منذ نشأتها، لجأت جماعة الإخوان المسلمين إلى استراتيجيات مختلفة لتجنيد الشباب كوسيلة لبسط نفوذها السياسي والفكري، وتُعدّ قضية التجنيد إحدى القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً، ليس فقط بسبب تأثيرها على استقرار المجتمعات، بل أيضاً بسبب الطرق التي تعتمدها الجماعة لإقناع الشباب بفكرها المتطرف، حيث تعمل الجماعة على استغلال طاقات الشباب لإعادة تشكيل وعيهم، من خلال عمليات ممنهجة لغسل العقول وتطويعهم لخدمة أجندتها السياسية والدينية. واليوم مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والتطورات في وسائل الإعلام، طوّرت الجماعة أساليبها لتصبح أكثر تعقيداً واستهدافاً، وبينما تستمر في استغلال الدين أداة للإقناع، تصعّد جهودها لجذب الشباب عبر قنوات جديدة.
أساليب التجنيد: استغلال عاطفي ومنهجي
تعتمد جماعة الإخوان المسلمين على خطاب مزدوج يجمع بين العاطفة والإقناع المنهجي، تبدأ العملية باختيار الأهداف بعناية، ويتم التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً، مثل طلاب الجامعات أو الشباب الذين يعانون من مشكلات اقتصادية واجتماعية، وبحسب أحمد سلطان، الباحث في الإسلام السياسي، ترتكز الجماعة في البداية على تقديم نفسها كحركة دينية إصلاحية، ومن خلال الظهور بمظهر المدافع عن العدالة والدين تتمكن الجماعة من خلق جاذبية لدى الشباب الذين يشعرون بالإحباط من الأوضاع الراهنة، بعد ذلك تُستخدم حلقات نقاش دينية وثقافية لتقديم أفكار الجماعة بشكل تدريجي، مع ربطها بمفاهيم أخلاقية واجتماعية.
الخطوة التالية تكون تعزيز الانتماء الجماعي، وفيها يُطلب من الشباب المشاركة في أنشطة اجتماعية، مثل حملات العمل الخيري أو حلقات الذكر، لإشعارهم بأنّهم جزء من "عائلة" واحدة. يُساهم هذا الإحساس بالانتماء في تقليل ارتباط الشباب بمؤسسات الدولة أو المجتمع الأوسع، ممّا يسهل السيطرة على تفكيرهم.
غسل العقول: أدوات تغيير الفكر والسلوك
بعد ضم الشباب، تبدأ الجماعة بعملية ممنهجة لإعادة تشكيل وعيهم، وخلال هذه المرحلة يتم تقديم تدريبات فكرية ونفسية تركز على إلغاء التفكير النقدي واستبداله بالولاء المطلق للجماعة، ويشير خبراء إلى أنّ العزل الفكري هو أداة رئيسية تُستخدم في هذه المرحلة، حيث يُطلب من المجندين الابتعاد عن العائلة والأصدقاء الذين قد يعارضون أفكار الجماعة، كما يتم غمر الشباب في بيئة مغلقة تُقدم معلومات مشوهة تُظهر الجماعة كحركة مظلومة تسعى لتحقيق "مشروع إسلامي عالمي".
وتستخدم الجماعة العديد من التقنيات في هذه المرحلة بهدف إتمام عملية غسيل الأدمغة، منها التحفيز العاطفي من خلال عرض مقاطع فيديو وأحداث تُبرز ما تسميه الجماعة "اضطهاد المسلمين"، ويتم دمج ذلك مع نصوص دينية تُفسر بشكل انتقائي لدعم أجندة الجماعة، ممّا يؤدي إلى بناء قناعة داخلية لدى المجندين بأنّهم يخوضون "معركة مقدسة."
دور التكنولوجيا: التجنيد في العصر الرقمي
في الأعوام الأخيرة أصبحت التكنولوجيا وسيلة أساسية لتجنيد الشباب، وتعتمد الجماعة بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها، مستهدفة الفئات العمرية الصغيرة التي تقضي ساعات طويلة على هذه المنصات، كما تستخدم الجماعة استراتيجيات مثل تحليل البيانات للوصول إلى الشباب الأكثر عرضة للتأثر بخطابها، عبر إنشاء صفحات على (فيسبوك) أو مجموعات مغلقة على تطبيقات مثل (تليغرام)، للترويج لشعارات تتعلق بالعدالة والحرية، مع توجيه رسائل تتماشى مع اهتمامات الفئات المستهدفة. وأكدت دراسة أعدها مركز (تريندز للأبحاث) أنّ الجماعة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد اهتمامات الشباب ونقاط ضعفهم. وبمجرد جذب الانتباه، تبدأ المناقشات الفردية حيث يتم تعزيز العلاقة الشخصية بين المجند والجماعة، ممّا يُسهل عملية استدراجه نحو الفكر المتطرف.
الهدف: هدم المجتمعات
لا تقتصر عواقب تجنيد الشباب على الأفراد أنفسهم، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل، ويهدد وجود أعداد متزايدة من الشباب المرتبطين بالجماعة استقرار الدولة، حيث يصبحون أدوات تُستخدم لنشر الفوضى وتقويض المؤسسات الوطنية، ويرى الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، أنّ هذه الظاهرة تُشكل العبء الكبير على المجتمع، ليس فقط بسبب العنف الذي قد ينجم عنها، بل أيضاً نتيجة لاستنزاف الطاقات الشبابية في مشاريع هدامة. ويُضيف العمدة أنّ هذه العمليات تُضعف الروح الوطنية لدى الشباب، ممّا يؤدي إلى خلق فجوة بين الجيل الجديد والدولة، وهو ما تستغله الجماعة لتعزيز أجندتها.
كيف تواجه الدول مخططات التنظيم؟
بالرغم من الجهود المبذولة من قِبل الحكومات والمؤسسات المجتمعية، فإنّ التحديات المرتبطة بمكافحة تجنيد الشباب ما تزال قائمة. ويُشير درويش خليفة، الباحث في الإسلام السياسي، إلى أنّ الجماعة تُظهر مرونة كبيرة في تعديل استراتيجياتها لتناسب الأوضاع الجديدة، ممّا يجعل القضاء على عمليات التجنيد أمراً معقداً. ومن جهة أخرى يؤكد خليفة على أهمية المبادرات الشاملة التي تجمع بين التوعية المجتمعية، والإصلاح التعليمي، وتعزيز دور مؤسسات الدولة. ويرى أنّ الاستثمار في الشباب عبر توفير فرص العمل والتنمية يمكن أن يُسهم في تقليل تأثير الجماعة، حيث يشعر الشباب بأنّهم جزء من مشروع وطني أكبر.
ومن بين الحلول المطروحة لمواجهة ظاهرة التجنيد تعزيز دور التعليم في تنمية الوعي لدى الشباب، ويرى خبراء أنّ إدخال مناهج تعليمية تُركز على التفكير النقدي وقيم المواطنة يُمكن أن يكون أداة فعّالة لإحباط محاولات الجماعة لاستقطاب الشباب، وإضافة إلى ذلك يجب تعزيز دور المؤسسات التربوية في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، خاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل عائلية أو اقتصادية، ويُمكن للمعلمين والمربين أن يلعبوا دوراً في اكتشاف المؤشرات المبكرة للتأثر بالفكر المتطرف وتقديم الحلول المناسبة.