"تجميل الإرهاب"

"تجميل الإرهاب"


26/04/2021

يونس السيد

هل يكفي لرجل موغل في الدم والقتل والإرهاب أن يخلع عباءته ويشذب لحيته، أو حتى أن يرتدي لباساً عصرياً، للترويج لنفسه على أنه محارب للإرهاب؟ وهل يكفي مجرد تغيير اسم جماعته للمطالبة بإلغاء تصنيفها كجماعة إرهابية، كما يريد أبو محمد الجولاني زعيم «هيئة تحرير الشام» التي كان اسمها «جبهة النصرة» قبل الإعلان عن فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة».

 قد لا يبدو الأمر سريالياً تماماً، حين نتحدث عن إمكانية تغيير الشكل والظهور بمظهر جديد «نيو لوك»، وصولاً إلى تغيير المضمون، كما يفعل الجولاني الآن الذي يدعي أنه يتعرض هو وجماعته لظلم سياسي من جانب الغرب، على الرغم من أنه لا يكن له أي عداء ويسعى دائماً لأن يكون مقبولاً لديه. وهذه ربما تبدو أحجية من أحجيات الحرب السورية التي اقتربت من الانكشاف بعد سنوات الغموض الذي واكب التنظيمات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وعلاقاتها ومصادر تمويلها والأدوار التي رسمتها أو تلك التي رسمت لها. 

 يصرّ الجولاني، في مقابلة أجراها معه مراسل صحيفة «فرونت لاين» الأمريكية في إدلب في مطلع فبراير/شباط الماضي ونشرت مؤخراً، على أن جماعته لم تشكل تهديداً للغرب، وأن لديه معه مصالح مشتركة، مدعياً أنه يحارب من أجل إسقاط الحكومة السورية والقضاء على تنظيم «داعش». هذا الغرب الذي يعرض التعاون معه كان قد صنفه مع جماعته كمنظمة إرهابية، ورصدت الولايات المتحدة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. و«داعش» الذي يزعم محاربته الآن، كان قد اتحد معه عندما كان زعيماً ل«جبهة النصرة» وبايعا معاً تنظيم «القاعدة» قبل أن يختلفا مجدداً حول المال ومناطق السيطرة والنفوذ. وبالتالي كان لا بد من انتهاج مسار آخر يفضي إلى إقامة معقل جديد وتحصينه، لضمان الجلوس على طاولة المفاوضات في أي نسوية مستقبلية.

 هذا السيناريو يتم الترويج له منذ وقت طويل، لتلميع صورة الجولاني بهدف إلحاقه بما يسمى «المعارضة المعتدلة». وهنا قد تتحول السريالية إلى واقع، فمن ينظر إلى تجربة ما يسمى بمنظمة «الخوذ البيضاء» وكيفية تقديمها، بفضل الآلة الإعلامية الضخمة، كتجربة إنسانية لا مثيل لها في الكرة الأرضية، ولم تترك مجالاً سوى لذرف الدموع على أعضاء هذه المنظمة وهم ينتشلون رضيعاً من تحت التراب، أو يسعفون شيخاً أو امرأة مسنة، حتى تم ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، لولا انكشاف أمرهم بفضيحة مدوية بعد أن وجد مؤسس منظمتهم وهو رجل الاستخبارات البريطاني السابق جيمس لو ميسورييه ميتاً في إسطنبول، بصورة مريبة، ربما تؤشر على انتهاء دور هذه المنظمة بعد انكشاف حقيقة أن أبرز عناصرها من مسلحي الجماعات الإرهابية في سوريا، واعترافه باختلاس أموال مخصصة لها، فضلاً عن الرواتب الخيالية له ولزوجته ولمسؤول ثالث، وذلك قبل ثلاثة أيام فقط من موته. 

 وبالمحصلة، مهما جرت محاولات لتلميع الجولاني، فإنه لن يستطيع الاختباء خلف وجهه البشع ويديه الملطختين بالدماء، أو منع حقيقة ربما ستظهر لاحقاً من أنه كان صناعة غربية بامتياز.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية