تدريبات مشتركة بين إسرائيل وألمانيا في ذكرى الهولوكست

تدريبات مشتركة بين إسرائيل وألمانيا في ذكرى الهولوكست


25/08/2020

بعد المناورات الجوية الأخيرة التي جرت في المجال الجوي الألماني، بين القوات الجوية الألمانية ونظيرتها الإسرائيلية، يبدو أنّ الصفاء يعود مجدداً إلى العلاقات بين البلدين، بعد أن اتّسم بالتوتر في الفترة الأخيرة والذي رآه محللون غضباً من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من السياسات اليمينية المتطرفة لرئيس وزراء إسرائيل، بينامين نتنياهو، الذي شجبت ميركل أكثر من مرة السياسات الاستيطانية لبلاده.

اقرأ أيضاً: العثمانيون الجدد والنمط النازي

وهذه المناورات الأولى التي تحدث داخل السماء الألمانية، هي الأولى من نوعها، مع اقتراب الذكرى الخامسة والسبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، التي طوت حقبة دامية من تاريخ الإنسانية، وخطّت صفحات جديدة، كانت الدولة الصهيونية أهم معالمها.

حيثيات المناورة

حلّت الذكرى الخامسة والخمسون، للصداقة الألمانية الإسرائيلية، في أيار (مايو) الماضي، فالعلاقات التي بدأت بعد مرور 15 عاماً على انتهاء حادثة الهولوكست، تسير بخطى ثابتة؛ إذ تحاول ألمانيا التأكيد دوماً على علاقاتها الجيدة بإسرائيل، في محاولة للانعتاق من جرائم النازيين السابقة بحقّ اليهود، خلال فترة الحرب العالمية، ورغم هذه العلاقات، التي يمكن وصفها بـ "الجيدة"، إلى حدٍ كبير، كانت القضيّة الفلسطينية موضع خلاف بين الدولتين، أبرز محطات هذا الخلاف تمثّلت في قرار المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عام 2017،  بعد تأجيل المشاورات السنوية بين حكومتي إسرائيل وألمانيا، والذي فُهم كتعبير عن عدم الرضا عن سياسات الحكومة الإسرائيلية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما  جاء قرار تعليق توقيع عقد بيع غواصات ألمانيّة لإسرائيل لأسباب رأى المعلقون وقتها، أنّها مرتبطة بالاستياء نفسه، ومن تصويت ألمانيا في الأمم المتحدة، في الأعوام الأخيرة، بشأن المسائل المتعلقة بإسرائيل، وكذلك تصريحات المسؤولين الألمان بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين.

تجيد إسرائيل استغلال آلام الماضي للضغط على الأوروبيين باسم "مناهضة العداء للسامية"، خاصّة الضغط على ألمانيا، التي ما تزال أحداث النازي تؤثر في حياتها السياسية

لكن يبدو أنّ إسرائيل تحاول التودّد لألمانيا بشتّى الطرق، خاصة بعد تصريحات سفير إسرائيل لدى برلين، في العشرين من الشهر الجاري، الذي قال لشبكة "DW" الألمانيّة؛ إنّ العلاقات بين بلاده وألمانيا ستصبح أكثر متانة، مستشهداً بالمناورات الجوية بين الجيشين، ووضع الزهور على النصب التذكارية للضحايا في داخاو، وهو ما رآه الباحث في العلوم السياسية وشؤون الشرق الأوسط، يوسف بدر، تعبيراً عن شعور إسرائيل بالقوة، وأنّها باتت تتعامل بندّية مع ألمانيا، بعد أن كانت بالأمس عدوها اللدود، فهي تحرص على كسب أكبر قوة اقتصادية وسياسية في أوروبا، ومن اجترار آلام الماضي، تحاول إسرائيل، كعادتها، فرض سياسة الأمر الواقع.

جيريمي يساخاروف، سفير إسرائيل لدى برلين

ويؤكد بدر لـ "حفريات": "بالنسبة للتدريب المشترك؛ ليست هذه المرة الأولى بالنسبة إلى البلدين، فهناك تدريب مشترك استضافته إسرائيل عام 2015، لكنّ الجديد هذه المرة هو إقامة هذا التدريب على أرض ألمانيا، ودلالة ذلك في رأيي؛ أنّ إسرائيل باتت تتعامل كقوة عظمى تشارك الدول الكبرى المناورات العسكرية، وتضيف إليها من خبراتها العسكرية، إلى جانب أنّ إسرائيل تبحث عن مساحات انتشار لها أبعد من منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت تنتمي إليها بفعل الأمر الواقع، وهذا الأمر يعزز من تحالفاتها الخارجية ومكانتها الدولية".

عقدة الذنب الألمانية

في العام الماضي، نشرت صحيفة "هآرتز" الإسرائيلية مقالاً تطالب فيه رئيس وزرائها، بمبلغ 19 مليار دولار مستحقّ من ألمانيا، مقابل الهولوكست، يجب على ألمانيا دفعه مقابل جرائم تاريخية، وهذا المبلغ جزء من مبالغ مالية طائلة، تدفعها ألمانيا على مدى أكثر من ستين عاماً، للناجين من حادثة الهولوكست، وما تزال تدفع حتى اليوم.

اقرأ أيضاً: هل كانت "كو كلوكس كلان" النبتة الأولى للنازية ومنبع الإرهاب الأبيض؟

ومع اقتراب ذكرى الهولوكست لهذا العام، تتجدّد الأحزان اليهودية، وتقيم القوات الجوية للبلدين تدريبات مشتركة، يرى بدر أنّ التوقف أمام توقيتها غاية في الأهميّة، وله دلالات سياسية تعكس ما وصلت إليه إسرائيل من نفوذ، خاصة مع ألمانيا التي تستخدم الهولوكست ضدّها، كورقة ضغط منذ انتهاء الحرب.

يتابع بدر بقوله: "النقطة الأهم، هي توقيت هذا التدريب المشترك، الذي يتزامن مع مراسم إحياء ذكرى المحرقة النازية، وكأنّها رسالة من إسرائيل إلى الأوروبيين؛ "لقد عدنا!".

النقطة الأهم في التدريبات المشتركة هي توقيت الذي يتزامن مع مراسم إحياء ذكرى المحرقة النازية، وكأنّها رسالة من إسرائيل إلى الأوروبيين؛ "لقد عدنا!"

ويأتي ذلك تزامناً مع الذكرى 75 لنهاية الحرب العالمية الثانية، التي من ضمن أحداثها؛ معاناة اليهود، إذ كانت الحدث الأهم لإنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين، تسمى "إسرائيل".

ويستكمل: "كذلك، تجيد إسرائيل، استغلال آلام الماضي للضغط على الأوروبيين باسم "مناهضة العداء للسامية"، خاصّة الضغط على ألمانيا، التي ما تزال أحداث النازي تؤثر في حياتها السياسية، داخلياً وخارجياً، وتشعر بعقدة الذنب؛ لذلك نجد أنّ إسرائيل قد حققت بواسطة هذا الضغط تعاوناً واسعاً مع ألمانيا في مجال التعاون الاستخباراتي والتدريب المشترك، كما أنّ ألمانيا، كقوة مؤثرة في الحلف الأطلسي (ناتو)، مفتاح لإسرائيل للانضمام إلى هذا الحلف العسكري، فلا داعي للاستغراب من دفاع وزيرة الدفاع الألمانية، أنجريت كرامب كارينباور، عن أمن إسرائيل بقولها: إنّ "أمن إسرائيل مسألة تخصّ الجمهورية الاتحادية ولها أولوية قصوى"، وانضمام إسرائيل إلى الحلف الأطلسي، سيمثّل ثقلًا لصالح ألمانيا أمام منافسيها في أوروبا وتركيا".

قرابين بأثر رجعي

ساعدت ألمانيا الغربية، في فترة ما بعد الحرب، في بناء دولة إسرائيل الجديدة، وكان لها دور مهم وغير معروف في تشكيل الشرق الأوسط الحديث؛ ففي نيسان (أبريل) 2018، اجتمع البرلمان الألماني للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس إسرائيل، وفي نقاش دار بين الأعضاء، قال مارتن شولتز، نيابة عن الديمقراطيين الاشتراكيين: "من خلال حماية إسرائيل، نحمي أنفسنا من شياطين الماضي"، وقالت رئيسة حزب الخضر، كاترين غورينغ إيكاردت، في الجلسة ذاتها: إنّ "حقّ إسرائيل في الحياة هو حقّنا".

في ذكرى ضحايا المحرقة النازية- الجنرال عميكام نوركين، قائد سلاح الجو الإسرائيلي يلقي كلمة في داخاو (18 أغسطس/ آب 2020)

 يمكن تقييم العلاقات الألمانية الإسرائيلية من أحاديث الساسة الألمان؛ حيث تؤكد تصريحاتهم عن الدولة الصهيونية الهوية الليبرالية، التي تحاول ألمانيا التحلي بها ما بعد مرحلة النازية، وجاءت اتفاقية التعويضات التي عقدت بين البلدين عام 1952، كجزء من الاستحقاق الذي فرضته إسرائيل لنفسها على ألمانيا، كأوّل محطات العلاقات الثنائية بين البلدين.

في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تحديداً عام 1966، سُئل أول مستشار في ألمانيا، كونراد أديناور، عن سياسة التعويضات الخاصة به على التلفزيون الألماني، ليجيب قائلاً: "هذه التعويضات هي ولادة جديدة لألمانيا بعد عام 1945"، واصفاً الجرائم النازية بحقّ اليهود بأنّها عار على جبين الإنسانية، ولا بدّ من التكفير عنها وإصلاحها، إذا أرادت ألمانيا استعادة مكانتها الدولية، مشدداً على أنّ المجتمع اليهودي قوة لا يجب على ألمانيا الإستهانة بها، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية