هل أصبح شاطئ البحر في غزة للأغنياء فقط؟

هل أصبح شاطئ البحر في غزة للأغنياء فقط؟


24/06/2020

لم يترك أحمد باباً إلا وطرقه؛ بحثاً عن فرصة عمل بعد تخرجه من الجامعة، لكنّ محاولاته كافة باءت بالفشل، فاضطر أن يبيع المشروبات الساخنة على شاطئ بحر مدينة غزة "الكورنيش"، ليستطيع تأمين متطلبات حياته اليومية، لكنّه سيفقد مصدر رزقه قريباً، بعد إزالة بلدية غزة جميع العربات التي وصفتها بالعشوائية، واستبدالها بأكشاك ثابتة مدفوعة الثمن بذريعة تجميل الواجهة البحرية وتطويرها. 

أثار قرار بلدية غزة باستبدال العربات المتنقلة والبسطات المنتشرة على طول الشاطئ بأكشاك مرخّصة استياء النشطاء على مواقع التواصل

ليس باستطاعة الشاب البالغ من العمر (٢٨ عاماً)، تأمين مبلغ (٢٥٠٠ دولار)، ليدفعه للبلدية كلّ عام مقابل استئجار كشك لا يتجاوز المترين، طولاً وعرضاً؛ فهو يخشى مصادرة عربته بأي وقت لعدم التزامه بالقوانين الجديدة.

ارتفاع الأسعار

وأثناء تقديمه فنجان القهوة لأحد زبائنه، الذي اعتاد شراء القهوة منه بشكل يومي، قال له مازحاً: "اليوم تشتري كاسة القهوة بشيكل واحد، الأسبوع الجاي رايح يرتفع سعرها لـ خمسة شواكل (ما يعادل دولاراً ونصف الدولار) بسبب التنظيم الحضاري الخاص بالبلدية". 

تصوير "علي مصطفى - حفريات"

ويضيف أحمد لـ "حفريات"، وهو يقلب نظره، يميناً وشمالاً، خوفاً من أن تداهمه شرطة البلدية، وتصادر عربته: "أعمل على هذه العربة منذ سبعة أعوام؛ فهي مصدر رزقي الوحيد، نظراً لندرة فرص العمل بالقطاع، ونعتمد على فصل الصيف اعتماداً أساسياً، ولكن هذا العام سيكون مختلفاً تماماً؛ بسبب إجراءات البلدية الجديدة".

المواطن الغزيّ أحمد أعرب لـ "حفريات"، عن مخاوفه وهو يقلّب نظره، خوفًا من أن تداهمه شرطة البلدية وتصادر عربته

ويردف قائلاً: "نحن لسنا ضدّ أن يكون شاطئ البحر جميلاً، لكن يجب مراعاة الظروف الاقتصادية التي نمر بها، فأنا لم أدّخر شيئاً من المبلغ الذي أجنيه من تلك العربة، فهو بالكاد يكفي مصروفي الشخصي؛ حيث إنّني لم أتزوج حتى الآن نظراً لعدم امتلاكي تكاليف الزواج".

وفي حال استطعت تأمين المبلغ ودفعه هذا العام للحصول على كشك جديد، يتابع، "فإنّني لن أتمكن من جمعه مرة أخرى، نظراً لمحدودية العائد المادي الذي أحصل عليه من خلال البيع"، موضحاً: "لو كنت أمتلك المبلغ المطلوب لكنت في مكان غير هذا المكان".

تصوير "علي مصطفى - حفريات"

بحر غزة للأغنياء فقط

ويفيد بأنّ البائع ليس المتضرر الوحيد من عملية التنظيم التي شرعت بها البلدية فحسب، وإنما الفقراء؛ حيث إنّ شاطئ البحر "الكورنيش" يعدّ مقصدهم الوحيد خلال فصل الصيف، ولكن هذا المكان سيكون للأغنياء فقط، بعد فرض رسوم على تأجير الأكشاك، بالتالي؛ سوف ترتفع الأسعار إلى عدة أضعاف، الأمر الذي سيزيد الأعباء على الفقراء. 

وتعدّ العربات المتنقلة على شاطئ البحر، ومتفرقات الطرق، مصدر رزق الخريجين، الذين لم يتمكنوا من الحصول على فرص عمل في مجال دراستهم، وأصحاب المهن التي تعطلت بفعل الحصار الإسرائيلي، وارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت نسبتها 80 %. 

تصوير "علي مصطفى - حفريات"

وعلى بعد أمتار من أحمد؛ يتواجد بلال، صاحب القامة الطويلة والبشرة السمراء، وقد كان منشغلاً بإعداد الذرة المسلوقة، فهو يعمل على الكورنيش منذ تسعة أعوام، استطاع خلالها ادّخار (١٥٠٠ دولار) للزواج، لكنّه اضطر إلى دفع هذا المبلغ كدفعة أولى مقابل الحصول على كشك بدلاً من العربة التي يقف عليها.

تأجيل الزواج إلى أعوام قادمة

ويقول لـ "حفريات": "أفنيت تسعة أعوام من عمري في العمل، وجمعت هذا المبلغ بشقّ الأنفس كي أتزوج كباقي الشباب، لكن لا يوجد باليد حيلة، فأردت الحفاظ على مصدر رزقي الوحيد، وتأجيل الزواج إلى الأعوام القادمة، لأنّ الحصول على عمل في غزة أشبه بالمستحيل في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة". 

بلال لا يعارض تجميل الواجهة البحرية، وأن تصبح بشكل حضاري، "لكنّ المبلغ المحدّد لامتلاك كشك كبير جداً بالنسبة إلى بائع لا يتجاوز دخله اليومي ٢٠ شيكل، فهذا مبلغ بسيط، خاصة بالنسبة إلى المتزوجين الذين لديهم مسؤوليات". 

تصوير "علي مصطفى - حفريات"

ويوضح: "ينقصني (١٠٠٠ دولار)، من المبلغ المطلوب للحصول على كشك مرخص من البلدية، لن أستطيع إكماله الآن، مطالباً البلدية، والجهات المسؤولة الوقوف إلى جانبهم، وتخفيض الأسعار ليستطيع كافة البائعين امتلاك أكشاك". 

أما أبو زكريا، فاضطر أن يعمل بائعاً متجولاً في المكان المذكور، وفي أماكن أخرى يبيع "الترمس والفول النابت"، على عربة صغيرة، بعد أن أغلق مصنعه الخاص بصناعة الحلويات نتيجة تراكم الديون.

واليوم، يفقد هذا البائع مصدر رزقه، مرة أخرى، بعد مصادرة البلدية العربة التي يبيع عليها، لعدم التزامه بالشروط الجديدة، واستئجار مكان مخصص للبيع على شاطئ البحر.

"البلدية لا ترحمنا أبداً"

ويقول لـ "حفريات": "البلدية لا ترحمنا أبداً، وتريد أن تقاسمنا في لقمة عيشنا، وتزيد طين أوجاعنا بلة، فكيف يريدون أن أدفع لهم (٢٥٠٠ دولار أمريكي) سنوياً، والأوضاع تزداد سوءاً، والمواطنون لا يقبلون على الشراء كالسابق لتوقف العديد من الأعمال بسبب جائحة كورونا". 

تصوير "علي مصطفى - حفريات"

وأثار قرار بلدية غزة باستبدال العربات المتنقلة والبسطات المنتشرة على طول شاطئ بحر قطاع غزة، بأكشاك مرخّصة رسمياً، يتم استئجارها من قِبل البائعين، الغضب في الشارع الغزي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. 

رئيس بلدية غزة، يحيى السراج لـ"حفريات": المبلغ الذي سيدفعه البائعون سيكون مقابل حصولهم على كشك ثابت مزود بكافة الخدمات

وعبّر المواطن أبو أحمد الخطيب عن استيائه الشديد من الخطوة الجديدة التي أقدمت عليها البلدية، وتحويل منطقة الكورنيش، التي تعدّ مكان اصطياف الفقراء في غزة، إلى أماكن مدفوعة الثمن". 

ويقول لـ "حفريات": "الاستراحات والمطاعم في قطاع غزة للأغنياء فقط، وليس باستطاعتي الذهاب إليها، ويعدّ شاطئ البحر المتنفس الوحيد للفقراء، لذلك أذهب أنا وأسرتي إلى "الكورنيش"، لوجود أماكن مجانية للجلوس، وتكلفة المشروبات من العربات المتجولة أقلّ بكثير من الأماكن الأخرى".

ويضيف: "بعد مشروع تأجير الأكشاك، وإزالة المقاعد المجانية، وتخصيص أماكن مدفوعة الثمن بدلاً منها، لن يبقى مكان للفقراء على شاطئ البحر، وهذا يعدّ استغلالاً للمواطنين، وزيادة الأعباء عليهم بدلاً من مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم". 

تصوير "علي مصطفى - حفريات"

بدوره، استنكر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، طلال أبو ظريفة، إلزام الباعة على شاطئ بحر غزة بدفع رسوم اشتراك مقابل حصولهم على كشك بحدّ أدنى ٢٥٠٠ دولار تدفع سنوياً. وصرح  لـ "حفريات": "لا يعقل أن تتجه بلدية غزة إلى تجميل الواجهة البحرية بمعزل عن إيجاد حلول للقضايا المهمة، وعلى رأسها مشكلة الشبان العاطلين عن العمل، والقضاء على كافة أشكال الفقر في القطاع المحاصر الذي ارتفعت نسبته إلى (٨٠٪)، في الثلث الأول من العام الحالي.

ماذا ردّ رئيس بلدية غزة؟

ففي المقابل، يؤكد رئيس بلدية غزة، يحيى السراج؛ أنّ المصادقة على تنفيذ المشروع الجديد تمّت بعد دراسة معمقة، وأنّه كان بهدف إزالة كافة التعديات، وللتخلص من العشوائية على طول شاطئ البحر". 

ويقول لـ "حفريات": "الهدف من المشروع الجديد ليس التجارة، كما يشاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو زيادة العبء على الفقراء، وإنما بهدف الحصول على منظر حضاري يليق بسكان القطاع، وتنظيم الشاطئ".

ويضيف: "المبلغ الذي سيدفعه البائعون سيكون مقابل حصولهم على كشك ثابت مزود بكافة الخدمات (مياه وكهرباء)، وهو أفضل من عملهم السابق؛ إذ إنّهم كانوا يتحملون نفقات نقل البضائع والعربات بشكل يومي". 

تصوير "علي مصطفى - حفريات"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية