تجار ومواطنون في غزة: لا مال لا أضحيات

تجار ومواطنون في غزة: لا مال لا أضحيات


28/07/2020

داخل سوق الحلال شرق مدينة غزة، المخصّص لبيع المواشي، تجوّل المواطن أبو أحمد جبر، لمعرفة أسعار الأضاحي المتوفرة هذا العام وأنواعها، مع اقتراب عيد الأضحى المبارك.

اقرأ أيضاً: بحر غزة يفيض بالأسماك وصيادوه في شباك العطالة والاعتقال

وبعد جولة استمرت حوالي ساعتين، غادر المواطن السوق دون أن يشتري الأضحية مثل كلّ عام، لعدم توافر المال الكافي لديه، وذلك لتعطّل أعماله منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، نتيجة الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا.

يذهب بعض الغزيين إلى أسواق بيع الأضاحي كمتفرجين فقط لعدم امتلاكهم المال الكافي للشراء

ولدى جبر كافتيريا لبيع المأكولات داخل إحدى الجامعات في قطاع غزة، اضطر لإغلاقها طوال الفترة الماضية، لعدم تواجد الطلاب في الجامعة، وأصبح من دون عمل، كحال كثيرين غيره، الذين تعطلت أعمالهم نتيجة حالة الطوارئ المعلنة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقفت متفرجاً على الأضاحي

ويقول أبو أحمد جبر لـ "حفريات": "في كلّ عام، قبل قدوم عيد الأضحى المبارك، أذهب إلى سوق الحلال كي أشتري الأضحية، لذبحها أول أيام العيد، وتوزيعها على الفقراء، لكن هذا العام ذهبت متفرجاً فقط، لعدم امتلاكي المال الكافي لشراء الأضحية".

صاحب أحد مزارع بيع المواشي في قطاع غزة محمد صلاح لـ "حفريات": نظراً لعدم مغادرة الحجاج لأداء الفريضة توقعنا أنّهم سوف يشترون الأضاحي بالأموال التي كانوا سوف يدفعونها للحج

ويكمل: "جائحة كورونا أثرت علينا كثيراً، خاصّة أننا نعمل بنظام المياومة، وفي حال تعطّل أعمالنا لا نستطيع توفير لقمة العيش، فهذا العام كان مختلفاً عن باقي الأعوام السابقة".

ويبيّن أنّه كان يدّخر ثمن الأضحية من خلال اقتطاع مبلغ من المال كلّ يوم، بعد الانتهاء من العمل، لكنّه هذا العام لم يتمكّن من ذلك، نظراً لتعطّل عمله، بسبب إغلاق الجامعات.

 الأزمة المالية التي تشهدها السلطة الفلسطينية أثرت بشكل كبير على قدرة المواطنين على شراء الأضاحي هذا العام

أما أبو محمود العيلة، الذي يعمل موظفاً في السلطة الفلسطينية، فأخبر أصدقاءه بأنّه لا يستطيع الاشتراك معهم بالأضحية هذا العام، وهو الأول له منذ عقدين من الزمن؛ نظراً إلى عدم تقاضيه راتبه كاملاً منذ ثلاثة أشهر، بفعل الأزمة المالية التي تشهدها السلطة الفلسطينية.

تأثير جائحة كورونا

ويقول في حديثه لـ "حفريات": إنّ "الأوضاع في قطاع غزة تزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، والناس بالكاد يستطيعون توفير أدنى متطلبات الحياة، بسبب قلة الرواتب، وتأثير أزمة كورونا التي عطلت الكثير من الأعمال، خاصة أصحاب الدخل اليومي".

ويضيف: "على الصعيد الشخصي، تأثرت كثيراً خلال هذه الفترة، نتيجة عدم صرف الرواتب بشكل كامل، ولم أستطع شراء الأضحية، ككلّ عام، في ظلّ الأزمة التي نمر بها، آمل من الله أن تفرّج علينا الأوضاع قريباً".

أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر معين رجب لـ"حفريات": جائحة كورونا، وأزمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، أثّرتا بشكل كبير على القدرة الشرائية فتعطّلت غالبية الأنشطة في قطاع غزة

ويشير إلى أنّ أسعار الأضاحي هذا العام في الأسواق مناسبة، لكنّ الأوضاع الراهنة، وقلّة السيولة المالية مع المواطنين نتيجة الأزمات، تجعلها مرتفعة السعر، ولا يستطيع أحد الإقبال عليها.

وأكدت وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة، وجود 42 ألف رأس من الأضاحي في أسواق القطاع، منهم 12 ألف رأس من العجول، و30 ألف رأس من الأغنام، وهو ما يسدّ احتياجات السوق.

كثيرون فقدوا وظائفهم

وكان تأثير جائحة كورونا، وأزمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، سلبياً على سكان قطاع غزة، خاصّة مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، فهناك الكثير من الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم الفترة الماضية، إضافة إلى تقاضي الموظفين 50% من رواتبهم، الأمر الذي زاد من حدّة الأزمة المالية التي يعاني منها سكان القطاع منذ عدة أعوام.

كان تأثير جائحة كورونا سلبياً على سكان قطاع غزة، خاصّة مع اقتراب عيد الأضحى المبارك

ويشتكي أصحاب مزارع بيع المواشي في قطاع غزة من حالة الركود، وعدم الإقبال على شراء الأضاحي، رغم اقتراب عيد الأضحى المبارك، الأمر الذي قد يسبّب لهم خسائر مادية كبيرة.

بعد خمسة أيام من التواجد في سوق الحلال والانتظار لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، لم يبع تاجر الأغنام، أحمد النباهين، سوى رأسَين من الأغنام، من أصل عشرات يمتلكها، بسبب عدم الإقبال على شراء الأضاحي لهذا العام.

أسوأ المواسم

ويشير النباهين، في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ "هذا الموسم من أسوأ المواسم على الإطلاق، وأنّه في مثل هذه الأيام من كلّ عام يكون قد باع ما يقارب ٣٥ رأساً من الأغنام، على عكس هذا العام".

اقرأ أيضاً: هل أصبح شاطئ البحر في غزة للأغنياء فقط؟

ويبيّن أنّه اضطر إلى خفض أسعار الأغنام الأصلي، والاكتفاء بربح مبلغ زهيد من المال، حتى يتمكّن من جمع ثمن الأغنام، ودفعها إلى أصحاب المزارع، ورغم ذلك لم يبع إلا عدداً قليلاً منها.

وفي السياق ذاته؛ يقول محمد صلاح، صاحب أحد مزارع بيع المواشي في قطاع غزة، لـ "حفريات": "توقّعنا أن يكون هذا الموسم أفضل من سابقه، نظراً لعدم مغادرة الحجاج لأداء فريضة الحج هذا العام، بسبب فيروس كورونا، وأنّهم سوف يشترون الأضاحي بالأموال التي كانوا سوف يدفعونها للحج".

يشتكي أصحاب مزارع بيع المواشي في قطاع غزة من حالة الركود، وعدم الإقبال على شراء الأضاحي

ويضيف وهو يطعم الأبقار: "للأسف، ما حدث هو عكس توقعاتنا؛ فعلى الرغم من اقتراب عيد الأضحى إلا أننا لم نبع سوى عشرين رأساً من أصل ٣٠٠، وهذا العدد قليل جداً بالنسبة إلى الأعوام السابقة، وهذا مؤشر على ضياع موسم الأضاحي الذي ننتظره بفارغ الصبر لتحقيق الأرباح".

التخلي عن الأضاحي رغم التقسيط

ويبيّن صلاح أنّهم قرروا اتباع نظام جديد لبيع الأضاحي لتفادي الخسائر المادية، وهو البيع بالتقسيط، إلا أنّ غالبية المواطنين تخلوا عن شراء الأضاحي هذا العام، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، لافتاً إلى أنّ الباعة في سوق الحلال أكثر من المشترين.

اقرأ أيضاً: "كوماندوز".. فريق شبابي يتحدّى البطالة في غزة

من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، معين رجب إنّ "قطاع غزة يعاني من حصار إسرائيلي خانق، منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً، وجائحة كورونا، وأزمة رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، أثّرتا بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين، وزادتا من معدلات الفقر والبطالة؛ حيث إنّ أكثر من نصف سكان القطاع أصبحوا فقراء، وهذا ينذر بكارثة إنسانية".

عدم الإقبال على شراء الأضاحي لا يؤثر على مربّي وتجار المواشي فحسب؛ بل هناك عدد من المهن مرتبطة بهذا الموسم

وبفعل أزمة كورونا تعطّلت غالبية الأنشطة في قطاع غزة، وكثير من أصحاب الدخل اليومي خسروا مصدر رزقهم، بحسب رجب، "وانضمّ نحو 45 ألف عامل إلى صفوف البطالة، إضافة إلى اقتطاع ٥٠٪ من رواتب موظفي السلطة، الأمر الذي أدّى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي في القطاع المحاصر".

حركة شرائية معدومة

ويبيّن أنّ الوضع الاقتصادي الذي يشهده قطاع غزة في الوقت الراهن، أثّر بشكل كبير في الحركة الشرائية قبل عيد الأضحى المبارك، لا سيما الإقبال على شراء الأضاحي.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل مافيا المولّدات الكهربائية في قطاع غزة؟

عدم الإقبال على شراء الأضاحي لا يؤثر على مربّي وتجار المواشي فحسب؛ بل هناك عدد من المهن مرتبطة بهذا الموسم، وأصحابها ينتظرونه بفارغ الصبر، كحال أحمد عمر، الذي يعمل في مهنة ذبح الأضاحي منذ خمسة عشر عاماً.

 هذا العام مختلف تماماً؛ نظراً إلى ضعف الحركة الشرائية على الأضاحي

ويقول لـ "حفريات": "في مثل هذه الأوقات من كلّ عام، قبل عيد الأضحى المبارك، لا أستقبل حجوزات من المواطنين لذبح الأضاحي، لأنّ العدد يكون قد اكتمل، لكنّ هذا العام مختلف تماماً؛ نظراً إلى ضعف الحركة الشرائية على الأضاحي.

اقرأ أيضاً: كيف تحوّلت غزة من مصدّر للورود إلى مستورد لها؟

ويعيش ما يزيد عن مليوني فلسطيني بقطاع غزة في أوضاع اقتصادية ومعيشية حرجة جداً، بفعل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض لأكثر من 12 عاماً، وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ فإنّ 45 ألفاً فقدوا عملهم بسبب (كورونا) ومعدل الفقر ارتفع لـ 53%.

الصفحة الرئيسية