ما أهداف تركيا الحقيقية من حصار العراق مائياً؟

ما أهداف تركيا الحقيقية من حصار العراق مائياً؟


08/06/2022

ثمة بؤرة رئيسية للصراع الإقليمي حول المياه في الشرق الأوسط؛ تتمثل في تركيا وايران، مع عدد من الدول العربية المتاخمة حدودياً، من أجل التأثير والنفوذ والهيمنة على المنطقة، ويبدو ذلك حاضراً فيما بين العراق من جهة، وتركيا من جهة أخرى، حيث نهرا دجلة والفرات اللذان ينبعان من بحيرة وان، في جنوب شرق تركيا؛ ليدخل الأول مباشرة إلى العراق، ويمر الآخر بسوريا؛ ثم يلتقيان في شط العرب عند بلدة كرمة، شمال مدينة البصرة في أقصى الجنوب.

واللافت أنّ جملة العوامل السياسية والأمنية، التي تعاقبت على العراق خلال العقدين الماضيين، منحت حالة الصراع على مياه دجلة والفرات بين العراق وتركيا، وصف الأكثر تشابكاً وتعقيداً وتأزماً في منطقة الشرق الأوسط؛ لتكون أشبه بالقنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أيّ وقت، إذا ما استمرت جنباً إلى العثرات السياسية والاقتصادية، والاضطرابات الدولية، وكافة تداعياتها الإقليمية.

النفط مقابل الماء

كشف السياسي العراقي المستقل سعد المطلبي، في تصريحات صحفيّة، عن توجه الحكومة لإبرام اتفاقية مع تركيا، بشأن استبدال النفط مقابل المياه، مبيناً أنّ تلك الاتفاقية ستضعف الاقتصاد العراقي، وستجعل من تركيا المسيطرة عليه. وأضاف: "الحكومة تستعد لإبرام اتفاقية مع تركيا؛ من أجل استبدال برميل النفط الواحد، ببرميل من المياه، وهو أمر مستغرب".

ووفق المطلبي فإنّ "عقد هكذا اتفاقية؛ ستؤدي لسيطرة تركيا على مفاصل الاقتصاد العراقي برمّته، وستكون أنقرة المتسلطة الرئيسية على كميات المياه والنفط، وحتى التبادل التجاري". وأشار إلى أنّ "تلك التحركات، تتزامن مع زيادة أعداد القوات التركية في العراق، وإقامة قواعد عسكرية؛ ما يدل على وجود نويا مبيتة، باتجاه الاحتلال الشامل".

المطلبي: الاتفاقية ستضعف الاقتصاد العراقي، وستجعل من تركيا المسيطرة عليه

في حين تتزامن تلك التحذيرات مع إبرام اتفاقية، بداعي إنهاء حالة الجفاف والتصحر، وإقامة مشاريع ضمن الحزام الاخضر؛ لمنع وصول الغبار إلى المدن، يرى عضو المكتب التنفيذي لحركة امتداد، وسام الجبوري، أنّ "تركيا تتموضع الآن، بحيث تستغل الضعف السياسي والاقتصادي لبعض البلدان؛ وانشغالها في مشاكل وصراعات داخلية، بغرض فرض هيمنتها على أجزاء من هذه الدول، بحجج واهية مثل: وجود قواعد لحزب العمال الكردستاني المعارض، والمتهم بشن العديد من الهجمات داخل تركيا".

 

الصراع على مياه دجلة والفرات بين العراق وتركيا يعد من الأكثر تشابكاً وتعقيداً وتأزماً في المنطقة

 

ويعقب الجبوري، في حديثه لـ"حفريات"، على الأنباء التي تشير إلى إبرام اتفاقية مع الجانب التركي، بنفيه توقع عزم الحكومة العراقية عقد مثل هذه الاتفاقية؛ إذ يرى أنّه لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع؛ كون العراق قانونياً يمتلك حصة مائية مثبتة دولياً؛ وبالتالي ليس من حق تركيا أن تتفاوض وتبيع أو تقايض على شيء لا تملكه.

ويضيف عضو المكتب التنفيذي لحركة امتداد، قائلاً "إنّه إذا سلّمنا جدلاً أنّ تركيا ستقوم بمقايضة الماء مقابل النفط، فسيضحى ذلك بمثابة عرف دولي؛ وبالتالي سابقة خطيرة على مستوى العالم؛ فهناك دول كثيرة تتنازع على الحصص المائية مع دول أخرى".

وحذر الجبوري من خطورة مثل هذه التصريحات لأثرها الكبير في السياق الإقليمي المضطرب، وتداعياتها على السلم والأمن الإقليمي، مؤكداً "ضرورة أن يعمل الجميع من أجل استقلالية القرار السياسي في البلاد، تحت مظلّة الوطن وأهدافه، نحو مستقبل أفضل لجميع العراقيين، بعيداً عن أيّ هيمنة خارجية".

خصوصية النزاع المائي بين العراق وتركيا

من جهته، يرى الأكاديمي العراقي طارق عبد الحافظ الزبيدي، أنّ "النزاع المائي بين دول المنبع ودول المصب، هو نزاع عام، تعاني منه أغلب دول العالم، ولكن هناك خصوصيّة في التعامل مع بعض القضايا في الشرق الأوسط، مثلما هو حاضر من خلال أزمة المياه بين العراق وتركيا، فضلاً عن مقتضيات النزاع التركي العراقي، وسط عالم شديد الاضطراب، ما يجعله مرشحاً للتنامي في المستقبل، ويتابع في تصريحاته لـ"حفريات" "نعتقد أنّ ذلك الصراع بحدوده وطبيعته وتأثيراته، إنّما يرتبط بالدولة وقوتها، وقدرتها على الدفاع عن حقوقها من جهة، والظروف البيئية والمناخية من جهة أخرى، حيث إنّ العراق سابقاً، كان يحتفظ بحقوقه المائية إلى حد كبير، بالقياس إلى حقوقه المائية الحالية".

 

وسام الجبوري: تركيا تتموضع الآن بحيث تستغل الضعف السياسي والاقتصادي لبعض البلدان لفرض هيمنتها

 

ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد: "ربما، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ النزاع المائي مع إيران، هو أكثر تعقيداً، من حيث أنّ هناك روافد تغذي نهر دجلة، تم تغيير مسارها إلى داخل إيران، دون الاكتراث بالأضرار التي لحقت بالعراق جراء ذلك، أمّا تركيا؛ فقد عملت على إنشاء سدود كبيرة، وأهمها سد إليسو، الذي تم بناؤه مطلع العام 2006، وتم افتتاحه في العام 2018، وأثر تأثيراً كبيراً على جريان المياه نحو نهر دجلة".

الزبيدي: النزاع المائي بين دول المنبع ودول المصب، هو نزاع عام، تعاني منه أغلب دول العالم

"وتبدو التحديات أمام العراق كبيرة تتجاوز المشكلة لتتحول إلى كونها معضلة؛ باعتبار أنّ هذا التحدي يتعلق بأهم مورد مائي، يمثل شريان الحياة، دونه لا يمكن العيش من الأساس، وليس الإنسان وحده هو المهدد، بل حتى الحيوان والنبات، والتحدي الأكبر سوف يظهر عندما تتم السيطرة الكاملة على المياه من قبل تركيا، وقد يتم مقايضة الماء بالنفط، أو الاستيراد القسري"، بحسب الزبيدي.

حاول الطرفان التركي والعراقي حل النزاع، من خلال توقيع اتفاقية، في العام 2009، ودخلت حيز التنفيذ في العام 2021، بعد مصادقة الجانب التركي عليها، ولكن هذه الاتفاقية إعلامية دعائية، أكثر من كونها واقعية وعملية، والدليل أنّ هناك عموميّة في بنودها، التي تحدثت عن ضمان حصة مائية عادلة ومنصفة للعراق، والتساؤلات هنا تتمثل في تحديد وضبط معيار العدالة؟ و ما هو معيار الانصاف؟

يرى الزبيدي، أنّ الحلول تتمثل في بعض الإجراءات، فعلى الجانب القانوني يمكن اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومن الناحية الاقتصادية؛ التهديد بقطع التعامل التجاري مع تركيا، وسياسياً من خلال المفاوضات، أمّا أمنياً؛ فبالتهديد بقطع التعاون في ملف حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن حلول على المستوى الداخلي، من خلال البدء بإنشاء سدود جديدة، في أماكن استراتيجية؛ لغرض استثمار المياه بأكثر قدر ممكن، وعدم تركها تذهب إلى الخليج العربي.

مواضيع ذات صلة:

إيران تشهر سلاح المياه في وجه العراق مجدداً.. ماذا فعلت؟

سفير إيران السابق لدى العراق ينفي علاقة بلاده بأزمة المياه.. ماذا قال؟

إذا أشعلت المياه صراعات الشرق الأوسط من يطفئها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية