بعد طرد السفير الفرنسي من باماكو... ما مصير فرنسا في الساحل الأفريقي؟

بعد طرد السفير الفرنسي من باماكو... ما مصير فرنسا في الساحل الأفريقي؟


02/02/2022

إعلان طرد السفير الفرنسي من باماكو من قِبل السلطات الانتقالية في مالي هو أحدث حلقة في سلسلة من الأحداث التي يمكن أن تطرد فرنسا بشكل نهائي من منطقة الساحل، وهي المنطقة التي لطالما كانت استراتيجية بالنسبة إلى باريس.

ووفقاً لوكالة نوفا الإيطالية، يأتي إعلان الطرد بعد أسبوع بالضبط من الانقلاب في بوركينا فاسو، وهي دولة أخرى في الساحل ظلت بعد الاستقلال في الفلك الفرنسي لفترة طويلة، لكنّها أظهرت في الأعوام الأخيرة عدم تسامح متزايد تجاه وجود باريس. يضاف إلى ذلك الانقلاب في غينيا الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي -حليف تاريخي آخر لباريس- في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، ومحاولات زعزعة الاستقرار التي حدثت في الأشهر الأخيرة في دول مثل تشاد بمقتل الرئيس إدريس ديبي على يد متمردين شماليين، فضلاً عن الانقلاب العسكري الذي تمّ إحباطه منذ عام في النيجر.

وكالة إيطالية تعتبر طرد السفير الفرنسي من بوركينا فاسو بداية نهاية الوجود الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي

وقالت الوكالة: إنّ الصورة الحالية تُظهر بوضوح فقدان فرنسا للسيطرة تدريجياً في المنطقة، لصالح القوى الناشئة مثل روسيا التي تهدف، من خلال الوجود المؤكد إلى حدّ ما للميليشيات شبه العسكرية، إلى توسيع وجودها في منطقة الساحل.

وقد اتّهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأحد الماضي مرتزقة فاغنر الروسية شبه العسكرية بـ "نهب" موارد مالي، تحت حماية الانقلاب العسكري الحاكم حالياً في البلاد، والتي "تدعمهم "بوضوح".

وبحسب لودريان، فإنّ مجموعة فاغنر "تستخدم ضعف بعض الدول لتأكيد نفسها" و"لتعزيز نفوذ روسيا في أفريقيا"، على الرغم من عدم استبدال الوجود الأوروبي في منطقة الساحل.

إلى ذلك، أصبحت العلاقات الفرنسية مع المجلس العسكري المالي معقدة، على وجه الخصوص بعد قرار باريس بتقليص أعداد مهمّة برخان المناهضة للجهاديين في دول الساحل، والتي تقلصت بحلول عام 2023 من أكثر من (5) آلاف رجل، إلى حوالي (2500).

سيطرة فرنسا في الساحل الأفريقي تخبو تدريجياً، وروسيا تظهر كـ"لاعب" جديد في المنطقة

ويبدو أنّ القاسم المشترك بين الانقلابات العسكرية في مالي وغينيا وبوركينا فاسو هو قربها من جهة فاعلة تتواجد الآن بشكل متزايد في أفريقيا، وهي روسيا التي تُعتبر اللاعب الناشئ الحقيقي في منطقة الساحل.

علاوة على ذلك، فإنّ نفوذ موسكو قد ترسخ بالفعل على نطاق واسع في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يوجد مئات من الجنود الروس، وقد أرسلت حكومة بانغي في الأشهر الأخيرة إخطاراً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحدد فيه نيتها توفير (600) مدرّب روسي إضافي لقوات الدفاع والأمن لجمهورية أفريقيا الوسطى: (200) من القوات المسلحة لأفريقيا الوسطى، و(200) من الدرك الوطني، و(200) من الشرطة، بالإضافة إلى (535) مدرباً روسيّاً موجودين بالفعل رسمياً في أفريقيا الوسطى، على الرغم من أنّ عدّة مصادر أمنية تدّعي أنّ عدد المدربين الروس الموجودين في بانغي هو في الواقع أعلى من ذلك بكثير، بين (800) و(2000).

ويثير عدم الاستقرار القوي في دول الساحل قلقاً خطيراً في فرنسا، الدولة التي تعتمد صناعتها النووية ـ (58) مفاعلاً نووياً ـ إلى حدٍّ كبير على إمدادات اليورانيوم من (3) مناجم تقع في النيجر ومالي.

ولدى فرنسا أيضاً عدة آلاف من الأفراد العسكريين الموجودين في المنطقة، بالإضافة إلى عملية برخان، تعمل فرقة العمل متعددة الأطراف تاكوبا منذ بضعة أشهر، والتي توفر أيضاً استخدام حوالي (200) جندي إيطالي. وقد طلبت منذ فترة طويلة إرسال كتيبة إيطالية إلى النيجر، حيث يوجد حوالي (300) من جنودها في العاصمة نيامي، ومع ذلك يبدو أنّ باريس لم تعد قادرة على السيطرة على الوضع.

ولعلّ اتفاقيات التعاون العسكري والتسليح توضح أكثر الوجود الروسي في منطقة الساحل والدول الأفريقية الأخرى، فمن الناحية النظرية الأهداف الروسية والفرنسية في هذا الجزء من أفريقيا متشابهة: كلا البلدين يعلنان دعمهما للسلطات المحلية، ومكافحة الإرهاب، والتعاون الإنمائي، إلّا أنّ العرض الروسي يمكن أن يكون أكثر جاذبية للحكومات الأفريقية؛ لأنّ موسكو أكثر تركيزاً على الاستقرار ووحدة السلطة أكثر من المصالحة بين الأعراق، في حين أنّ النهج الفرنسي يشجّع على الديمقراطية، والانتخابات النزيهة، والتوافق.

علاوة على ذلك، غالباً ما يُنظر إلى فرنسا، على عكس روسيا، على أنّها قوة قمعية، خاصّة من قبل شعوب مالي، كما حدث في الاحتجاجات المتكررة في الأسابيع الأخيرة في باماكو، وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، بسبب الذاكرة الجماعية عن الماضي الاستعماري الفرنسي، يُضاف إلى ذلك أنّ القوات الفرنسية في منطقة الساحل غالباً ما يتّهمها السكان المحليون بعدم الفعالية، وتفضيل القوات الوحدوية ، كما في حالة الطوارق في شمال مالي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية