"الإخوان".. والعلاقات المصرية - الكويتية

"الإخوان".. والعلاقات المصرية - الكويتية


11/05/2022

ياسر عبد العزيز

لا تحتاج العلاقات المصرية - الكويتية لجهد كبير لإثبات رسوخها وطبيعتها الإيجابية وتطورها الدائم نحو الأفضل، ويكفى فى هذا الصدد التذكير بأن الجهات الرسمية والشعبية فى البلدين عادة ما تتّفق على وصف تلك العلاقات بأنها «أنموذج يُحتذى فى العلاقات العربية - العربية».

بالفعل يمكن وصف تلك العلاقات بأنها «أنموذج يُحتذى»؛ خاصة أن البلدين أثبتا حرصاً بالغاً منذ إعلان الكويت استقلالها، على تقديم الدعم المتبادل فى مختلف الظروف والمحن التى مر بها البلدان طوال أكثر من ستة عقود.

وعند الحديث عن مفاصل تلك العلاقات ومحطاتها الرئيسية يجد المتابع الكثير من المواقف الإيجابية لذكرها، كما تتوالى التواريخ التى تثبت المنحى الاستراتيجى لتلك العلاقات، إلى حد بات بإمكان أبناء الشعبين من غير المتخصّصين إثبات قدرة هذه العلاقات الدائمة على الصمود والتطور الإيجابى.

لكن بموازاة ذلك التطور الإيجابى والرسوخ المثير للإعجاب، تظهر سحب قاتمة فى كثير من الأحيان، وهى سحب يمكن أن تغرى البعض بالنفخ فيها من أجل التشويش على تلك العلاقات لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة ومشبوهة.

فى عام 2012، اندلعت تظاهرات فى الكويت وصفتها وسائل إعلام كثيرة بأنها «أضخم احتجاجات فى تاريخ البلاد»، وهى الاحتجاجات التى شارك فيها عشرات الآلاف، اعتراضاً على «قانون الانتخاب»، الذى أصدرته الحكومة آنذاك.

وفى الليلة ذاتها التى اندلعت فيها التظاهرات، أطلق القيادى «الإخوانى» المصرى خالد أبوشادى تغريدة على حسابه على موقع «تويتر»، قال فيها: «هل تقود الكويت الربيع العربى فى دول الخليج؟».

ثمة ثلاثة أشياء يجب توضيحها فى ما يتعلق بتلك التغريدة؛ أولها أن التساؤل الذى يطرحه هذا القيادى «الإخوانى» يعكس تمنياً وليس استفهاماً، وثانيها أن هذا الرجل هو زوج إحدى بنات المهندس خيرت الشاطر، نائب مرشد تنظيم «الإخوان» والرجل الأقوى فيه آنذاك، وثالثها أن هذا الصيدلى والداعية الشاب تلقى تعليمه قبل الجامعى فى الكويت.

فعندما ضاقت الحال بـ«إخوان» مصر فى عهد الرئيس الراحل عبدالناصر، كانت دول الخليج تفتح أذرعها لهم، وقد ذهبوا إلى هناك بعائلاتهم، واستقروا، واستثمروا، وأنشأوا جمعيات أهلية، أو ساعدوا فى إنشائها. تمركز «إخوان» مصر تمركزاً جيداً فى الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى لدول الخليج العربية، وبوصفهم «تكنوقراطاً» فقد انخرطوا فى مفاصل الأجهزة الإدارية لتلك الدول، ولأنهم يُقدّمون أنفسهم كـ«دعاة إسلاميين» فقد تمتّعوا بسمعة وتأثير فى مواقعهم، ولكونهم «مُسيّسين» فقد أسهموا فى تطوير أنشطة سياسية فى أكثر من دولة، ولأنهم «براجماتيون» فقد حرصوا على إبقاء خطوط الاتصال والتعاون مفتوحة مع بعض الأنظمة الحاكمة فى تلك الدول، كلما كان الطريق إلى ذلك مُيسّراً.

لم يكن المصريون «الإخوان» هم المصدر الأوحد للفكر «الإخوانى» فى دول الخليج، لكن هناك أيضاً هؤلاء الخليجيين الذين درسوا فى مصر، أو عاشوا فيها لسبب أو لآخر، وتأثروا بفكر التنظيم، وعادوا إلى بلدانهم لترويجه.

تحظر دول الخليج العربية الأحزاب والحركات السياسية الصريحة إلا فى ما ندر، وتتمتع الأسر الحاكمة فيها بشرعية لا تجد من يطعن فيها فى الغالب، وتتمحور كل المطالبات المطروحة على السلطة غالباً حول تحسين الأحوال أو توسيع رقعة المشاركة فى صُنع السياسات، وتغطى عوائد النفط المرتفعة كثيراً من المطالب الوطنية، لذلك فإن منابع السياسة تنضب، ومواردها تشح، ولا تتوافر فرص وجيهة للتمركز سياسياً إلا من خلال جماعات تتدثر بالدين، وتخاطب العواطف الدينية المتأجّجة فى نفوس مواطنى تلك الدول.

لكن الكويت تعرف صيغة «ديمقراطية» نادرة فى تلك المنطقة؛ وضمن تلك الصيغة أمكن لتنظيم «الإخوان» أن يُؤسّس حركة سياسية، وهى حركة تحظى بتمثيل شبه دائم فى البرلمان الكويتى (مجلس الأمة)، وتتمكن فى كثير من الأحيان من التنسيق مع حركات وجمعيات دينية أخرى، خصوصاً تلك التى تتخذ مرتكزات سلفية، من أجل حصد مقاعد أو نفوذ تمارسه فى الشارع وضد الحكومة.

ومنذ إطاحة حكم «الإخوان» فى مصر فى 2013، لم تتوقف معظم القواعد «الإخوانية» فى الكويت عن لعب أدوار مثيرة للجدل بخصوص مصر والعلاقات الكويتية معها، وفى معظم تلك الأدوار يمكن أن نرصد ممارسات مثل التأجيج وإثارة الكراهية وإشاعة الشكوك ومحاولات الاصطياد فى المياه العكرة.

فى الأسبوع الماضى، اشتكى أحد الناشطين الكويتيين على «تويتر» من فرض مصر رسوم دخول تُقدّر بنحو 25 دولاراً أمريكياً على الكويتيين، وهو استخدم فى شكواه تلك لغة تعكس قدراً من الخشونة وعدم اللياقة، ورغم أن كثيرين من أبناء الكويت، الذين يدركون طبيعة العلاقات بين البلدين وأهميتها لهما وللأمة العربية كلها، حاولوا أن يردوا عليه، وأن يوضحوا أن تلك الرسوم فُرضت قبل أكثر من سنة، وأنها تشمل جميع الزائرين، فإن ذلك لم يغل أيدى الكارهين و«الإخوان» عن استثمار الحدث.

وبالفعل، التقط نائب «إخوانى» فى البرلمان الكويتى القصة، وقال إنه سيحولها إلى سؤال برلمانى، فى ظل أجواء تأجيج وإثارة للنيل من العلاقات الثنائية القوية بين البلدين.

والأمل أن ننجح دوماً فى إحباط كل ما يستهدف النيل من العلاقات المصرية - الكويتية، وأن تبقى تلك العلاقات أنموذجاً يُحتذى بكل معنى الكلمة، وأن يتوقف «الإخوان» فى الكويت عن استهداف تلك العلاقات، لأنها عصية على الوقوع فى فخاخهم.

عن "الوطن"

الصفحة الرئيسية