تسليم أم تجميد... أي مصير ينتظر "الإخوان" في تركيا؟

تسليم أم تجميد... أي مصير ينتظر "الإخوان" في تركيا؟

تسليم أم تجميد... أي مصير ينتظر "الإخوان" في تركيا؟


24/02/2024

إبراهيم مصطفى

لم تكد تمر بضعة أيام على زيارة وصفت بالتاريخية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، حتى أعلنت وسائل إعلام تركية وعربية سحب الجنسية التركية من القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمود حسين، وهو ما فسره مراقبون بأنه مؤشر إلى "الصفحة الجديدة" في علاقات القاهرة وأنقرة، بعد عقد من القطيعة على خلفية موقفيهما المتناقض من الجماعة المصنفة إرهابية في مصر.

القرار الذي كشفت عنه أولاً حسابات على مواقع التواصل لمقربين من الجماعة، أوضح أن حسين كان من بين نحو 50 آخرين من عناصر الصف الأول لقيادات الإخوان المصريين والسوريين، سحبت جنسياتهم التي حصلوا عليها من طريق قانون التجنس والاستثمار.

وينص قانون التجنس والاستثمار التركي على منح الجنسية لمن يشتري عقاراً لا يقل ثمنه عن 400 ألف دولار، أو يودع مبالغ في البنوك التركية، شرط عدم التصرف بالعقارات أو الودائع قبل ثلاث سنوات، وفي حالة بيع العقار لا يباع إلا لمواطن تركي. لكن، القيادات الإخوانية التي قررت الحكومة التركية سحب الجنسية منهم، اتضح أنهم "خرقوا القانون عبر التلاعب في شروط التجنس".

وأوضحت تقارير إعلامية أن القائم بأعمال المرشد باع العقار الذي حصل بموجبه على الجنسية إلى مواطن أجنبي، بالمخالفة للقانون، وحصل هذا الأجنبي على الجنسية بتقديم أوراق ذات العقار، الذي كان مسجلاً باسم حسين، مما أثار الشكوك في شأن تشكيل قيادات الجماعة تنظيماً للتلاعب بقانون الجنسية.

ومنذ الانتخابات الرئاسية التركية في مايو (أيار) 2023، تزايدت مطالب المعارضة بالتدقيق في حالات المجنسين حديثاً، إذ تتهم الأحزاب المعارضة نظام أردوغان باستخدام "ورقة التجنيس"، لكسب أصوات انتخابية، وهو ما دفع الحكومة إلى إجراء تحقيقات في وقائع منح الجنسية.

ترحيب وتفاؤل

لاقى القرار التركي ترحيباً في الأوساط الإعلامية المصرية، واعتبروه تأكيداً على رفع أردوغان يده عن الإخوان، إذ كتب الإعلامي أحمد موسى على موقع "إكس": "أعلنت تركيا أنها سحبت الجنسية من الإرهابي محمود حسين القيادي (...) والقادم خير كثير ضد عملاء الإخوان سيتم ملاحقتهم وسحقهم أينما كانوا. أبشروا"، فيما اعتبر الإعلامي نشأت الديهي سحب الجنسية من حسين أنها "قرارات تستحق الشكر"، مضيفاً في برنامجه "ليس لدينا أي مشكلة مع أنقرة طالما رفعت يدها عن الإخوان".

لكن، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي رأى أن هناك نبرة "مفرطة في التفاؤل" إزاء القرار التركي. مستبعداً وجود علاقة بين زيارة أردوغان القاهرة، وإعلان سحب الجنسية من القائم بأعمال مرشد الإخوان، أو اعتبارها "بادرة لتقارب العلاقات المصرية - التركية"، موضحاً أن السلطات التركية تعمل على ملف "الجنسيات الاستثنائية منذ الانتخابات الرئاسية العام الماضي".

ويوضح فرغلي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "تركيا إذا أرادت أن تتقارب مع مصر في ملف الإخوان كان من الأولى أن تسحب الجنسية من عناصر تنظيم (حسم) الإرهابي"، المتورطون في اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات عام 2015، بدلاً من محمود حسين، الذي وصفه بـ"العجوز وغير المؤثر".

اجتماع إخواني

ويرى فرغلي أنه من غير المعقول التحدث عن حصار "الإخوان" في تركيا، مدللاً بقوله إن اجتماعات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عقدت قبل ثلاثة أسابيع في إسطنبول بحضور 120 قيادياً إخوانياً بزعامة قائد التنظيم في أوروبا عبدالله بن منصور، وكذلك صلاح عبدالحق وحلمي الجزار القياديان البارزان للجماعة "لا يزالان في تركيا".

وعلى رغم الاعتراف بأن تركيا خففت الهجوم الإعلامي على مصر في العامين الأخيرين، فإن فرغلي يرى أن ذلك لا يعدو كونه "محاولة لضبط العملية الإعلامية داخل تركيا، وتخفيف العداوة مع القاهرة من دون التخلي عن الإخوان"، مشيراً إلى أن القنوات الإخوانية وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة لها تبث من هناك أيضاً. ومشيراً إلى أن حزب العدالة والتنمية المهيمن على السلطة في تركيا "يعد أحد تجليات جماعة الإخوان المسلمين"، بحسب تعبيره. مرجعاً زيارة أردوغان لمصر إلى "حاجة الدولتين لبعضهما سياسياً واقتصادياً مع تجاوز فكرة تسليم رجال الجماعة لمصر".

تغير النهج

وكان النهج التركي تجاه "الإخوان" قد تحول تزامناً مع بدء التقارب مع مصر، ففي مارس (آذار) 2021، ألزمت السلطات التركية القنوات التلفزيونية التابعة للجماعة التي تبث من إسطنبول، بالتزام ميثاق شرف إعلامي، وتجنب الشأن السياسي، والتطاول على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والتخلي عن أسلوب التحريض والإساءة إلى الدولة المصرية.

وطالت تلك التوجيهات القنوات التي تعتبر ناطقة بلسان "الإخوان"، مما جعلها تغير خريطة برامجها، وألغت بث بعض البرامج السياسية. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2021، غادر الإعلامي المصري معتز مطر إلى لندن، بعد وقف برنامجه على إحدى المحطات، الذي اتخذه منصة للهجوم على مصر. وفي مايو (أيار) 2022، تبع المذيع محمد ناصر نهج مطر بالرحيل عن تركيا، إثر إغلاق محطة أخرى عمل بها بطلب من السلطات التركية، وتلاه مذيعون آخرون مثل حمزة زوبع وهشام عبدالله وحسام الغمري، وهيثم أبوخليل.

وفي يوليو (تموز) 2023، وبعد الإعلان رسمياً عن رفع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء بين مصر وتركيا، فرضت أنقرة قيوداً على أنشطة "الإخوان"، وشنت مداهمات على عناصر الجماعة المقيمين في تركيا، واحتجزت كل من لا يحمل هوية أو إقامة.

لا تسليم لمصر

يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب أن تركيا "ستفعل كل ما ستطلبه مصر منها في ملف جماعة الإخوان، لكن من دون الموافقة على تسليم عناصرها لمحاكمتهم"، موضحاً أن تركيا طلبت من الموجودين على أرضها "عدم انتقاد الحكومة المصرية، وتقليل حدة الهجوم عليها، ومن يعارض ذلك ستتخذ إجراءات قانونية ضده، من أجل الحفاظ على الأمن القومي التركي، وحفظ أي مسعى للتقارب مع مصر الذي قطعت علاقتها معها قرابة الـ10 سنوات".

وأكد أديب، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن تركيا أدركت أن وجود جماعة الإخوان على أرضها "يحد من تعاونها مع مصر"، وإذا أرادت عودة العلاقات معها عليها أن ترفع ما سماه "الغطاء" عن "الإخوان"، ولعل آخرها سحب الجنسية التركية من القائم بأعمال المرشد، مشيراً إلى أنه قد يكون إجراء جاء في سياق قانوني، لكنه له دلالة على بداية تفهم أردوغان أهمية التخلي قليلاً عن عناصر الجماعة المصنفة إرهابياً في مصر بحكم قضائي.

ويعتبر أديب أن تسليم المتهمين الإخوان لمصر هي الخطوة التي "لن تقدم عليها أنقرة أبداً"، مشيراً إلى أن فكر أردوغان يتقارب مع الإخوان المسلمين فهو تلميذ لنجم الدين أربكان الذي كان يمثل جماعة الإخوان المسلمين في تركيا سابقاً، كما أن الدولة قائمة على فكرة الخلافة الإسلامية التي تتقارب كلياً مع أفكار الجماعة، مما يعني أن رئيس الدولة خرج من حضن حركة إخوانية من الأساس "فلن يتخلى أبداً عن أي عضو أو قيادي منتم إليها"، مشيراً إلى أن تركيا "تأوي الجماعات الإسلامية على أراضيها لما تنتجه لها من زخم دولي".

"ورقة محروقة"

رفع الغطاء التركي عن جماعة الإخوان يسبق زيارة أردوغان للقاهرة وسحب الجنسية من محمود حسين، بحسب الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، بشير عبدالفتاح، الذي أكد أن تركيا أدركت أن الإخوان باتوا "ورقة محروقة غير مربحة"، معتبراً أن أنقرة اتخذت النهج الأوروبي في التعامل مع الجماعة بتجميد أنشطتها، وتصنيف بعضهم إرهابيين، كما أن الجماعة أصبحت أضعف بعد الانقسامات والتصدعات وخلافات القيادة وضعف شعبيتهم.

وتوقع عبدالفتاح، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن يستمر النهج التركي تجاه "الإخوان" بسحب الجنسية من عناصر الجماعة والتضييق عليهم، معتبراً أنه حالياً أقصى استفادة لـ"الإخوان" يمكنهم الحصول عليها هي "عدم التسليم للقاهرة". ولفت إلى أن تركيا لن تتمسك بـ"ورقة خاسرة، وتريد التنسيق مع مصر في ملف شرق المتوسط، فهي ترى أن مكاسب القرب من القاهرة أعلى من الرهان على الإخوان".

أما عن الارتباط الأيديولوجي بين "الإخوان" وفكر أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية"، أوضح أن الحركة الإسلامية في تركيا "براغماتية" غير مؤدلجة لدرجة كبيرة مثل مصر، يميلون إلى احتضان الجماعة، لكن ليس طوال الوقت، مشيراً إلى أن الرئيس التركي "براغماتي" يريد الحفاظ على مصالحه وحساباته وتطلعاته الإقليمية.

قرب الانتخابات

في المقابل، يعتقد الباحث في الشأن التركي كرم سعيد أن تركيا "لن تتخلى عن ورقة الجماعة" بشكل نهائي في هذا التوقيت، الذي يتزامن مع حلول الانتخابات المحلية نهاية مارس المقبل، فأردوغان يريد الاحتفاظ بدعم القواعد المحافظة المتدينة التي لديها تعاطف مع ما سماه "مظلومية الجماعة"، مؤكداً أن الإجراءات الأخيرة تدفع إلى "تفاؤل محدود بضوابط".

لكن سعيد اعتبر سحب الجنسية من محمود حسين دلالة مهمة على حرص أنقرة على تعميق العلاقات مع مصر، ورسالة طمأنة وإثبات حسن النوايا لتحسين العلاقات، معتبراً أن توقيت القرار زاد من العبء على إخوان تركيا، فالقرار طال رأس القيادات بعد توجيه اتهام لـ"حسين" بالتلاعب في مستندات اكتساب الجنسية بالمخالفة للقانون التركي، كما يعد القرار بمثابة رسالة لعناصر الجماعة في تركيا، للبحث عن ملاذات بديلة.

وأضاف الباحث في الشأن التركي أن القرار يثير تساؤلات عن حجم الأموال بحوزة القيادات التي مكنت القائم بأعمال المرشد من شراء عقار بـ400 ألف دولار. واعتبر أنها "رسالة مبطنة" تستهدف تشويه جانب من الصورة الذهنية لقيادات الجماعة، تجنباً لاستنفار المجتمع المحافظ الديني في تركيا.

وأكد أن بعض الملفات التي تتقاطع فيها مصر وتركيا في المنطقة مثل الملف الليبي تدفع أنقرة للاحتفاظ بورقة "الإخوان"، مشيراً إلى أن التقارب سيستغرق بعض الوقت، لكن البلدين لديهم حرص على تعزيز وتطوير العلاقات.

عقد من الخلاف

كان الخلاف المصري - التركي قد بدأ في أعقاب موقف أنقرة الرافض إطاحة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي إثر ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. واعتبر اتفاق ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني بين تركيا وليبيا في نوفمبر 2019 نقطة فاصلة في تأجيج الصراع، خصوصاً أن الاتفاق الأمني اتخذته أنقرة ذريعة لدعم القوات العسكرية التي كانت تساند المجلس الرئاسي الليبي في مواجهة الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر. وأعقب ذلك التصريح الشهير للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 20 يونيو 2020 باعتبار خط سرت الجفرة "خطاً أحمر" بالنسبة إلى مصر.

لكن منحنى الخلاف الثنائي انخفض بعد ذلك، ومع بداية عام 2021 شهدت العلاقات بين البلدين بعض التحسن، وكانت أولى بوادره تصريحات أردوغان في مارس (آذار) من العام ذاته بأن البلدين أجريا اتصالات استخباراتية ودبلوماسية واقتصادية، وبأنه يرغب في علاقات قوية مع القاهرة. وأجريت "محادثات استكشافية" على مستوى وزيري الخارجية في القاهرة مايو (أيار) 2021، وبعدها بأربعة أشهر في أنقرة، لم تسفر سوى عن بيانات مقتضبة حول بحث القضايا الإقليمية.

وتسارع قطار المصالحة منذ لقاء جمع الرئيسين السيسي وأردوغان على هامش حفل افتتاح بطولة كأس العالم في قطر في نوفمبر 2022، وكانت أول مصافحة بين الرئيسين عقب نحو عقد شهدت فيه العلاقات بين القاهرة وأنقرة فتوراً، حيث تبادل وزيرا الخارجية الزيارات، وفي الرابع من يوليو (تموز) 2023، أعلن البلدان رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، وعقد الرئيسان أول اجتماع لهما في سبتمبر الماضي على هامش مشاركتهما في قمة الـ20 التي عقدت بالهند.

وأجرى أردوغان، الأسبوع الماضي، أول زيارة إلى القاهرة منذ عام 2012، ووقع الزعيمان إعلاناً مشتركاً لرفع التعاون إلى مستوى "مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى"، وجرى الاتفاق على زيادة مستوى التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، خلال السنوات القليلة المقبلة، كما أعلن السيسي أنه قد يزور أنقرة في أبريل (نيسان) المقبل.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية