الروسي الأفريقي في جزء كبير منه على مبيعات الأسلحة الروسية. والأهم من ذلك أنّ توسع نفوذ روسيا في أفريقيا تركز على استخدام شركات الأمن الخاصة لتقديم التدريب على مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب وتقديم المشورة للحكومات المحلية التي تكافح لمواجهة قضايا الإرهاب والتطرف الفكري.

وفي الأعوام الأخيرة، تمّ نشر مقاولي مجموعة فاغنر في أنحاء متفرقة من الساحل، مع التركيز بشكل أساسي على حماية النخب الحاكمة والبنى التحتية، وتذكر الدراسة على سبيل المثال جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تدعم مجموعة فاغنر حكومة الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، التي لا تكاد سلطتها تتجاوز حدود العاصمة، وذلك في مواجهة مجموعات متمردة مختلفة منذ عام 2018.

نهج خاطئ في مواجهة تهديدات محتدمة

وتشير الدراسة إلى أنّ "النهج العقيم الذي يركز على قوات الأمن على وجه الخصوص، ينطوي على مخاطر كبيرة تتمثل في زيادة توطيد قواعد سلطة النخبة الحاكمة من خلال ضخ الأموال بدلاً من تعزيز قواعد شرعية الحكم في المناطق المعرضة للخطر.

وتضيف: "لقد أفاد تقرير للبنك الدولي بأنّ زيادة تقديم المساعدات من الجهات الدولية المانحة، بما في ذلك القطاع الأمني، لم تؤدِّ إلى تعميق إحساس المواطنين بشرعية النخبة الحاكمة".

ويرى الباحث أنّ "النهج المتبع في منطقة الساحل من قبل الأطراف الفاعلة الخارجية قد يؤدي إلى تأجيج ديناميكيات الصراعات المحلية من خلال إدامة المنظور الفوقي لمعالجة الأسباب الحقيقية لانعدام الأمن في منطقة الساحل".

حمدي حسن: منطقة الساحل والصحراء شهدت على مدى العقد الماضي وجود دول هشة على شفا الانهيار، مثل مالي وبوركينا فاسو

ووفق الدراسة، يغذي الإرهاب والحرب الهجينة في منطقة الساحل، والتفاوتات الأفقية، والفقر المدقع، وتغير المناخ، تصاعد الإرهاب بشكل أكبر، وخاصة عندما يحدث ذلك في سياق ضعف الدولة. والواقع أنّ عدم قدرة الدولة على تولي وظائفها السيادية يوفر بيئة مواتية لانتشار الإرهاب.

ويتمثل الدافع الرئيسي للإرهاب في المنطقة في سهولة تداول الأفكار، وخاصة على طول محاور الضعف. ومن خلال الاستفادة من سهولة اختراق الحدود واتساع المساحة الجغرافية، قامت مجموعات إرهابية، مثل تنظيم داعش في الصحراء الكبرى ونصرة الإسلام والمسلمين وبوكو حرام، بالتمدد والانتشار في منطقة الساحل وحول حوض بحيرة تشاد، بحسب الباحث.

بالإضافة إلى ذلك، وفي سياق إضفاء الطابع الديمقراطي على التقنيات الجديدة لصالح تسارع وتيرة العولمة، وفق الدراسة، فإنّ "هذه الحركات الإرهابية يمكن أن تنشر بسهولة إيديولوجياتها وتروّج لدعايتها بقوة، ومن المفارقات أنّهم لا يفوّتون أبداً أيّ فرصة للهجوم على ظاهرة العولمة نفسها، حيث يقدمونها على أنّها الصورة الرمزية البغيضة للغرب".

 

مصطلح التهديدات الهجينة يُعبّر عن مفهوم شامل، بحيث يجمع العديد من الأنواع المختلفة من الأنشطة القسرية والتخريبية، التي تستخدمها الجهات الفاعلة لتحقيق أهداف محددة بدون إعلان حالة الحرب بصورة رسمية

 

ويخلص الباحث إلى أنّه في حين أنّ المقاربات العسكرية هي التي صاغت النموذج الحالي في مواجهة التهديدات الإرهابية والتهديدات الهجينة في منطقة الساحل الأفريقي، فقد ثبت أنّ بعض التحديات تُعدّ أكثر تعقيداً وصعوبة من غيرها.

ويتابع في خاتمة الدراسة أنّه "بالرغم من التغييرات الواضحة في بيئة الأمن الدولي، التي ابتعدت عن عصر الثنائية القطبية المستقر بفعل وجود قوتين عظميين يواجه بعضها بعضاً، طبقاً لقواعد الحرب الباردة، فإنّ العالم المتعدد الأقطاب الناشئ يواجه مزيداً من عدم الاستقرار والصراعات داخل الدول على نطاق محدود".

ويضيف: "أظهر هذا المقال أنّ مصطلح "التهديدات الهجينة" يصوغ إطاراً يشتمل على العديد من العوامل المزعزعة للاستقرار، التي تفرض العديد من التحديات على البنية الأمنية للمنطقة".

مواضيع ذات صلة:

انسحاب فرنسا من دول الساحل الأفريقي... هل يُعرض أمن المغرب العربي للخطر؟

هل تدير فرنسا ظهرها للأمن في الساحل الأفريقي؟

بعد طرد السفير الفرنسي من باماكو... ما مصير فرنسا في الساحل الأفريقي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية