
عادت قضية تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية إلى الواجهة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مع تصاعد وتيرة الخطابات والمداولات في أروقة الكونغرس ومراكز الدراسات السياسية. هذه التحركات تأتي في وقت تتزايد فيه الانتقادات الموجهة للجماعة على المستويين الداخلي والخارجي، وتتنامى الشكوك حول شبكاتها المالية وتأثيرها على النسيج المجتمعي داخل الدول الغربية.
الملف ليس بجديد على واشنطن، فقد شهد فترات من الزخم خلال الإدارات الجمهورية، خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب في ولايته السابقة، قبل أن يتراجع تحت ضغوط الدبلوماسية والمؤسسات الأمنية.
اللافت في التحركات الحالية أنّها تأتي مدفوعة بمزيج من القلق الأمني والمخاوف من تنامي الإيديولوجيات المتطرفة تحت غطاء التنظيمات "غير المسلحة"، وهو ما يجعل إعادة النظر في وضع الجماعة على قوائم الإرهاب قضية "أمن قومي"، بحسب ما يصفها بعض المشرعين.
زخم متجدد بعد زيارة ترامب للشرق الأوسط
بحسب صحيفة (واشنطن فري بيكون)، فإنّ جهود تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية اكتسبت زخماً ملحوظاً خلال الأسابيع التي تلت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط. الزيارة، التي شهدت اجتماعات مكثفة مع قيادات عربية، أسهمت في إعادة ملف الإخوان إلى طاولة البحث السياسي والأمني في واشنطن، خاصة في ضوء توافق وجهات النظر بين ترامب وعدد من القادة العرب حول تهديد الجماعة للاستقرار الإقليمي.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ مصادر متعددة، من بينها مشرعون أمريكيون ومراكز بحثية، كشفت عن أنّ الإدارة الأمريكية تقترب من اتخاذ خطوة رسمية في هذا الاتجاه، وسط دعم تشريعي من بعض أعضاء الكونغرس الذين يرون في الجماعة تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة وحلفائها.
إحاطة مغلقة في الكونغرس: نحو استراتيجيات عملية
ضمن هذا الحراك السياسي، عقد معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات جلسة إحاطة مغلقة لموظفي الكونغرس، خُصّصت بالكامل لمناقشة "استراتيجيات حظر التهديد المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة"، بحسب ما ورد في بيان صحافي للمجموعة.
الاجتماع المغلق يعكس درجة الجدية في تناول الملف، ويفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة تتضمن استخدام أدوات قانونية واقتصادية لمواجهة ما يراه بعض المسؤولين "تغلغلاً إيديولوجياً" للجماعة في المجتمع الأمريكي، خاصة من خلال منظمات وجمعيات تعمل تحت ستار العمل المدني أو الخيري.
خيارات التشريع والقيود المالية
تفيد مصادر على اطلاع بالجهود الحالية بأنّ لدى المشرعين الأمريكيين "سبلاً متعددة لعرقلة جماعة الإخوان مالياً"، وهو ما يشير إلى توجه نحو تجفيف منابع التمويل المرتبطة بها أو المرتبطة بجمعيات قريبة منها.
تشمل هذه السبل مقترحات تشريعية لتوسيع صلاحيات وزارة الخزانة الأمريكية في مراقبة الأنشطة المالية للمنظمات المرتبطة بالإخوان، إضافة إلى تفعيل قوانين مكافحة تمويل الإرهاب. كما يُتداول في الكونغرس مقترح قانون يحمل اسم "قانون تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية"، سبق أن طُرح أكثر من مرة دون أن يحظى بالإجماع اللازم.
الخطوة المنتظرة، في حال إقرارها، قد تُمهّد أيضاً لفرض عقوبات على أفراد أو كيانات يُشتبه في انتمائها للجماعة، أو تعاونها معها، ممّا قد يُقيد حركة التمويل والأنشطة الدعوية والسياسية بشكل واسع.
المجتمع البحثي والحقوقي منقسم
رغم ما يبدو من دعم سياسي متصاعد لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، إلا أنّ المجتمع البحثي والحقوقي داخل الولايات المتحدة ما يزال منقسماً حول هذه الخطوة. فبينما ترى مراكز بحثية محافظة أنّ الجماعة تمثل تهديدًا مباشراً للأمن القومي وتعمل كمنصة إيديولوجية لخلق بيئة حاضنة للتطرف، فإنّ مؤسسات أخرى تُحذّر من تداعيات خطوة كهذه على الحريات الدينية والسياسية داخل أمريكا.
ويذهب بعض المعارضين للتصنيف إلى أنّ الجماعة، في صورتها الأمريكية، لم تنخرط في أعمال عنف مباشرة، وهو ما يُصعّب تصنيفها بموجب القوانين الفيدرالية الحالية. لكنّ الفريق الداعم للتصنيف يرى أنّ الخطر لا يكمن في السلاح، بل في الفكرة، وأنّ إيديولوجيا الجماعة هي البوابة التي مرّ عبرها عدد من المتطرفين، سواء داخل أمريكا أو خارجها.
سياق دولي ضاغط ودعم عربي للخطوة
على المستوى الدولي، يُعدّ الضغط العربي أحد العوامل الدافعة للولايات المتحدة نحو اتخاذ موقف أكثر صرامة من الجماعة. فعدد من الدول الحليفة لواشنطن، وعلى رأسها مصر والسعودية والإمارات، صنّفت جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً منذ أعوام، وتقدّم دلائل مستمرة على تورط كوادر الجماعة في التحريض على العنف وزعزعة الاستقرار.
وقدّمت هذه الدول مذكرات تفصيلية في لقاءات رسمية مع المسؤولين الأمريكيين، لشرح طبيعة تهديد الجماعة ونشاطاتها العابرة للحدود، بما في ذلك تمويل الإرهاب، واستخدام المنظمات غير الحكومية كغطاء لتحركات سياسية مشبوهة.
هذا التلاقي بين القلق الداخلي الأمريكي والدفع الخارجي العربي قد يكون هو ما يمنح التحركات الحالية زخماً غير مسبوق، ويعزز فرص اتخاذ قرار فعلي خلال المرحلة المقبلة.
هل تتكرر تجربة التصنيف؟
ليس هي المرة الأولى التي يُطرح فيها ملف الإخوان على طاولة التصنيف الإرهابي في واشنطن، فقد حاولت إدارة ترامب في عام 2017 الدفع بهذا الاتجاه، بالتوازي مع سياسات أكثر صرامة تجاه الإسلام السياسي، لكنّ الخطوة واجهت عراقيل داخل وزارة الخارجية، ومقاومة من بعض المؤسسات الأمنية والحقوقية.
اليوم، ورغم أنّ الإدارة الحالية أكثر تحفظاً في التعامل مع ملفات التصنيف الإرهابي، إلا أنّ التحركات البرلمانية قد تُرغمها على اتخاذ موقف أو على الأقل فتح النقاش مجدداً، خاصة إذا ما وُجد توافق بين الديمقراطيين والجمهوريين حول خطورة الإخوان كجماعة إيديولوجية عابرة للحدود.
ما بين السياسة والأمن
تبدو جهود تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية في الولايات المتحدة أقرب من أيّ وقت مضى، مدفوعة بزخم سياسي وتشريعي، وضغط من مراكز الفكر والتحليل الأمني. ومع أنّ القرار لم يُحسم بعد، فإنّ مجرد فتح النقاش بهذه الجدية، وإجراء جلسات إحاطة مغلقة، ومناقشة سبل العرقلة المالية، يشير إلى تحوّل نوعي في رؤية واشنطن للجماعة.
في حال إقرار التصنيف، ستكون له تداعيات واسعة، ليس فقط على الداخل الأمريكي، بل أيضاً على شبكات الجماعة في أوروبا والمنطقة العربية، التي لطالما استفادت من المساحات الرمادية التي تتيحها الدول الغربية. وبينما تترقب الأطراف كافة ما ستؤول إليه الأمور، يبقى ملف الإخوان أحد أبرز مؤشرات توازنات العلاقة بين الأمن والحريات في الغرب.