بوتين يقود العالم إلى حرب عالمية.. هل بدأت فعلاً؟

بوتين يقود العالم إلى حرب عالمية.. هل بدأت فعلاً؟


03/03/2022

المقارنة بين القوة الروسية والقوة الأوكرانية مقارنة غير عادلة، على الأقل بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ذهب إلى هذه الحرب بجرأة كبيرة، أو هكذا كانت حسابات الربح لديه، لقد بدأت الحرب على أنقاض توقعات كثيرة بأنها لن تبدأ، ستكون ضمن قائمة الحروب التي حدثت لكنها لم تقع بالفعل، على اعتبار أنها حدثت على شكل تهديد أو تلويح أو استعراض أو أوراق ضغط، لكنها لم تقع فعلاً على الأرض بتفاصيلها المتعددة من دبابات وصواريخ وقنابل ورصاص وجنود وقتلى ودمار.

المهم اليوم أنها وقعت، وأنّ روسيا أمام اختبار حقيقي، أن تكون أقدامها ثابتة لا تنزلق في وحل الأزمة، وأنّها أقوى من أن تسقط فريسة تهديدات وعقوبات وفشل مفترض.

     المقارنة بين القوة الروسية والقوة الأوكرانية مقارنة غير عادلة على الأقل بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين

لا يمكن قراءة قرار بوتين بوضع قوات الردع النووية في حالة تأهب قتالي خاص، باعتباره مفردة من مفردات الحرب التقليدية، أو أنه اختيار مريح، الممكن هو أنّ هذا القرار يميل إلى اعتبارات مخيفة بالنسبة لبوتين الذي بدأ وكأنه متفاجئ بأنّ هذه الحرب عملياً تجري على أرض روسيا كما تجري على أرض أوكرانيا، صحيح في روسيا لا توجد تهديم ودخان ورصاص، لكن يوجد بالمقابل خوف وقلق ومعاناة وربما رعب اقتصادي بسبب العقوبات القاسية.

اقرأ أيضاً: سفير أوكراني لـ "حفريات": بوتين يعيش واقعاً منسوجاً من الخيال

لا أريد أن أقول إنّه متفاجئ أيضاً بأنّ الحرب ستأخذ وقتها وتتمدد زمانياً، أكثر من اللازم، مما قد يساهم في تحطيم، أو بعبارة أكثر موضوعية خدش كبرياء الرئيس المصاب بميكافيلية عميقة، وإصابة القدرة الروسية الفائقة بسمعة سيئة أمام جيش وقوة عسكرية لا تعني أبداً ما يقوله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من تعبئة شعبية للقتال والصمود حتى آخر رصاصة أو آخر جندي، أو آخر لحظة ممكنة قبل دخول روسيا إلى كييف.

لا يمكن قراءة قرار بوتين بوضع قوات الردع النووية بحالة تأهب باعتباره من مفردات الحرب التقليدية

الرئيس الشاب زيلينسكي، واضح أنه يخاف قوة روسيا أكثر مما يطمئن لقوته وقوة بلاده وتماسكها، وصلابة موقفها العسكري خاصة أنّ للأوكرانيين تجربة مرة وصعبة مع روسيا منذ أن كان اتحاد سوفييتي من خلال حرب قديمة تعود لعام 1917 سقطت فيها أوكرانيا فريسة جيوش لينين الذي كان يعتبر أوكرانيا من عسكر أوروبا، وهو ما يتبناه بوتين اليوم، معتبراً أوكرانيا محتلة من قبل جيرانها الغربيين، على المستوى السياسي على الأقل، مما يشكل تهديداً لأمن روسيا القومي، وإن كان هذا التهديد تحت عنوان فضفاض يشمل أوكرانيا ويتجاوزها إلى حلف شمال الأطلسي.

كل حروب العالم، بتقديري لديها حمولات أو إحالات تاريخية، فهي لا تسقط من السماء فجأة، ومنها حرب اليوم في أوكرانيا، حرب مستمرة منذ ذلك التاريخ البعيد قبل مئة وخمس سنوات، مروراً بأزمة العام 2014 وعزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو، وما رافقها يرافق حرب اليوم من تنديدات أممية ودولية وعقوبات دولية على روسيا حكومة وأفراداً ومؤسسات وشركات.

اقرأ أيضاً: سياسيون لـ "حفريات": هل ينجح بوتين بإعادة كييف إلى "بيت الطاعة"؟

هي حرب مرشحة لأن تستمر وتطول وتخلق ظروفاً دولية مختلفة، فالعالم في طرف يريد أن يلقن روسيا درساً ضد الاستبداد، ولكن بدم أوكراني، وروسيا في طرف آخر، أو بوتين، يريد تلقين العالم درساً في القوة والكبرياء والتحدي. وقد اعترف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بأنّ هذه الحرب ستطول ومرشحة للتصعيد أكثر، وغموض النهايات أكثر، خاصة مع التهديد الروسي الخطير بالردع النووي. وهو تهديد قد يرقى إلى مستوى أخذه على محمل الجد بالنظر إلى شخصية فلاديمير بوتين وتلبسها بحالة ميكافيلية شرسة.

كل حرب تضع كلا طرفيها في أزمة حقيقية، روسيا في أزمة فعلياً، مع أوكرانيا، وبوتين في أزمة أيضاً، باعتباره طرفاً ثالثاً أو رابعاً إلى جانب العالم وعقوباته. والدليل أنّ من بين سيناريوهات الحرب ونهاياتها إسقاط بوتين، وليس هزيمة روسيا. في النهاية، روسيا لن تخرج مهزومة، قد لا تستطيع إسقاط نظام كييف ولا السيطرة عليها أو إخضاعها وتركيعها، لكنها قد تسيطر على مناطق إستراتيجية لها أهميتها، منها منطقة نوفوروسيا، أو ما يطلق عليها روسيا الجديدة، التي تعتبرها روسيا جزءاً تاريخياً من الإمبراطورية الروسية على البحر الأسود. أو ربما أن تمكث في حرب استنزاف طويلة الأمد.

    إذا خرج بوتين منتصراً تماماً من هذه الحرب سيكون كل العالم قد خسر تماماً أيضاً

إذا خرج بوتين منتصراً تماماً من هذه الحرب، سيكون كل العالم قد خسر تماماً أيضاً، وسيكون بوتين الرجل الذي يخيف العالم باستمرار، ويضعه في حالة قلق دائم، لكن السؤال، ماذا إذا كانت العقوبات غير كافية وقدرة أوكرانيا على الصمود ضئيلة ولا يمكن الوثوق بها، ما هو الخيار، يجيب على هذا السؤال الرئيس الأمريكي بايدن الذي صرّح بأنه لا بديل عن العقوبات سوى الحرب العالمية، وهذا يتقاطع مع تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف بأنّ الحرب العالمية النووية ستكون مدمرة. هذا الحديث عن حرب عالمية بتقديري ليس سوى نبرة تهديد عالية تدل على أنّ الطرفين الأقوى وهما روسيا من جهة والعالم من جهة أخرى الخسارة بالنسبة لهما غير مقبولة أو غير واردة. ووفق القاعدة السابقة "الحرب التي حدثت ولم تقع"، فإن الحرب العالمية تحدث اليوم. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية