تركيا وإيران... تقاطع جزئي في سوريا وتصادم آتٍ في القوقاز

تركيا وإيران... تقاطع جزئي في سوريا وتصادم آتٍ في القوقاز

تركيا وإيران... تقاطع جزئي في سوريا وتصادم آتٍ في القوقاز


05/10/2023

علي حمادة

لماذا نقول إن تركيا وإيران تتقاطعان في سوريا؟ لأن الطرفين اللذين يختلفان على الموقف من النظام في دمشق، إضافة إلى الخلاف على وجود القوات التركية في الشمال السوري، يتقاطعان في موقفهما المعادي لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد). وقد بدا ذلك واضحاً في النزاع الذي نشأ أخيراً بين بعض عشائر العرب في شرق الفرات و"قسد"، إذ تقاطعت مصالح الإيرانيين والنظام مع المصالح التركية في محاولة محاصرة "قسد" المدعومة أساساً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

نقول إن التقاطع جزئي، لأن تركيا التي تصنف "قسد" تنظيماً إرهابياً، تحاشت دائماً الاصطدام الواسع والحاسم معها، كون الأخيرة تتمتع بغطاء أميركي – غربي واسع، وتقوم بمهمة حيوية في الشرق السوري على تخوم الحدود مع العراق، وفي منطقة حساسة جداً من الناحية الأمنية، حيث لا يزال مسلحون ينتمون إلى تنظيم "داعش" يتحركون فيها، ويشنون هجمات ضد مواقع القوات الأميركية وحلفائها. وتلعب "قسد" دور الحارس لأكبر تجمع لسجناء "داعش" في العالم، واستطراداً تحرس أكبر مخيمات في الرقة والحسكة تقطنها عائلات مسلحي "داعش" القتلى أو السجناء.

إذاً، تمثل قوات "قسد" دوراً حيوياً في الاستراتيجية الأميركية في الشرق والشمال السوريين. وهي مستهدفة أولاً من "داعش"، ثم من إيران وميليشياتها، وأخيراً من تركيا التي يتأرجح موقفها وسلوكها تبعاً للعلاقات مع واشنطن. ولا يمثل مقترح طهران الداعي إلى انسحاب القوات التركية الذي رُفض، أي مشكلة بالنسبة إلى أنقرة. فهي لن تنسحب، وتعرف أنها لن تُجبر على الانسحاب لا بالسياسة ولا بالقوة.

الصورة مختلفة في القوقاز، حيث حسمت أذربيجان الموقف في إقليم ناغورني كراباخ الذي كانت تقطنه حتى الأسبوع الماضي أغلبية ساحقة من الأرمن، وإثر حسم القوات الأذرية المعركة مع المسلحين الانفصاليين في الإقليم، نزح السكان جماعياً مخافة أن يتعرضوا للاضطهاد. 

في هذه البقعة الواقعة شمال إيران تتصادم المصالح الإقليمية التوسعية التركية والإيرانية مباشرةً. وكان لافتاً أن تصدر طهران مواقف تحذيرية عالية النبرة ضد أذربيجان قبيل شن الأخيرة حربها الأخيرة بأيام، متوعدة باكو بالتدخل العسكري. والحقيقة أن الموقف التركي الذي أتى رداً على إيران مهدداً بالتدخل ضدها في حال تدخلها في النزاع حول الإقليم المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، حال دون ترجمة إيران أقوالها إلى أفعال. ولكن بعد حسم المعركة قد يفتح باب صراع أكبر ربما يصل إلى حد حدوث صدام مباشر بين تركيا وإيران. فإذا كان من المستحيل الوقوف بوجه المحدلة التركية – الأذرية في إقليم ناغورني كراباخ، فإن المشروع التركي - الأذري لفتح ممر زنغزور الاستراتيجي الذي يصل إقليم ناختشفان الأذري ذي الحكم الذاتي الواقع بين إيران وأرمينيا وتركيا بأراضي جمهورية أذربيجان شرقاً، قد يكون سبباً لتوتر جديد. والممر المشار إليه يقع حتى الآن في أراضي جمهورية أرمينيا، ويمتد بمحاذاة الحدود الإيرانية. وفتح الممر لربط تركيا بأذربيجان براً عبر إقليم ناختشفان يمثل نقلة نوعية للمصالح التركية في آسيا الوسطى، ويأتي على حساب مشروع الممر عبر الأراضي الإيرانية الذي تعتبره طهران مصلحة استراتيجية. كما أن ربط تركيا بحاضنة دول آسيا الوسطى التي يتحدر معظم سكانها من أصول تركية، يمثل دفعاً كبيراً للجيوسياسة التركية، في وقت تعتبر إيران هذا الواقع عنصراً مهدداً بحصارها في المستقبل. ومن المحتمل جداً أن ينشأ صراع مباشر بين تركيا وإيران حول الممر. إلا إذا عمدت تركيا إلى إشراك إيران به وبحمايته وبثماره المستقبلية! 

في ظل تراجع النفوذ الروسي المستمر في دول الاتحاد السوفياتي السابق، تكبر طموحات قوى إقليمية كبيرة مثل تركيا وإيران، ويرتفع الخطر من نشوب حروب على أنقاض الإمبراطورية السوفياتية – الروسية التي تراجع نفوذها كثيراً منذ أن شنت موسكو الحرب على أوكرانيا. والقوقاز الذي كان جزءاً من المدى الحيوي الروسي الصافي قد يصبح في المستقبل القريب مسرحاً لصراع كبير! 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية