تركيا ونقل الغاز الإسرائيلي: هل حان الموعد لتنفيذ مشروع يحدّ من الاعتماد على روسيا؟

تركيا ونقل الغاز الإسرائيلي: هل حان الموعد لتنفيذ مشروع يحدّ من الاعتماد على روسيا؟


01/03/2022

في الرابع من شباط (فبراير) 2022، وبعد عودته من زيارة إلى أوكرانيا، صرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنه بإمكان تركيا وإسرائيل العمل معاً على نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا. وذلك في محادثات من المفترض أن تجري في شهر آذار (مارس) 2022، أثناء زيارة مرتقبة للرئيس الإسرائيلي، اسحق هرتسوغ، إلى العاصمة التركيّة، أنقرة.

 

اقرأ أيضاً: تأملات على هامش الغزو الروسي لأوكرانيا

وكان أردوغان قد ربط تصريحه، في حينه، بالتوقعّات المتصاعدة بفرض عقوبات على إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا؛ رداً على عملية روسيّة عسكريّة مرتقبة في أوكرانيا، وبحيث أنها سوف تؤدي إلى التقليص من معدّلات تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا. وبالتالي فإنّ أردوغان يقدّم نقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا كبديل يعوّض عن جزء من إمدادات الغاز الروسي، وبما يخدم التوجه الأوروبي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

قرار أمريكي بإيقاف مشروع "إيست ميد"

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد صرحّت في 26 كانون الثاني (يناير) 2022، عبر بيان صادر من سفارتها في اليونان، بتحفظها على مشروع خط غاز شرق المتوسط المعروف بـ "إيست ميد" (East-Mid). وعُدّ بمثابة إعلان رسمي عن نهاية مشروع أحد أطول أنابيب نقل الغاز في العالم.

الخط المقترح لخط أنابيب الغاز المعروف بـ "إيست - ميد"

المشروع يعود في أساسه إلى مقترح تم تقديمه في العام 2013، وجاء ضمن إطار التوجّه للحدّ من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي. وكان من المفترض أن ينطلق من مياه "المنطقة الاقتصادية الخالصة" الخاصة بإسرائيل إلى قبرص، ومن ثم وصولاً إلى اليونان وإيطاليا.

تبرز مشكلة ارتفاع النفقات للمشروع سواء في مرحلة التشييد أو فيما يتعلق بمتطلبات الصيانة، ما يرفع من التكلفة الإجمالية للغاز القادم عبره

جانب أساسيّ من أسباب تعطيل المشروع جاء بسبب الكُلفَة العالية؛ إذ إنه أحد أطول خطوط أنابيب الغاز في العالم، وهو يقع على أعماق سحيقة تحت مياه البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي هناك كلفة مرتفعة للغاية من أجل تشييده وكذلك كلفة سنوية مرتفعة للصيانة، مما يفقده قدرته التنافسية؛ إذ تصبح التكلفة الإجماليّة للغاز المنقول عبره تساوي أضعاف تكلفة الغاز الروسي الرخيص؛ بل من المتوقع إن تتجاوز كلفته حتى  كلفة شحن واستقبال وتسييل الغاز المُسال. وذلك فضلاً عمّا يُتوقَعْ أن يتسبب به المشروع من أضرار بيئية في حال حدوث تسريبات، أو تهالك الأنبوب في حالة التوقّف عن استخدامه.

تقدّم تركيا مشروع نقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر أراضيها كبديل يعوّض عن جزء من إمدادات الغاز الروسي

وكان أردوغان قد عقّب في تصريحه على هذا التحفظ الأمريكي وقال: "هذا المشروع لم يكن قابلاً للتنفيذ، لقد أجروا جميع الحسابات المالية له، ورأوا أنه لا يوجد شيء إيجابي في هذا المشروع". ويعتبر مشروع "خط شرق المتوسط" لأنابيب الغاز أحد المشروعات عالية التكلفة والمخاطر. وقد قدرّت التكلفة الأولية للمشروع في عام 2016 بنحو (7) مليار دولار. وتشير التقديرات إلى ارتفاع التكلفة منذ ذلك الحين، وهو ما يجعله مشروعاً قليل الجدوى، وذلك عدا عن مخاطره البيئية.

 

اقرأ أيضاً: "غازبروم" الروسية تلقي الكرة في ملعب الصين... وتوقع أكبر صفقة غاز

وكان البيان الأمريكي قد ذكر الأسباب البيئية، إضافةً إلى الأسباب السياسية والتي حددها بـ: "إنَّ المشروع بات مصدراً رئيسياً للتوتر وزعزعة استقرار المنطقة". والمقصود بالتوتر هو ما تسبب به المشروع من تصاعدٍ للخلاف بين تركيا من جهة وكلٍ من إسرائيل وقبرص واليونان من جهة أخرى، وذلك بسبب استثناء مشروع "إيست ميد" لتركيا وتجاوزها، وهو ما حاولت تركيا الضغط باتجاه عرقلته، وبخاصة عندما أقدَمَتْ على خطوتها لترسيم حدودها البحرية في نهاية العام 2019 مع ليبيا وبحيث عمدت إلى جعل المسار المقترح لعبور الأنبوب واقعاً ضمن المنطقة الاقتصاديّة الخالصة التي تستمر بالمطالبة بها في مياه البحر الأبيض المتوسط.

العقوبات على روسيا

يأتي طرح هذا المشروع في هذه الفترة بالتزامن مع تصاعد التوجّه الغربيّ بخصوص فرض العقوبات على روسيا والتي من المتوقع أن تشمل تقييد إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا. وبالفعل وبعد انطلاق العمليات العسكرية في أوكرانيا، نهاية شباط (فبراير) 2022، أعلنت ألمانيا تقييد العمل بخط الغاز "سيل الشمال - 2"، وذلك كتهديد بمزيد من العقوبات التي من الممكن أن تطال خطوط أخرى لنقل الغاز الروسي.

خط نقل الغاز "السيل التركي".. تم تدشينه عام 2017 وبدأ الضخّ عبره في مطلع العام 2020

ومع تزايد التهديدات بإيقاف خطوط أخرى فإنّ الأتراك يخشون أن تصل إجراءات التقييد إلى وقف الضخّ عبر خط الغاز "السيل التركي" الذي ينطلق من روسيا ويصل إلى اليونان عبر البحر الأسود وتركيا. وهنا تزداد الحاجة لمد خطوط جديدة تزوّد أوروبا بالغاز من مصادر جديدة، ومع التعثّر في خط الغاز "ايست - ميد" يجري تقديم هذا المقترح الجديد، وهو ما كان أردوغان قد ذكره في تصريحه الأخير بخصوص التعاون لإطلاق مشروع لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا.

مركز لإمدادات الطاقة المتجهة لأوروبا

في حال تنفيذ مشروع نقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا فإنّ ذلك يعزز من التوجه الاستراتيجي الذي تسعى تركيا وراءه، وهو تحول تركيا لمركز لنقل نسبة كبيرة من إمدادات الطاقة المتجهة نحو القارة الأوروبية، وبحيث يُضاف هذا الخط إلى جانب خط "السيل التركي"، إضافة إلى المقترحات المطروحة لإعادة تفعيل وتنفيذ خط أنابيب "نابوكو" لنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا. فضلاً عن المشاريع المقترحة لنقل إمدادات الغاز من تركمانستان عبر بحر قزوين وصولاً إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. إضافةً إلى فرص مستقبلية لتطوير استخراج وتصدير الغاز من العراق، وربما من إيران، في حال رفع العقوبات عنها.

عوائق أمام المشروع

بدايةً تبدو قدرة إسرائيل لتزويد القارة الأوروبية متواضعة بالمقارنة مع الإمدادات الروسيّة؛ إذ تقوم روسياً حالياً بإمداد أوروبا بحوالي (200) مليار مكعب من الغاز سنوياً، وهو ما يعادل (40%) من احتياجات القارّة. في حين لا يتجاوز إجمالي صادرات إسرائيل المتوقعة من الغاز حاجز الـ (10) مليارات متر مكعب سنوياً، وبالتالي فإنه حتى وإن تم فلن يكون مؤثراً بشكل فيما يخص الحد من إمدادات الغاز الروسي، وهو ما يقلل من أهميته خصوصاً بالنظر إلى العوائق الأخرى.

تسعى تركيا للتحوّل إلى مركز لنقل نسبة كبيرة من إمدادات الطاقة المتجهة نحو القارة الأوروبية

وأيضاً تبرز أمام المشروع مشكلة المسار الذي سوف يسلكه الأنبوب؛ إذ إنّ المَسَار الوحيد الممكن له سلوكه هو عبر المياه الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بقبرص. وهنا يبرز الخلاف الحادّ بين كل من قبرص وتركيا حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، وهنا تبرز أيضاً مشكلة أخرى هي مشكلة الاعتراف التركي الأحادي بجمهورية قبرص التركية وهو ما لا تقرّ به أي دولة أخرى، وبالتالي فإنّ ذلك يعقّد من مسألة ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة وصلاحيات الانتفاع بها بما في ذلك المرور للأنابيب.

المنطقة الاقتصادية الخاصّة لقبرص ويظهر اعتراضها مسار مرور أي أنبوب مقترح من المناطقة الخاصة بإسرائيل إلى تركيا

بالإضافة إلى ذلك، هناك العائق الاقتصادي، المتمثل بكلفة تشييد المشروع وارتفاع نفقات الصيانة، بالنظر إلى أعماق المياه، وبالتالي فإنّ التكلفة من المتوقع أن تفوق كلفة استيراد الغاز المسال عبر الموانئ البحرية. كما ويبرز الخطر البيئي وخصوصاً في ظل التوجه الأوروبي للتقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة الهيدروكربونية، بما فيها الغاز، وصولاً حتى تصفير الاعتماد بشكل كامل خلال العقود القادمة، وهو ما يعني انتفاء الحاجة للأنابيب بعد فترة من الزمن.

 

اقرأ أيضاً: مفاوضات أوكرانية روسية... هل تثمر عن تفاهمات لإنهاء الأزمة؟

وبانتظار زيارة هيرتسوغ إلى أنقرة، فإنّ إسرائيل سوف تستمر بتصدير الغاز إلى أوروبا وإن بكميات أبسط، وذلك عبر تسييل الغاز في المنشآت المصرية المخصصة، وهو ما تطمح أن يتم تجاوزه والاستغناء عنه قريباً في حال التوصّل إلى تفاهمات مع تركيا وسائر الدول والأطراف المعنية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية