بين تنظيم داعش وجماعة الإخوان... تقارب فكري وعداء على السلطة

بين تنظيم داعش وجماعة الإخوان... تقارب فكري وعداء على السلطة

بين تنظيم داعش وجماعة الإخوان... تقارب فكري وعداء على السلطة


09/10/2024

أخذ الصراع بين فصائل تيار الإسلام السياسي وحركاته منحى شديد التوتر والخطورة، فكما نشاهد الصراع بين (داعش والقاعدة) في أفريقيا، ظهر اليوم صراع جديد بين تنظيم الدولة وجماعة الإخوان، ورغم أنّه ليس صراعاً جديداً، لكنّه يأخذ يوماً بعد يوم اتجاهات شديدة الخطورة، في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم الإسلامي، بهدف تحديد مسار المستقبل.

ووفق مقالة نشرها موقع (البوابة) الإخباري، فإنّ الحركات الإسلامية الجهادية، وعلى رأسها تنظيم داعش، تعمد إلى استهداف الحركات الإسلامية التي تعمل بالسياسة مثل جماعة الإخوان، متهمة إيّاها بالانحراف عن "الطريق الصحيح"، والتخلي عن مبادئ الجهاد لصالح تحالفات سياسية مشبوهة، وهذا الهجوم ليس مجرد خلاف إيديولوجي، بل يمثل صراعاً أكبر على الشرعية الدينية والسياسية في العالم الإسلامي.

في هذا السياق، يسعى تنظيم داعش إلى ترويج نفسه كحارس للإسلام الصحيح في مواجهة "المرتدين"، بينما تواصل جماعة الإخوان، ولو ظاهريّاً، تبنّي المسار السياسي.

الخطاب الافتتاحي في جريدة (النبأ) التي تصدر عن تنظيم داعش، يعكس هذا الانقسام الداخلي بين الإسلاميين حول منهج التغيير في العالم الإسلامي.

تحليل الخطاب الافتتاحي في جريدة (النبأ) التي تصدر عن تنظيم داعش، يعكس هذا الانقسام الداخلي بين الإسلاميين حول منهج التغيير في العالم الإسلامي.

الافتتاحية مكتوبة بلغة قاسية، تتسم باستخدام مكثف للمفردات الدينية والسياسية، وتعتمد على أسلوب التحريض والشحن العاطفي. ومن بين الألفاظ المستخدمة "الكفرة"، "الفجرة"، "الرافضة"، "الخونة"، "المرتدون"، وهي كلمات لها دلالات شديدة العدائية، تعبّر عن استقطاب حاد، وتستخدم النصوص القرآنية لتبرير الأعمال والمواقف بشكل ضمني، مثل استخدام الآية "وَكَذَٰلِكَ نُوَلّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا"، ممّا يعزز منطق "التدافع" بين القوى الجاهلية في هذا السياق.

وأكد موقع (البوابة) أنّه خطاب موجّه بالأساس لجمهور يشارك التنظيم المعتقدات نفسها، ويعتمد على آليّة "نحن مقابل هم" التي تخلق ثنائية الصديق والعدو، حيث "نحن" يمثلون "أهل السنّة والمجاهدين"، و"هم" يمثلون "الكفار والرافضة واليهود، ويسعى خطاب تنظيم داعش لشرعنة العنف ضد جماعات معينة مثل الشيعة والإخوان، ويعتبرهم أعداءً رغم وجود صراع أكبر مع اليهود

ويحاول التنظيم هنا تقديم نفسه كـ "الحارس الحقيقي" للإسلام، ويصور أنّ الصراعات القائمة بين أعداء الإسلام هي "سنن إلهية" تساعد المسلمين على الاستفادة منها، ويصور الإخوان أنّهم خونة يتعاونون مع "الشيعة"، وهو خطاب يعزز المفهوم الهوياتي للتنظيم كحامٍ للعقيدة الصحيحة، ويشرعن كل أشكال العنف ضد الآخرين.

أحد مقاتلي تنظيم الدولة

ويتبنّى خطاب تنظيم داعش موقفاً حازماً ضد أيّ شكل من أشكال التعاون مع "الشيعة"، ويصف هذا التعاون بالخيانة والذلة.

تنظيم داعش يتهم الإخوان بانتهاك مبدأ "الولاء والبراء" في الإسلام، ويزعم أنّهم تحالفوا مع إيران والشيعة، وأصبحوا أدوات في يد العدو المشترك.

ويحاول التنظيم تقديم نفسه على أنّه الخيار الوحيد للمسلمين، مستفيداً من الفكر الثنائي الذي يعتبر أنّ كل طرف آخر متعاون مع أعداء الإسلام.

ويستند خطاب تنظيم داعش إلى تأويل مُعيّن للنصوص الدينية، مثل استخدام الآية "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"، لخلق سردية دينية مبررة للعنف والصراع.

ويعتمد التنظيم الإرهابي على استدعاء الشخصيات الإسلامية التاريخية، مثل الفاروق عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي، لربط الماضي بالحاضر، في محاولة لشرعنة العنف المستقبلي ضد الأعداء من خلال استحضار رموز البطولات الإسلامية.

ويستفيد خطاب تنظيم داعش من أسلوب التهديد والتحذير ضد الإخوان والشيعة، حيث يُصوَّرون على أنّهم الخطر القريب على المسلمين، ويؤكد أنّ هذا الصراع جزء من "مكر الله" الذي سيحقق في النهاية الانتصار للمجاهدين، محاولاً خلق تصور بأنّ التنظيم يقف على الجانب الصحيح من التاريخ الديني.

ويستخدم تنظيم داعش خطاب التكفير لوصف الإخوان بأنّهم مرتدون، وليسوا جزءاً من المجتمع الإسلامي. هذه الاستراتيجية تعزز الشرعية الذاتية للتنظيم الإرهابي، وتقلل من شرعية الجماعة، وتصنّفهم كجزء من "العدو الداخلي"، وهو أسوأ من العدو الخارجي (اليهود أو الشيعة) في نظرهم.

تنظيم داعش يتهم الإخوان بانتهاك مبدأ "الولاء والبراء" في الإسلام، ويزعم أنّهم تحالفوا مع إيران والشيعة، وأصبحوا أدوات في يد العدو المشترك. وهذه الرسالة تعزز فكرة أنّ الإخوان قد "خانوا" عقيدة التوحيد والولاء الكامل للإسلام، ممّا يبرر عند تنظيم داعش استهدافهم والهجوم عليهم.

هذه الخلافات بين تنظيم داعش والإخوان لا تدحض حقيقة أنّ كل الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة جماعة الإخوان المدرجة على قوائم الإرهاب. وقد قال الكاتب والمفكر السياسي الدكتور رفعت سيد أحمد: "إنّ معظم الجماعات الإرهابية التي ظهرت في الشرق الأوسط خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، وإنّ منهجها وفكرها أساسه القتل والإرهاب".

وأضاف خلال لقاء تلفزيوني: إنّ الشعب المصري كان يفهم تلك الجماعة وأفكارها المتطرفة، لذا كان ذكياً في التعامل معها ورفض سيطرتها على مفاصل الدولة، وفق ما نقلت الهيئة الوطنية للإعلام.

وذكر سيد أحمد أنّ المواجهة مع تلك الجماعات خيارات حياتية وليست ظرفية، لهذا يتوجب على الكاتب أو المثقف عدم التردد في الكتابة وكشف مخططاتهم الإرهابية.

وتابع: "حتى لو أصابك الخوف والارتباك والتردد، فيجب ألّا تظل صامتاً في مواجهة هذا التيار، لأنّه يُعتبر تهديداً للأمن القومي بكل ما في الكلمة من معنى.

وأضاف الكاتب والمفكر السياسي: إنّ "الموسوعة التي أصدرها أخيراً عن تيار الإخوان عبارة عن وثائق تؤكد أنّ الإرهاب جزء من بنية هذه الجماعات، وأنّ الإخوان عبر تاريخهم الممتد جماعة كانت تدّعي الوسطية والحسنى والخير، لكنّها تمثل منذ تأسيسها حتى اليوم الخيمة التي خرجت منها تنظيمات (داعش والقاعدة والنصرة)، فهي تمثل عمود الإرهاب، ومن داخلها تخرج الجماعات المتطرفة.

الصراف: تنظيم داعش من ثمار ذلك الغرس الطائفي المتطرف في فروع الإخوان المسلمين في مختلف الدول، من خلال المدارس والكتاتيب الدينية. 

وفي السياق ذاته قال الكاتب الصحفي الكويتي أحمد الصراف في مقالة نشرتها صحيفة (القبس): إنّه لو نظرنا إلى الشحن الديني، الذي قامت به كل فروع الإخوان المسلمين في مختلف الدول، من خلال عشرات آلاف المدارس والكتاتيب الدينية في دولنا، وفي مدارس المسلمين في آسيا وأفريقيا، وحتى الدول الغربية، على مدى نصف قرن تقريباً، ومنها ما تسبب في ظهور طالبان والقاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخرى في باكستان وأفغانستان وسوريا والعراق وغيرها، لما استغربنا أبداً استمرار وجود تنظيم داعش بيننا، فهؤلاء هم ثمار ذلك الغرس الطائفي المتطرف.

الكاتب الكويتي: أحمد الصراف

وأضاف الصراف أنّ خير شاهد على تأثير هذه المدارس، وعلى ذكاء الحركة، أنّ أفعالها لم ينلها أيّ تكفير، أو حتى أيّ تنديد، من أيّ جهة دينية في أيّ دولة عربية أو إسلامية؛ وبالتالي لا تكمن المشكلة في تنظيم داعش، بل في المصدر الذي تنهل منه، وهو نفسه الذي غرفت وتغرف منه الحركات الأخرى، من إخوان وغيرهم، وبالذات النصوص التي تدفعها إلى العنف.

وشدد الصراف على أنّه لا يكفي التصدي أمنياً لهذه التنظيمات الإرهابية الخطيرة، بل يتطلب الأمر العودة إلى الجذور وتعديل المناهج وتغيير الخطاب الديني، وبغير ذلك فإنّ القضاء على تنظيم داعش لن يغيّر شيئاً، فسوف يظهر غيره حتماً!.

يُذكر أنّ الكثير من الباحثين والسياسيين قاربوا بين تنظيم داعش والإخوان، وأشاروا إلى أنّ أعمال العنف، التي قامت بها جماعة  الإخوان في مصر، بعد عزل الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي عام 2013، وما تلاها من أعمال تفجير وترويع، لم تختلف عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية