هل تدير فرنسا ظهرها للأمن في الساحل الأفريقي؟

هل تدير فرنسا ظهرها للأمن في الساحل الأفريقي؟


كاتب ومترجم جزائري
07/03/2022

ترجمة: مدني قصري

بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي للتوّ، رسمياً، انسحاب القوّات المشاركة في عملية بركان، في غضون أربعة إلى ستة أشهر،  أصبح الوجود السياسي والعسكري لفرنسا في مالي، وعلى نطاق أوسع في منطقة الساحل، يثير الكثير من التساؤلات.

إعلان الانسحاب النهائي للقوات الفرنسية من مالي من قبل الرئيس ماكرون، في 17  شباط (فبراير)، ليس من قبيل الصدفة؛ ففي 31  كانون الثاني (يناير)، طالبت الحكومة المالية المؤقتة برحيل السفير الفرنسي، وهو قرار يعبّر بشكل عام عن الشعورِ برفض الوجود العسكري الفرنسي الذي ما انفكّ يتجلى عند جزء من الرأي العام المالي.

اقرأ أيضاً: الإسلام في غرب أفريقيا... قصة الانتقال من الازدهار الحضاري إلى الجماعات المتطرفة

فإذا لم تنفصل فرنسا تماماً عن هذا البلد، منذ استقلاله عام 1958، فقد مهدّت عودتُها منذ عام 2013 بعد عملية سيرفال لظهور جدلية جديدة.

في أعقاب  تدخله، عام 2013، لقي الوجود العسكري الفرنسي استقبالا جيداً، وذلك ببساطة لأنّ عملية سيرفال استجابت لهدف سياسي عسكري واضح وقوي، وهو صدّ تقدّم التحالف الذي ضمّ مقاتلين من الحركة الوطنية لتحرير أزواد ومقاتلين إسلاميين مسلحين (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وأنصار الدين).

في أعقاب  تدخله، عام 2013، لقي الوجود العسكري الفرنسي استقبالا جيداً

العملية التي جرت في غضون أسابيع قليلة سرعان ما حققت هدفها بالكامل، كانت المدّة القصيرة نسبياً لهذه العملية حاسمة: بالنسبة لشعب مالي كانت فرنسا تساهم في استعادة السلام والأمن في البلاد.

في مالي يظلّ الحلّ السياسي هو الحل الحقيقي قبل كلّ شيء، طالما أنّ الأزمة الانتقالية لم تتم تسويتُها بشكل دائم؛ فإنّ أسباب انعدام الأمن ستستمرّ لا محالة

لا بدّ، فضلاً عن ذلك، من مراعاة المُحاوِر المالي لفرنسا في ذلك الوقت؛ في كانون الثاني (يناير) 2013 كانت السلطة التنفيذية في حالة عدم استقرار كاملة: لقد تمّ تعيين ديونكوندا تراوري رئيساً مؤقتاً، بعد انقلاب آذار (مارس) 2013 الذي أطاح بأمادو توماني توري.

اقرأ أيضاً: هكذا تهدد الجماعات الجهادية الاستقرار في أفريقيا

المرشّح المفضل للانتخابات المقبلة هو إبراهيم بوبكر كيتا (IBK)؛ هذا الأخير مقرّب من فرنسا وهو يعوّل أيضاً على النصر العسكري الفرنسي لاستعادة دولة القانون والوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات.

أسيمي غويتا "رجل مالي القوي" الجديد

حدث ذلك في 4 أيلول (سبتمبر) 2013، بعد أن حقّقت عملية سيرفال بالفعل أهدافها الرئيسة، ارتقى  إلى أعلى مسؤوليات الدولة المالية، وهو المنصب الذي بالكاد كان من الممكن أن يحقّقه من دون الجهود العسكرية الفرنسية؛ فقد أقرّ هو نفسه بعد ذلك، بعد بضع سنوات، خلال القمّة الأفريقية الفرنسية لعام 2017، حيث أشاد بقوّة بالدور الحاسم الذي لعبه الرئيس هولاند.

كانت الفترة 2013-2018 أكثر ملاءمة لفرنسا.

لقد غيّر انقلاب 18 آب (أغسطس) 2020 هذا التوازن تماماً؛ استولى أسيمي غويتا على رأس البلاد، وهكذا أنشأ هذا المنتَج الخالص للجيش المالي اللجنةَ الوطنية لإنقاذ الشعب (CNSP)، وسرعان ما أظهر موقفاً أكثر بعداً أو حتى عدائياً تجاه الوجود الفرنسي في مالي.

المرشّح المفضل للانتخابات المقبلة هو إبراهيم بوبكر كيتا

تؤكد عودته إلى السلطة من خلال انقلابٍ ثانٍ، في أيار (مايو) 2021؛ أنّه ما يزال "رجل مالي القوي" الجديد، وهو الموقف الذي عزّزه تعيينه بعد ذلك رئيساً مؤقتاً للمرحلة الانتقالية.

النقطة الإشكالية، والتي أثارت بالتأكيد انتقادات من فرنسا هي أنّ غويتا يرغب في تمديد هذه الفترة لمدة خمس سنوات بينما رفضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO) هذا الاقتراح.

في السياق نفسه، مع الانتقال من عملية سيرفال إلى عملية بركان انتقلت فرنسا تدريجياً من وضع القوة المحرّرة إلى حالة القوّة المحتلة في نظر جزء من الرأي العام المالي.

 

اقرأ أيضاً: خطر الإرهاب يتعاظم في أفريقيا... ماذا ينتظر القارة السمراء في 2022؟

يمكن فهمُ هذه الوضعية في ضوء أهداف عملية بركان الأوسع نطاقاً والأكثر غموضاً في آن: ضمان أمن جميع دول غرب الساحل، جنباً إلى جنب مع الجيوش الإقليمية الهشّة في إطار "G5" (منظمة حكومية دولية تأسست في 2014 وتضمّ مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا وتعمل على تعزيز سياسات الأمن والتنمية المتكاملة داخل أراضي الدول الأعضاء) وبولايات مختلفة للغاية.

بالتالي؛ فإنّ تدهور صورة فرنسا في مالي هو أيضاً نتيجة لصعوبة تحقيق انتصارات سياسية في منطقة الساحل، وذلك ببساطة لأنّ الأهداف مغالىً فيها. 

كان من الممكن أن يعطي الإعلانُ عن انسحاب جزء من القوات العسكرية الفرنسية خلال العام الماضي الانطباع بأنّ فرنسا تتحرر من تعهّداتها (وهو ما لم تفعله بالكامل)، وأنّ الوقت قد حان للتوجّه تحو شركاء آخرين.

تدهور صورة فرنسا في مالي هو أيضاً نتيجة لصعوبة تحقيق انتصارات سياسية في منطقة الساحل

هنا إشارة على وجه الخصوص إلى الروابط التي تربط بين السلطة المالية وشركة واغنر "Wagner" العسكرية الروسية الخاصة التي يتواجد أفرادها في المنطقة.

أثار هذا الوجود المُؤكد والذي  تظلّ معالمه التشغيلية غامضة نوعاً ما غضبَ باريس التي أشارت إلى وجود خطر على عملية الانتقال الأمني ​​المستدام في مالي.

في هذا الشأن ندّد بيانٌ صحفي صادر عن السفارة الفرنسية (وقّعت عليه عدة دول أخرى)، في 23 كانون الأوّل (ديسمبر)، رسمياً باستخدام المرتزقة.

 

اقرأ أيضاً: الوحدة 400 .. ذراع إيران الإرهابية في أفريقيا

بالنسبة إلى فرنسا لا تتمتع هذه المجموعة العسكرية بالشرعية، وهي تهدّد الوضع في مالي، وأشار البيان الصحفي ليس فقط إلى أنّ بعض أعضاء هذه المجموعة يخضعون للمحاكمة من قبل الاتحاد الأوروبي (EU) لارتكابهم أفعال انتهاك جسيمة لحقوق الإنسان، لكن أيضاً أنّ الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد حذرت من خطر استخدام مثل هذه الشركة، من أجل مستقبل مالي.

لكن بالنسبة إلى السلطة المالية فقد تجاوز التحذير حدوده، ولم يعد "الدرس" الفرنسي مقبولاً.

فرنسا في مالي: وجود عسكري افتراضي

بعد سيرفال تمكّنت فرنسا من إنشاء قواعد إستراتيجية وسط وشمال البلاد (غاو، كيدال، تمبكتو ، إلخ)، ومع بركان تم التأكيد على استقرار الوجود الفرنسي، في حين رافقت برامجُ مساعدات التنمية هذا الصعود في النفوذ الفرنسي.

على الجانب المدني كان المانحون الفرنسيون والمنظمات غير الحكومية حاضرين للغاية؛ إذ تنفّذ وكالة التنمية الفرنسية (AFD) وحدها أكثر من 80 مشروعاً في مالي بمئات الملايين من اليوروهات سنوياً.

 

اقرأ أيضاً: ضحايا الإرهاب في أفريقيا لا بواكي لهم في إعلام الغرب.. لماذا هذا التحيز؟

مع الإعلان عن تخفيض الجهاز سحبت فرنسا أفرادها من تيساليت وكيدال وتمبكتو، كانت الفكرة من هذا الإجراء هي تقليص هذا الوجود إلى النصف بحلول عام 2023 مع السعي للحصول على دعم من دول أخرى، لا سيما الدول الأوروبية، كجزء من عملية تاكوبا "Takuba".

وعلى نطاق أوسع في منطقة الساحل، ما تزال فرنسا القوّة العسكرية المهيمنة بسبب الافتقار إلى وجود أفريقي أو خارجي موثوق، لا سيما أنها تسيطر على نقاط الدعم اللوجيستي الضرورية لمثل هذه العمليات: قاعدة نيامي الجوية، القاعدة الجوية البرية في نجامينا وقاعدة جاو.

سحبت فرنسا أفرادها من تيساليت وكيدال وتمبكتو

وإلى أن يثبت العكس، فليس مرتزقة مجموعة فاجنر هم الذين يمتلكون مثل هذه البُنَى التحتية الأساسية لإجراء العمليات في العمق في داخل مسرح الساحل.

ما تزال القوات العسكرية الفرنسية منخرطة بشدّة في العمليات المسلحة مع القيام بمئات التدخلات سنوياً والقضاء المنتظم على المقاتلين الموصوفين كإرهابيين.

المشكلة المستعصية هي أنّ هذه التدخلات لا يمكن أن تضع حداً معقولاً لانعدام الأمن في مالي وعلى نطاق أوسع في منطقة الساحل.

تعدّ فرنسا اليوم ضحيّة للمتلازمة الكلاسيكية لحروب مكافحة التمرّد: فكلما تم تخصيص المزيد من الموارد ازداد تطوّرُ التهديد.

اقرأ أيضاً: تشييع أفريقيا.. التغلغل الناعم للولي الفقيه

في مالي يظلّ الحلّ السياسي هو الحل الحقيقي قبل كلّ شيء، طالما أنّ الأزمة الانتقالية لم تتم تسويتُها بشكل دائم؛ فإنّ أسباب انعدام الأمن ستستمرّ لا محالة، لأنّ المشكلة تقع ضمن سيادة الدولة وقدرتها على ضمان سلطاتها السيادية في جميع أنحاء الإقليم. بالتالي؛ فإنّ الحرب أحادية الجانب على الإرهاب ليست هدفاً سياسياً قابلاً للتطبيق على المدى الطويل بالنسبة لقوّة خارجية مثل فرنسا.

يسمح الانتقال من سيرفال إلى بركان اليوم برؤية تطوّر استخدام القوة المسلحة من قِبل الدول الغربية في القرن الحادي والعشرين.

تجد القوى العسكرية التقليدية، مثل فرنسا، نقطة قوّتها في عمليات قصيرة عالية الكثافة ذات أهداف عسكرية دقيقة.

كلما استقرت هذه القوى لفترة أطول في نزاع يمزج بين قضايا متنوّعة مثل الإرهاب والتخلف، أو حتى المشاكل السياسية الداخلية للدول (كما هو الحال حالياً في مالي) كلما انخفض ​​تأثيرها العَمَلِيّاتي على المستوى السياسي، حتى لو كان هذا التأثير حقيقياً من الناحية التكتيكية.

تكلفة إضافية 880 بمليون يورو

ومع ذلك، تظلّ فرنسا في الوقت الحالي جهة فاعلة مهمة في أمن مالي وعلى نطاق أوسع في منطقة الساحل؛ إذ تجعلها وسائلها وخبرتها في القتال وانضباطُ جنودها أقل الحلول سوءاً.

لكن من البديهي أنّ هذا الحل لا يمكن أن يستمر؛ فلا يمكن أن يستمر في المقام الأول بالنسبة إلى فرنسا نفسها: في عام 2020 مثلت عملية بركان تكلفة إضافية قدرها 880 مليون يورو على الميزانية السنوية للجيوش البالغة 37,5  مليار يورو.

كما أنّ معدّل تجديد فترة خدمة الجنود جد مكثف ويتضمن دائماً توسيع نطاق التماس تمديد خدمتهم بعض الوقت، وأحياناً على حساب راحتهم وتدريبهم وعودتهم إلى فرنسا.

علاوة على ذلك، ليس الحلّ مستداماً بالنسبة لدول الساحل نفسها، بدءاً من مالي؛ لأنّ ضمان أمنها من قبل قوّة أجنبية لا يساعد على تحقيق التطور السياسي لأيّة دولة.

يعاني الجيش المالي اليوم من نقصٍ في التجهيز والتدريب على الرغم من تدفّق الملايين من قبل المجتمع الدولي.

اقرأ أيضاً: كيف حوّل الإرهاب في أفريقيا جائحة كورونا إلى مدد إلهي؟

لكنّ المشكلة تأتي على وجه التحديد من كون أنّ تمويل هذا الجيش بشكل مستدام لم يعد يقع اليوم على عاتق المجتمع الدولي، مثل دول أخرى في منطقة الساحل.

يتعيّن على الدول الأفريقية أن تبتكر وتقدّم حلولًا جديدة لتجميع وتفعيل فعالية الموارد العسكرية التي غالباً ما تكون تكلفتها باهظة الثمن؛ فهذه فرصة، على سبيل المثال، لإعادة تشكيل مجموعة الدول الخمس في مجتمعٍ أمنيٍّ أفريقي خالص ودائم يتمتع باستقلال إستراتيجي كامل في تحديد أهدافه السياسية والعسكرية.

التفكير في انسحاب فرنسا يضع من جديد وضْع دولِ الساحل، مثل مالي، لكن أيضاً بوركينا فاسو والنيجر وتشاد في قلب المشكلة إزاء قدرتها على الالتزام الجاد بإدارة أمنها الإقليمي.

على هذا النحو يصبح دور الجيوش الأفريقية أمراً حاسماً في وقت يتم فيه الإشارة إلى مشاكلها المتعددة في كثير من الأحيان (الفساد، انتهاك حقوق الإنسان، نقص المعدات، نقص الدفع، ...إلخ). يساهم هذا الاتجاه في تشويه سمعة أجهزة الدفاع والأمن الأفريقية في تعزيز فكرة إيجاد وصاية وتبعيّة خارجية.

تستند أسباب هذا التشاؤم جزئياً إلى ملاحظات موضوعية: منذ الاستقلال الأفريقي وتشكيل الجيوش الوطنية هناك أمثلة كثيرة عن فشل الممارسات العسكرية؛ حيث نجد ممارسات النهب والانتهاكات والاغتصاب والفدية التي تحدث بانتظام في داخل القوات العسكرية الأفريقية.

يُعدّ الجيش المتسبِّبُ في  عدم الاستقرار السياسي والإطاحة بالسلطة جهةً فاعلة مخيفة ومرفوضة، لكنّه أيضاً مندمج تماماً في تاريخ الأنظمة السياسية الأفريقية المعاصرة.

حول الدور الفعال للجيش

غالباً ما يؤدي هذا الوضع المتناقض إلى حدوث بعض الارتباك في تصوّر الدور الفعال للجيش في إدارة الأمن في منطقة الساحل ويوحي بفكرة أنّ دول المنطقة ليست جهات فاعلة ذات سيادة حقيقية للأمن في منطقة الساحل التي من المفترض أن تحكمها وتديرها.

لكنّ التركيز بانتظام على هذا الحدّ لا يُسهّل انتقال دول الساحل نحو تطوير سياسات دفاعية وأمنية موثوقة على المستوى الإقليمي.

مالي وجيشها مثالٌ على هذا النوع من التمثيل السلبي؛ يمثل رحيل فرنسا فرصة جادة لمراجعة جميع الأدوات المتاحة على مستوى الدول الأفريقية، بدءاً من تلك التي طورتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

نشهد تغييراً واسعاً في التوازن السياسي لمنطقة الساحل. كلّ الرهان يتمثل في ما إذا كانت الأنظمة الانتقالية هذه ستكون قادرة على تقديم تطلعات سياسية جديدة لمختلف الشعوب

من المعلوم أنّ هذه الأخيرة فرضت عقوبات على الدولة المالية، حظر وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا (BECEAO)، وعقوبات دبلوماسية، الأمر الذي أثار غضب أسيمي غويتا.

لكن، في الوقت نفسه، يُعدّ إثبات هذا الحزم مشجعاً من قبل مؤسسة تُنتقَد بانتظام بسبب تقاعسها عن العمل، تلعب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO) دورَها هنا كمنظمة إقليمية.

فهي تتّخذ وتفرض تدابير مطابقة لمنهاجها ومن دون الحاجة إلى المرور عبر مؤسسات أو جهات خارجية، حتى لو بدت هذه الإجراءات لصالح عودة شعبية غويتا بين سكان مالي فإنّها تشهد على تطور سياسة المنظَّمة.

يجب توضيح الأزمة المالية الحالية في ضوء الأزمات السياسية والأمنية العميقة التي تعاني منها العديد من دول الساحل والتي تنبئُ بتحوّلٍ حقيقي في التوازن الإقليمي.

على هذا النحو شهد الوضع في العديد من دول الساحل، فيما وراء حالة مالي تحولات مهمة يبدو أنه يتميّز بتحوّلات سياسية دقيقة، تديرها طُغم عسكرية. في الأشهر الثمانية عشر الماضية حدثت سبعة انقلابات أو محاولات انقلاب، فشل منها اثنان (غينيا بيساو والنيجر)، لكن نجحت خمسة (بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان وتشاد)، حتى لو كان الأمر بالنسبة لتشاد يتعلق بانتقال عسكري.

تغيير التوازن السياسي في منطقة الساحل

في تشاد (التي ما تزال دولة رئيسة في النظام العسكري الفرنسي في أفريقيا) اختفى الرئيس إدريس ديبي، في نيسان (أبريل) 2021، خلال اشتباك مسلح مع مقاتلين من الجبهة من أجل التناوب والوفاق في تشاد (FACT).

يتولى اليوم نجله محمد إدريس ديبي وهو على رأس المجلس العسكري الانتقالي (CMT). تم إقرار هذه المرحلة الانتقالية على مدى ثمانية عشر شهراً.

تم الإعلان عن حوار وطني شامل لدمج القوى السياسية المختلفة في البلاد، ليوم 15 شباط (فبراير)، لكن تمّ تأجيله للتوّ إلى 15 أيار ( مايو).

في هذا السياق من المتوقع أن يفتح المجلس العسكري الانتقالي حواراً مع القوات المتمردة التابعة لحركة الجبهة من أجل التناوب والوفاق في تشاد (FACT) في قطر، لكن لم يتم تأكيد أيّ شيء في الوقت الحالي؛ لذلك ما يزال البلد في وضع حرج للغاية، ويتعرض لخطر هجمات محتملة من قبل المتمردين إذا لم يتم العثور على حلّ.

في بوركينا فاسو قام جنود بقيادة المقدّم بول هنري سانداوغو داميبا على السلطة، في 23 كانون الثاني (يناير)، بإطاحة الرئيس روش مارك كريستيان كابوري، الذي قدّم استقالته.

في السودان، أطاح الجيش أيضاً بالمجلس الانتقالي، الذي تم تشكيله عام 2019، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، في 25 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021، وتعيش البلاد اليوم تحت الحصار دون ظهور أيّ حلّ دائم.

في غينيا أطيح بالرئيس ألفا كوندي، الرجل المؤثر بشكل خاص في الهيئات الأفريقية، هنا ايضاً من قِبل الجيش، في 5 أيلول (سبتمبر) 2021.

يمكننا أن نضيف إلى هذا الوضع غير المستقر على الخصوص إثيوبيا (يجب عدم نسيان منطقة الساحل الشرقي، كما يحدث في كثير من الأحيان)؛ فالسلطة المركزية هناك تواجه تمرّداً في مقاطعة تيغراي الشمالية؛ إذ يشكّل المقاتلون المتمرّدون في جبهة تحرير تيغراي، المنظَّمون بشكل جيد، تهديداً خطيراً على السلطة المركزية، وقد أحرزوا تقدّماً في منطقتي أمهرة وعفر، وهكذا فهُمْ يقتربون من أديس أبابا.

اقرأ أيضاً: من تركيا إلى روسيا... دول تطمع بنفوذ باريس في أفريقيا

لذلك يمكننا القول بشكل عقلاني إنّنا نشهد تغييراً واسعاً في التوازن السياسي لمنطقة الساحل.

كلّ الرهان الآن يتمثل في معرفة ما إذا كانت الأنظمة الانتقالية هذه ستكون قادرة على تقديم تطلعات سياسية جديدة لمختلف الشعوب.

فإذا كانت عمليات الإطاحة بالحكومات ناتجة بشكل منتظم من قبل الجيش، في معظم هذه الدول فإنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ هذه التحوّلات مدانة إدانةً ديمقراطية؛ ففي كثير من الأحيان يمثل الجيش في أفريقيا أداة سياسية تتدخل في شؤون الدول.

في المقابل، ربما نتوقّع حلولاً من المؤسسات القارية وفي المقام الأول من الاتحاد الأفريقي، بالتالي؛ فإنّ التحدي الحقيقي الذي يواجه دول المنطقة في المستقبل هو الاستفادة من هذه الفترة من التحوّل الكبير لإجراء تغييرات رئيسة في استكمال عمليات الانتقال السياسي للدول التي تعاني من التوتر وفي الوقت نفسه في في القدرة على تخطيط سياسات تعاون إقليمي مستقلة ومتكيّفة مع التحديات المجتمعية والأمنية التي تحرّك سكان مختلف بلدان الساحل.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.middleeasteye.net/fr

https://www.middleeasteye.net/fr/opinion-fr/france-sahel-mali-barkhane-serval-goita-tchad-transformations-geopolitique-armees




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية