الجزائريون يضحون بالأضحيات: مخاوف من كساد سوق المواشي

الجزائريون يضحون بالأضحيات: مخاوف من كساد سوق المواشي


26/07/2020

يبدي تجار المواشي بالجزائر مخاوف متزايدة من كساد أسواق الأضاحي قبل حلول موعد عيد الأضحى، ما دفع عدة متعاملين، تحدثوا لـ "حفريات"، إلى توقع ضرر اقتصادي كبير، بعد أن فرضت السلطات إجراءات استثنائية ضدّ تسويق المواشي، بعد تفشي وباء كورونا وإصابته لـ 21 ألف شخص، قضى منهم 1068. 

وفي بلد يمتلك 26 مليوناً من الماشية؛ تشهد نقاط البيع الرسمية ركوداً لافتاً؛ على خلفية الطوارئ المترتبة عن تمدّد وباء كورونا؛ والتدابير الحكومية الاستثنائية، إلى جانب الغلاء الفاحش لرؤوس المواشي.

...

وفي جولة قادت مراسل "حفريات" عبر عدة مناطق بالعاصمة الجزائر وضواحيها؛ هيمنت الرتابة على المشهد، في وقت برزت سخونة الأسعار، على نحو جعل الأضحية الجيدة لا ينزل سعرها تحت 55 ألف دينار (ما لا يقل عن 260 دولاراً).

وقال سعيد، البائع المخضرم: "هناك قلة إقبال واضحة، وخلافاً للأعوام الماضية، فإنّ حركة البيع محدودة، والوضع لا يبشر بالخير"، كما أيّد الباعة، أحمد ورزقي وبشير، رأي زميلهم، وتوقعوا الأسوأ في حال عدم انتعاش الوضع، وركّزوا على أنّهم سيتكبدون خسائر جسيمة ما لم تحدث صحوة ما.

جيلالي عزاوي، رئيس الفيدرالية الجزائرية لمربيي المواشي لـ"حفريات": هناك صعوبة في تسويق الأضاحي بعد فرض الحكومة تدابير صارمة لكبح كورونا؛ وهو ما حرم الموالين من التنقل إلى العاصمة

وفي تصريح لـ"حفريات"؛ أبرز جيلالي عزاوي، رئيس الفيدرالية الجزائرية لمربيي المواشي، صعوبة تسويق الأضاحي بعد فرض الحكومة تدابير صارمة لكبح جائحة "كوفيد 19"؛ وهو ما حرم الموالين من التنقل إلى العاصمة الجزائر وكبرى الحواضر؛ إثر حظر دخول سائر المركبات الناقلة للمواشي.

وركّز عزاوي على تبعات قيام حكومة رئيس الوزراء، عبد العزيز جراد، بحظر كلّ التجمعات بما فيها أسواق المواشي، ومنعها نقاط البيع غير الرسمية، للحيلولة دون تفشي كورونا، بالتزامن، تراجع الإقبال عن اقتناء الأضاحي غداة إقدام اللجنة الحكومية للفتوى بإسقاط شعيرة النحر عن كلّ من يخشى عدوى كورونا، بما يشير إلى استمرار شللية سوق المواشي خلال الفترة القليلة القادمة.

...

ورغم تلويح فريق من الباعة بتخفيض مرتقب لأسعار الأضاحي؛ إلاّ أنّ الخبير الاقتصادي، أحمد لعلالي، يتوقع تكرّس الهزال؛ خصوصاً مع معاناة غالبية مواطنيه مادياً؛ بفعل تبعات الحجر الصحي، واضطرار أصحاب المهن الحرة التوقف عن النشاط منذ عدة أشهر.

لهيب رغم الوفرة

تعرف مختلف محافظات الجزائر هذه الأيام "لهيباً" في أسعار الأضاحي، رغم الوفرة الكبيرة في المواشي، وهو ما يعزوه المتعامل، أحمد قاسمي، إلى "السماسرة" الذين يجنحون كلّ عام إلى المزيدات رغم أنف الرقابة.

وعلى وقع أكبر من السنة المنقضية، تراوحت أسعار الأضاحي المتوسطة الحجم ما بين 38 ألف دينار و45 ألف دينار (ما يعادل بين 200 و260 دولاراً)، بينما وصل ثمن الأكباش الجيّدة إلى 90 ألف دينار (حوالي 800 دولاراً).

اقرأ أيضاً: هذا ما انتهت إليه مباحثات روسية جزائرية حول ليبيا

هذا "الجنون" زاد من إقناع الموظفين محدودي الدخل بجدوى إسقاط الأضاحي من الروزنامة، وطرح أسئلة متجددة عن وضع الأسواق المحلية.

ولم يختلف وضع باقي أسواق محافظات الجزائر عن نظيرتها في العاصمة؛ حيث يظلّ سعر الأضاحي في القمة، وسط توقعات بارتفاعات أكبر في قادم الأيام، بالتزامن مع المغالاة في أسعار الخضروات والفواكه على نحو نسف توازنات أصحاب الرواتب الضعيفة.

...

وفي بلد يشهد غلاءً فاحشاً لأسعار اللحوم الحمراء، بواقع 1400 دينار للكيلوغرام الواحد (بحدود 14 دولاراً)، خاب مسعى كثيرين، وفي أحد متاجر بوزرينة، وسط العاصمة الجزائر، قال الجيلالي (أب لــ 5 أطفال) في غضب لمراسل "حفريات": "التجار المجانين فخّخوا كلّ شيء".

تتراوح أسعار الأضاحي المتوسطة الحجم ما بين 38 ألف دينار و45 ألف دينار (ما يعادل بين 200 و260 دولاراً)، أما الأكباش الجيّدة فبــ 90 ألف دينار (حوالي 800 دولاراً)

وأردف إسماعيل، الموظف في شركة لسكك الحديد: "المواشي تضاعف سعرها في غياب السلطات، أين هي الرقابة؟!"، بينما علّقت نجية في استياء مشوب بسخرية: "طبعاً حكومة رئيس الوزراء، عبد العزيز جراد، متحكّمة في الوضع"، في حين شدّد سليمان وشوقي ورضوان وغيرهم من الباعة على أنّ أصل المشكلة "ناجم عن تراجع نشاط الموّالين بفعل تداعيات إجراءات الحجر الصحي المتصلة بتمدّد وباء كورونا في البلاد".

على النقيض؛ أكّد الخبير سليم بن عبد الرحمن أنّ ما يحدث إفراز لما سماه "هيمنة مافيا الأسواق"، و"تفشّي المضاربة"، وجزم محدّثنا بأنّ "الوسطاء نجحوا مجدداً في هزم الحكومة"، رغم وجود الملايين من رؤوس الماشية، منتقداً "الغياب التام للسلطات"، رغم حديث الدوائر الرسمية عن تسقيف الأسعار وضبط الحراك التجاري.

تحدٍّ صحيّ والفيسبوك يدخل على الخطّ  

تؤكد الخبيرة الاجتماعية، أمينة قادري، أنّ الرهان الحالي يتركّز في التحدي الصحي، وهذا المعنى أكّده الوزير السابق لشؤون الدين، بوعبد الله غلام الله، بقوله: "ما يجري مضرّ اقتصادياً، لكنه مجدٍ صحياً، بعد أن صار الأمر مصدر قلق كبير، لا سيما لدى المهنيين، بالنظر للظروف الصحية التي تعزز انتقال الفيروس القاتل".

...

ويشير أحمد شريفي، الذي يملك مزرعة بضاحية بئر توتة غرب العاصمة: "المبيعات قليلة جداً، لكننا نؤثر السلامة ونفضّل بيعاً قليلاً مقابل سلامة أكبر، لذا نحرص على احترام كافة الشروط الصحية للوقاية من تفشي وباء "كوفيد 19"، ونفرض إلزامية ارتداء الأقنعة الواقية وغسل اليدين بالمحلول الكحولي، وتحديد دخول زبونين فقط دفعة واحدة".

والمثير للاهتمام؛ أنّ عدة باعة أنشأوا مجموعات على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، هذه الأخيرة صارت "وسيلة فعّالة" لاستقطاب الزبائن من كافة البلدات والمناطق؛ إذ يتمّ نشر صور المواشي وأحجامها وأسعارها دون الحاجة إلى التنقّل، على نحو استهوى قطاعاً واسعاً من الجزائريين، الذين رأوا الطريقة أكثر فعالية، وتستبعد محاذير كورونا التي تنتشر بشكل مقلق محلياً.

اقرأ أيضاً: حركة رشاد الإخوانية تمهد لعودة سنوات الدم في الجزائر

ويؤكد الطبيب البيطري، حميد مالك، على أهمية النظافة والتدابير الوقائية لتفادي تفشي جائحة "كوفيد 19" خلال فترة عيد الأضحى، من خلال غسل الأدوات المستعملة في عملية نحر وسلخ الأضحية (السكاكين وأداة النفخ)، ووضع محلول الجافيل في المياه المستخدمة، مع تنظيف وتكليس مكان الذبح بمجرد استكمال عملية النحر عن طريق الجير من أجل "إزالة أيّ مصدر محتمل لتفشي هذا الفيروس".

من جانبه، أوصى الطبيب البيطري، فتحي خرفي، بأنّ "فيروس كورونا ينتقل في حال أتيحت الظروف الملائمة لتطوره، ويزداد الأمر حساسية بطقوس نحر أضحية العيد، وهي اللعاب والسعال والدم والرطوبة ونقص النظافة، بما يقتضي الالتزام الصارم بشروط الأمن والسلامة والنظافة في أجواء عيد الأضحى لتفادي انتشار أكبر لوباء كورونا".

بورصة المبارزات مستمرّة

رغم جائحة كورونا والموانع الرسمية والصحية، تحافظ "بورصة المبارزات بين الكباش" على "ازدهارها" في عدة محافظات بالجزائر، مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، ويؤكد حبيب (19 عاماً)، وسمير (42 عاماً)، اللذان ينشطان في هذه المبارزات؛ أنّ رقم الأعمال ما يزال عالياً بفعل اتساع المراهنات في ممارسة تدرّ أموالاً كثيرة.

...

ومع اقتراب العيد؛ يراهن كثيرون على استغلال الفرص لمضاعفة أرباحهم، تبعاً لإقبال مواطنيهم على متابعة المنازلات التي يتم التحضير لها بتلقين الكباش القوية فنيات النطح ومهارات المناورة، على منوال الكبش المسمى "البوق"، الذي يتم الدفع به في مبارزات تخضع لمفاوضات وتنتابها مضاربات ومشاحنات.

ويصل رقم أعمال "مبارزات الأكباش" إلى مئات الملايين من الدنانير الجزائرية، وتشهد أيضاً مراهنات باليورو والدولار، بعد دخول المغتربين، فضلاً عن السوريين والأفارقة، على الخطّ.

اقرأ أيضاً: "حمس" الإخوانية تؤدي دور الذراع التركية في الجزائر

ويشير الدكتور عبد الكريم غريبي إلى أنّ "الكبش، في المقاربة الأنثروبولوجية، يعدّ في الثقافة الجزائرية امتداداً فيزيولوجياً ورمزياً للقوة والمصارعة، لذلك نجد الجزائري يستعمل دماغه في الضرب والمباغتة".

ويقول غريبي لـ "حفريات": "مبارزات الأكباش تعدّ عملية تنفيسية وتعويضية للعنف الاجتماعي والنفسي، وهي ظاهرة إنسانية معروفة لدى الإنسان البدائي، وممتدة في الزمن إلى اليوم، ونجدها في صراع الثيران والديكة والأكباش، كما أنّ الإنسان ابتكر الرياضة بكلّ أنواعها لاستبدال أشكال الصراع بين البشر".

...

ويضيف محدثنا: "تعدّ التراجيديا مثلاً شكلاً من أشكال الاستفراغ والتطهير من العنف، وبدأت بخرافات الصراع بين الوحوش والبشر، ثمّ قام الإنسان بالتجريد عبر الصراع بين الآلهة والإنسان ثم بين البشر".

ويتصور الدكتور غريبي؛ أنّ الأنثروبولوجيا عبّرت عن ذلك بعملية الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة، لكنّ الطبيعي الوحشي لا ينتهي؛ بل يبقى حاضراً في المجتمعات مثل الأفريقية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية