تسريبات المالكي.. إلى أين تقود المشهد السياسي المرتبك في العراق؟

تسريبات المالكي.. إلى أين تقود المشهد السياسي المرتبك في العراق؟


25/07/2022

لا تزال تداعيات التسريبات المنسوبة إلى رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وزعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، تلقي بظلالها على ملف تشكيل الحكومة العراقية المتعثر منذ عدة أشهر، فيما يصف مراقبون تلك التسريبات بأنها ستمثل "حجر عثرة"، أمام قوى الإطار التنسيقي المهدد بالتشظي والانهيار، الائتلاف البرلماني الأكبر في البلاد والمنوط به تشكيل الحكومة وفق الدستور. 

ونشر الصحفي العراقي علي فاضل، المقيم في الولايات المتحدة، قبل أيام، 5 أجزاء من التسريب الصوتي، تناول فيه جملة قضايا أبرزها؛ علاقة المالكي بالصدريين، ونعته لمقتدى الصدر بالـ "قاتل"، كما اتهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، بأنه سعى إلى ضرب الشيعة، عبر احتضان النازحين من السنّة، وكذلك قياداتهم، بحسب شبكة "سكاي نيوز".

وفي مقطع آخر تم نشره، ليل الجمعة، اتهم المالكي، المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني، بالصمت، زاعماً أنّ هذا السكوت سيؤدي إلى عودة البعثيين للسلطة مجدداً، في إشارة منه إلى حزب البعث الذي كان يحكم البلاد إبان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وفق ما نقله موقع "العربية".

كما انتقد المالكي بكلامه أيضاً رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، مشدداً على أنّ الأخير يخترق ‏اجتماعات الإطار التنسيقي.

وقال المالكي خلال التسريب الجديد: إنّ "الشيعة في خطر؛ لأن البعثيين الآن ارتقوا مراتب خطيرة، ودخلوا في صلب الدولة، وأنشأوا أحزاباً تحت عنوان (تقدم)، الذي يتزعمه محمد الحلبوسي، وهو حزب قديم، أنشأه واحد من الشخصيات، لكنه توفي، وتسلمه الحلبوسي بعده".

ومن جانبه، نفى المالكي، أن تكون تلك التسجيلات تعود إليه، واعتبر أنها "مفبركة"، وقال حزبه في بيان الإثنين الماضي "إننا لن ننجر إلى فتنة عمياء بين أبناء الوطن الواحد".

هل يصل الغضب الصدري إلى صراع مسلّح؟

وتسببت التسريبات التي وصفتها الصحافة العربية بأنها "ويكليكس المالكي" بشكل كبير في تعثر أكبر للمفاوضات الخاصة بتشكيل الحكومة في البلاد، فيما هددت قوى داخل الإطار التنسيقي بالانسحاب اعتراضاً على بعض التصريحات، وهو ما يجعل مهمة تشكيل الحكومة أكثر ثقلاً وصعوبة وربما يهدد بنسف كافة الجهود الرامية إلى ذلك. 

لكن التأثير الأكبر للتسريبات، بحسب مراقبين، يتعلق بزيادة التوتر بين نوري المالكي وقائد التيار الصدري مقتدى الصدر، فيما حذرت تقارير من تطور التوترات بين القطبين لصراع مسلّح، خاصة في ظل حالة الغضب التي تسيطر على القواعد الصدرية الشيعية. 

المالكي في تسريب: الشيعة في خطر لأن البعثيين الآن ارتقوا مراتب خطيرة ودخلوا في صلب الدولة وأنشأوا أحزاباً تحت عنوان (تقدم)، الذي يتزعمه محمد الحلبوسي

ورد الصدر على التسريبات من خلال صفحته الرسمية على "تويتر"، مطالباً المالكي "بإعلان الاعتكاف واعتزال العمل السياسي"، ودعا إلى "إطفاء الفتنة من خلال استنكار مشترك من قبل قيادات الكتل المتحالفه مع نوري المالكي معه من جهة، ومن قبل كبار عشيرته من جهة أخرى".

وأكد الصدر بحسب ما نقله "إندبندنت عربية"، أنه "لطالما كان وراء حقن دماء العراقيين بمن فيهم المالكي نفسه، لا سيما بعد صدام سابق كان فيه الأخير الآمر والناهي، وذلك في تذكير بحملة عسكرية تعرف باسم "صولة الفرسان" شنّها المالكي ضد أتباع التيار الصدري في محافظة البصرة وراح ضحيتها المئات من الطرفين.

التأثير الأكبر للتسريبات يتعلق بزيادة التوتر بين نوري المالكي وقائد التيار الصدري مقتدى الصدر

كما استنكر الصدر هذه التسجيلات لما اعتبره "تعدياً" على القوات الأمنية العراقية واتهام "الحشد الشعبي" بـ"الجبن" محرضاً على "الفتنة والاقتتال الشيعي" على حد وصفه، منوهاً بأنّ المقاطع المسربة "فيها تعدٍ على المراجع الشيعية في العراق".

 وخلص إلى أنّ "هذه الأفكار الهدامة لا يحق للمالكي بعدها قيادة العراق بأي صورة من الصور لأن في ذلك خراب ودمار العراق وأهله".

كيف تؤثر التسريبات على تشكيل الحكومة؟

طرح نوري المالكي نفسه لرئاسة الوزراء في العراق قبل زوبعة التسريبات، على وقع منافسة محتدمة بينه وبين قيادات آخرين في الإطار التنسيقي الذي تمكن من اقتناص الأغلبية بعد انسحاب الكتلة الصدرية قبل نحو شهر، لذلك ستزيد التسريبات، وفق مراقبين من حدة الانقسام داخل الإطار الذي يعارض قياداته جملة ما جاء على لسان نور المالكي الذي بات فاقداً لشعبيته بشكل شبه كامل. 

مقتدى الصدر: هذه الأفكار الهدامة لا يحق للمالكي بعدها قيادة العراق بأي صورة من الصور لأن في ذلك خراب ودمار العراق وأهله

وفي إشارة لاحتدام الصراع على المستوى الميداني في حال تمسك المالكي بترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، قال الناطق باسم الصدر الشيخ حسن الزرقاني، إنّ "الشارع الشيعي لا يحركه إلا عناد الإطاريين وتحديهم لرغبات الشيعة وإرادتهم الشعبية"، مؤكداً، بحسب "إندبندنت عربية" أنّ "التصعيد من قبل جماعة الإطار التنسيقي سيواجه بتصعيد مقابل من الشارع الشيعي"، داعياً تحالف الإطار التنسيقي إلى الحؤول دون وصول من أسماهم "الفاسدين" إلى السلطة.

ما السيناريوهات المتوقعة؟ 

لا يتوقع مراقبون أن يتجاوز الساسة العراقيون أزمتهم الراهنة بشكل سريع، وربما تأتي أزمة التسريبات كجزء من خلاف عميق حول تشكيل الحكومة لم تنجح القوى السياسية في إنجازه منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. 

وحتى الآن لم تنجح قوى الإطار التنسيقي في الاتفاق حول الأسماء التي ستدفع بها لرئاسة الحكومة العراقية، كما لم يتبين إذا ما كان المالكي أحد هذه الأسماء أم لا، فيما تحدثت مصادر من داخل الإطار لصحيفة "الاتحاد" عن احتمالية تشكيل لجنة لبحث الأسماء المرشحة للمنصب والإعلان عنها فيما بعد.

رقم قياسي في تأخر تشكيل الحكومة

من جانبه، يقول الكاتب العراقي يحيى الكبيسي: "إن العراق سجل رقماً قياسياً في تأخير تشكيل الحكومة، إذ يُفترض، بموجب الدستور، أن يُنتخب رئيس الجمهورية قبل يوم 9 شباط (فبراير) الماضي، أي خلال 30 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لمجلس النواب، كان ذلك في 9 كانون الثاني (يناير)، لكن ذلك لم يحدث ولم تتشكل الحكومة وقد مر 163 يوماً على ذلك التوقيت!".

 يحيى الكبيسي: لاتزال معضلة انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم تشكيل الحكومة، تراوح مكانها

وفي مقاله المنشور بموقع "السياسي" يقول الكبيسي: "اليوم، وبعد أكثر من 40 يوماً على استقالة التيار الصدري من مجلس النواب العراقي، وأداء النواب البدلاء اليمين الدستورية، لاتزال معضلة انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم تشكيل الحكومة، تراوح مكانها.

وفي السياق يشير الكبيسي إلى الصراع داخل الإطار التنسيقي واحتمالات الصراع بينه وبين قوى الصدر قائلاً: "ثمة صراع حقيقي داخل الإطار التنسيقي فيما يتعلق بالمرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء، وهو الصراع الذي يمنعهم حتى اللحظة من الاتفاق على اسم محدد". 

يحيى الكبيسي: ثمة صراع حقيقي داخل الإطار التنسيقي فيما يتعلق بالمرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء، وهو الصراع الذي يمنعهم حتى اللحظة من الاتفاق على اسم محدد

ويضيف: "هذا الصراع سينعكس ليس على تماسك التحالف وحسب، بل وسينعكس، بالضرورة، على طبيعة الحكومة وأدائها مع وجود توجهين فيما يتعلق بمسألة التعاطي مع التيار الصدري؛ الأول يمثله السيد نوري المالكي رئيس تحالف دولة القانون، والذي يدعو صراحة إلى الصدام المباشر، بما في ذلك الصدام العسكري، وبالتأكيد ثمة مؤيدون آخرون لهذا الرهان داخل الإطار التنسيقي".

ويتابع: "الثاني يمثله السيد هادي العامري رئيس منظمة بدر، فضلاً عن تحالف قوى الدولة الذي يمثله كل من السيد عمار الحكيم والسيد حيدر العبادي، وهو التوجه الذي يدعو إلى التهدئة وعدم استفزاز الصدريين!".

 

مواضيع ذات صلة:

ما أهداف تركيا الحقيقية من حصار العراق مائياً؟

سيناريوهات تعطيل "الثلث المعطل" في العراق

ما مآلات عملية الانسداد السياسي في العراق؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية