دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً على خط الأزمة المتفاقمة بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن "سد النهضة"، وذلك في تحوّل لافت لإدارة الرئيس جو بايدن الذي سجل من جانبه أول تحرك بهذا الصدد، على عكس الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب التي أولت الملف اهتماماً لافتاً، ورعت المفاوضات وقدمت دعماً لدول المصب، وانتقدت مراراً التصرف الأحادي من الجانب الإثيوبي بخصوص إجراءات ملء السد.
وأجرى المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي مايك هامر، خلال الأسبوع الأخير من تموز (يوليو) الماضي، جولة شملت مصر والإمارات وإثيوبيا، استمرت حتى الأول من آب (أغسطس) الجاري، لمناقشة الأزمة، وأكد خلال جولته عزم بلاده على التدخل بشكل فعّال للتوصل إلى حل دبلوماسي للقضية قريباً، في الوقت الذي تعوّل فيه مصر على أهمية الدور الأمريكي في إجبار أديس أبابا على توقيع اتفاق يمنع الإضرار بدولتي المصب، (مصر والسودان)، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".
شكوى جديدة لمجلس الأمن
وبالتزامن مع التحركات الأمريكية، تقدمت مصر بخطاب نهاية الأسبوع الماضي إلى رئيس مجلس الأمن لتسجيل الاعتراض والرفض التام لاستمرار إثيوبيا في ملء سد النهضة بشكل أحادي دون اتفاق مع دولتي المصب؛ مصر والسودان.
وشددت الخارجية المصرية، بحسب بيان نشرته وسائل إعلام محلية، خلال رسالة مجلس الأمن، على أنّ الإجراءات الإثيوبية الأحادية تُعدّ مخالفة صريحة لاتفاق إعلان المبادئ المبرم عام 2015 وانتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، التي تلزم إثيوبيا، بوصفها دولة المنبع، بعدم الإضرار بحقوق دولتي المصب.
مصر تشدد على "اتفاق ملزم"
من جانبه، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن إجراءات ملء السد الإثيوبي دون إبطاء، بحسب وسائل إعلام محلية.
عمرو حمزاوي: الولايات المتحدة لديها الكثير من أوراق الضغط التي ستساعدها في إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق ملزم بشأن النزاع حول سد النهضة
وقال الرئيس السيسي: إنّ "مصر والصومال توافقا حول خطورة السياسات الأحادية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية، وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة، لضمان عدم التسبب في ضرر لأيّ منها، وذلك اتساقاً مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة".
وأضاف "ومن ثم ضرورة التوصل بلا إبطاء إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل هذا السد، استناداً إلى البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي في أيلول (سبتمبر) 2021 حفاظاً على الأمن والاستقرار الإقليمي".
أين وصلت عملية الملء الثالث للسد؟
بحسب إحصاءات دقيقة رصدها أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بمعهد الدراسات الأفريقية الدكتور عباس شراقي، ونشرها عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وصلت عملية الملء الثالث للسد إلى (4) مليارات متر مكعب خلال شهر تموز (يوليو) الماضي.
ووفق شراقي، أظهرت الأقمار الصناعية يوم الإثنين 18 تموز (يوليو) بعد مرور (7) أيام من بدء التخزين الثالث اكتمال أكثر من مليار م3 من التخزين الثالث، مع استمرار فتح بوابتي التصريف (60 مليون م3/يوم)، وذلك رغم انتشار السحب فى منطقة سد النهضة.
ووفق الخبير المصري، بلغ إجمالي إيراد الأسبوع الثاني من تموز (يوليو) الماضي نحو (1.5) مليار م3، وتم تصريف نصف مليار م3 من خلال بوابتي التصريف وحجز المليار المتبقي.
وينوه شراقي إلى أنّ بعض الصور من الموقع تبين استمرار وضع الخرسانة، وذلك لمزيد من تعلية الممر الأوسط الذي يصل ارتفاعه حالياً حوالي (590) متراً فوق سطح البحر.
ويشير إلى أنّه من "المتوقع للتخزين الثالث أن يكون حوالي (5) مليارات م3، بالإضافة إلى تخزين العامين الماضيين ليصبح الإجمالي حوالي (13) مليار م3".
عباس شراقي: عملية الملء الثاني لسد النهضة وصلت إلى (4) مليارات متر مكعب نهاية تموز الماضي ولا بدّ من إجراءات عاجلة لحماية دولتي المصب
ويضيف الخبير المصري: إنّه "رغم وجود حوالي (9) مليارات م3 فى البحيرة إلا أنّ توربيناً واحداً فقط هو الذي يعمل وبأقل كفاءة (10% على الأكثر)، ممّا اضطر إثيوبيا إلى فتح بوابتي التصريف منذ منتصف آذار (مارس) الماضي، ولم يتم تشغيل التوربين الثاني حتى اليوم، وبالتالي فإنّ المرحلة الأولى التي كان مقرراً لها نهاية 2014 لم تتم حتى الآن".
وبحسب آخر تحديث لبيانات الملء الثالث للسد الإثيوبي، يقول الخبير المصري: إنّه "بمقارنة صور الأقمار الصناعية الأخيرة مع مثيلاتها من استخدام النماذج الرياضية على البيانات الرقمية ثلاثية الأبعاد (DEM) يتضح أنّ منسوب بحيرة سد النهضة قد ارتفع إلى منسوب (585) متراً فوق سطح البحر بعد مرور (12) يوماً من بدء التخزين، تم خلالها تخزين حوالي (2) مليار متر مكعب، وتمرير حوالي مليار متر مكعب واحد إلى السودان ومصر من خلال فتحتي التصريف وقليل من التوربين رقم (10)، وامتدت مياه البحيرة غرباً إلى مقربة (600) متر نحو سد السرج.
هل تملك الولايات المتحدة أوراقاً للضغط؟
بحسب أستاذ العلوم السياسية، مدير برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، عمرو حمزاوي، تمتلك الولايات المتحدة الكثير من أوراق الضغط التي ستساعدها في إقناع إثيوبيا بتوقيع اتفاق ملزم بشأن النزاع حول سد النهضة.
وأشار حمزاوي، خلال لقاء ببرنامج "حديث القاهرة" الإثنين الماضي، إلى أنّ "المشكلة الحقيقية تكمن في التعنّت الإثيوبي في عدم الاعتراف بحقوق دولتي المصب، مصر والسودان، في مياه النيل، وعدم قبولها بتوقيع اتفاق يلزمها بعدم الضرر".
وأوضح حمزاوي أنّ "الموقف المصري والسوداني قوي للغاية، ويقابله تعنّت إثيوبي، وأنّ الولايات المتحدة لديها علاقة اقتصادية قوية مع إثيوبيا تستطيع من خلالها التأثير عليها لدفعها لاتجاه تشاركي وتوافقي".
وأكد أنّ التعنت الإثيوبي لا علاقة له بالقانون الدولي، مشدداً على أنّ الموقف المصري والسوداني موقف قوي قانوناً.
وفي السياق، أشاد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، وعضو الجمعية الأمريكية للقانون الدولي، بتصريحات "دوتش روبرسبرجر" عضو الكونغرس الأمريكي، التي أكد فيها أنّ الولايات المتحدة يجب أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً في أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا.
وأكد أستاذ القانون الدولي أهمية دور الولايات المتحدة في ملف سد النهضة، موضحاً أنّها تستطيع الضغط على الجانب الإثيوبي، دبلوماسياً واقتصادياً، لإلزامه بالتفاوض للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لكافة الأطراف بشأن مواعيد ملء وتشغيل السد، بحسب وسائل إعلام محلية.
ودعا الاتحاد الأفريقي للعب دور رئيسي في معالجة هذه القضية الحاسمة، خاصة أنّ قضية المياه تتعلق بحياة الشعوب، وهي من أخطر الملفات التي تستوجب حلولاً عاجلة.
مواضيع ذات صلة:
- عيوب "جسيمة" في بنية سد النهضة... هل ينهار؟.. خبراء يجيبون