سياسيون لـ "حفريات": هل ينجح بوتين بإعادة كييف إلى "بيت الطاعة"؟

سياسيون لـ "حفريات": هل ينجح بوتين بإعادة كييف إلى "بيت الطاعة"؟


01/03/2022

مع اليوم انقضاء اليوم الخامس للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تبرز من بين مشاهد الحرب اللاإنسانية، وتفاصيلها القاسية والمربكة، صورة مماثلة، لا تقلّ فداحة في ذاكرة العالم الذي لن يعود إلى ما قبل لحظة العدوان، وذلك على المستوى السياسي والاقتصادي والجيوستراتيجي، وقد ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يتراجع عن خططه، حتى لو كلفته خسارة 50 ألف جندي، بينما ترجح تقديرات مسؤولين غربيين عدد القتلى الروس، حتى نهاية اليوم الرابع، بنحو 3 آلاف قتيل، فيما تقول وزارة الدفاع الأوكرانية إنّ أكثر من 5000 جندي روسي قتلوا خلال الأيام الأربعة الأولى من شنّ موسكو عمليتها العسكرية.

ورغم عدم وجود بيانات رسمية روسية تشير إلى حجم الخسائر في صفوف القوات العسكرية الروسية، فإنّ وثيقة مسربة، حصل تلفزيون "آي تي في" البريطاني على نسخة منها، تشير إلى أنّ وزارة الصحة الروسية بعثت للشركات الطبية بضرورة "المشاركة على وجه السرعة في الأنشطة التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح والحفاظ على صحة الناس في روسيا".

المحلل السياسي زياد سنكري: الحرب بدأت، منذ سنوات

ولجلاء الصورة أكثر رغم ضباب الحرب وغبارها، استطلعت "حفريات" آراء ومقاربات أكاديميين وخبراء سياسيين من مواقع متفاوتة، لمحاولة الوقوف على طبيعة اللحظة السياسية، ومن ثم، تحديد تداعياتها ومآلاتها. وقد أكدت المصادر، في لقاءات منفصلة، على أنّ تسارع الأحداث بوتيرة تجعل مهمة التحليل عملية شاقة، لافتين إلى أنّ ثمّة "سياسة عالمية جديدة يجري رسمها، وأنّ قمة العالم تتهيأ لأوضاع مغايرة".

اقرأ أيضاً: ألمانيا تدخل حقبة جديدة في سياستها العسكرية.. ما علاقة الحرب الروسية الأوكرانية؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، يوضح المحلل السياسي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، أنّ ما يشاهده العالم من الغزو الروسي لأوكرانيا، يعبّر عن تطور خطير في العلاقات الدولية، كما يفتح الباب أمام الخيارات العسكرية لجهة فرض شروط سياسية، مضيفاً أنّ "الحرب بدأت، منذ سنوات، حينما ضمّ بوتين شبه جزيرة القرم، ثم تابع وراقب ردّ فعل المجتمع الغربي المخيب للآمال".

متغيرات جديدة

كما أنّ ما حدث في أوكرانيا يعدّ بمثابة محاولة من موسكو، لجهة إعادة رسم الخريطة السياسية العالمية، بحسب سنكري، حيث إنّ بوتين يريد إعادة كييف إلى "بيت الطاعة"، ليثبت أنّ الحرب الباردة لم تنتهِ بفوز المعسكر الغربي بزعامة أمريكا، بالتالي، فالعالم على حافة حرب باردة جديدة، هذه المرة، بين الأنظمة الأوتوقراطية المتمثلة بالصين وروسيا، في مواجهة الأنظمة الديمقراطية، بينما يتبلور "حلف براغماتي وعملي" قائم على المصالح بين موسكو وبكين تغيب عنه الأيديولوجيا.

المحلل السياسي زياد سنكري لـ "حفريات": "ما حدث في أوكرانيا جرس إنذار للولايات المتحدة وحلفائها، بأنّنا دخلنا حرباً باردة جديدة وأنّ بوتين يريد إعادة كييف إلى "بيت الطاعة"  

ويردف: "ما يزيد الطين بلة أنّ هذه الأنظمة الأوتوقراطية تتمدّد بينما الأنظمة الديمقراطية تتراجع وتظهر دائماً في محاولة الدفاع".

وعليه، فإنّ ما حدث في أوكرانيا هو "جرس إنذار" للولايات المتحدة وحلفائها، بأنّنا دخلنا أو على وشك دخول حرب باردة جديدة، بحسب المحلل السياسي المقيم في واشنطن، كما أنّه على الدول الغربية التحضير للمواجهة، واستلام زمام المبادرة، للانتقال من ردّ الفعل إلى المواجهة، وهذه المواجهة ستكون أخطر وأشرس من تلك التي شهدناها بعد الحرب العالمية الثانية.

المحلل السياسي مايكل مورغان: الرئيس الأوكراني محبط من أوروبا والناتو

يتفق والرأي ذاته، المحلل السياسي في مركز لندن للسياسات السياسية والإستراتيجية مايكل مورغان، والذي يؤكّد على أنّ هناك تطورات سريعة جداً في ملف الأزمة الأوكرانية، بينما أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إحباطه من مواقف الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لا سيما مع الدعم المحدود وغير المباشر من قبل هذه القوى، بيد أنّ الكونغرس وافق على ضخّ 604 مليار دولار لكييف، كدعم مادي في مواجهة الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

زيلينيسكي يريد معاقبة حلف الناتو

وفي ظلّ هذه الأوضاع، أعلن الرئيس الأوكراني؛ أنّه على استعداد للتفاوض مع موسكو، وكذا الجلوس على طاولة المفاوضات، حسبما يوضح مورغان، مشيراً في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ "هناك اعتقاداً، يجري على استحياء، بأنّ زيلينيسكي يريد معاقبة حلف الناتو بالوصول إلى اتفاق مباشر مع روسيا، والخضوع لبعض مطالبها وأهمها عدم الانضمام إلى حلف الناتو".

 

اقرأ أيضاً: شطب التمثيل الإخواني بالمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا.. ماذا بعد القرار؟

ويردف: "قد جاء الردّ من بوتين بعدة طلبات قبل الموافقة بشأن الجلوس على مائدة التفاوض، ما أثار حفيظة الرئيس الأوكراني؛ حيث صرح بأنّها شروط غير واقعية وغير مناسبة، مما يعزز الأخبار المتداوله أنّ بوتين طلب من الجيش الأوكراني تولي السلطة في كييف، بما يعني عزل زيلينسكي أو تخليه عن السلطة".

ويرجّح مورغان أنّ روسيا قد كسرت "حاجز الخوف" من العقوبات الأمريكية والأوروبية، مما سيرفع سقف مطالب بوتين عما كان قبل الحرب، كما أنّ ظهور اضطرابات في ملف تايوان سيجعل الصين ربما تتخذ إجراءات عسكرية في هذا الاتجاه، نظراً للتوتر الشديد وتباين وجهات النظر بين القوى العظمى العالمية، خاصة في ظل انهيار الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار الطاقة.

ويخلص المحلل السياسي في مركز لندن للسياسات السياسية والإستراتيجية، إلى أنّنا بصدد "أوضاع كارثية على الخريطة العالمية، تنذر باضطرابات كبيرة قادمة، وتغيير في موازين القوى العالمية".

د. دلال محمود: المصالح الروسية في أوكرانيا إستراتيجية

وبينما شرع مجلس الأمن الدولي، قبل أيام، في عقد جلسة للتصويت على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة وألبانيا لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كما يطالبها بضرورة سحب قواتها العسكرية على الفور، إلا أنّ النتائج جاءت بحسب التوقعات، ولم تحقق ثمة فائدة عملية أو سياسية.

اتفاقيات مينسك تحمل تناقضاً

وقال المحلل السياسي الأمريكي، مهدي عفيفي العضو في الحزب الديمقراطي، إنّه كان من المتوقع إدانة موسكو من قبل مجلس الأمن مع اعتراض روسيا باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن، كما سيكون بمقدورها استخدام حقّ الفيتو، مؤكداً لـ "حفريات"؛ أنّ الإدانة لن يترتب عليها أيّ "أفق سياسي أو واقع ميداني وعسكري على الأرض"؛ إذ إنّ المجلس لا يملك قوة عسكرية مسلحة يحقق من خلالها نتائج مباشرة سواء تجاه روسيا أو غيرها.

المحلل السياسي في مركز لندن للسياسات السياسية والإستراتيجية، مايكل مورغان لـ"حفريات": إنّنا بصدد أوضاع كارثية على الخريطة العالمية، تنذر باضطرابات كبيرة قادمة، وتغيير في موازين القوى العالمية

وبسؤال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتورة دلال محمود، عن وضع اتفاقية مينسك، والتي كانت الإطار الدبلوماسي للحلّ السياسي للأزمة الأوكرانية، تجيب: "اتفاقيات مينسك تحمل تناقضاً في طبيعتها؛ إذ إنّها تؤكد خصوصية إقليمي الدونيستك واللوغانيسك لروسيا داخل أوكرانيا، ولم يكن خافياً على أيّ من المتخصصين أنّ الرغبة في الانفصال، أولاً، والانضمام المحتمل لروسيا لاحقاً، من بين الأهداف المتأصلة لدى هذين الإقليميين، وقد أعلنا، عام 2014، الرغبة في الانضمام لروسيا، لكنّ الأخيرة لم تستجب حينها، واكتفت بالحصول لهما على ضمانات بوضعية خاصة داخل أوكرانيا".

 

اقرأ أيضاً: مدفوعاً بحرب أوكرانيا... خام برنت يتجاوز الـ100 دولار لأول مرة منذ 2014

وتضيف محمود لـ "حفريات": "لذلك ليس من المستغرب تبادل الاتهامات بين موسكو وكييف بالخروج على اتفاق مينسك. لكنّ العبرة، الآن، بوضعهما النهائي؛ فإنّ اعتراف روسيا باستقلال هذين الإقليمين كجمهوريتين جديدتين يزيد من فرصة ترسيخ تقسيم أوكرانيا، خاصة إذا ما ظهرت دول أخرى تعترف بهما أيضاً، وهذا يعنى انفصال شرق أوكرانيا، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مستقبل أقاليم أخرى مثل دونباس".

 والمرحلة الحالية، وفق أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تنذر باختفاء الاتفاق المذكور نهائياً، وربما إذا تطورت المواقف الدولية في اتجاه التفاوض مع روسيا سيكون المطلب هو ضمان استقلالهما، لا العودة لما قبل الاعتراف الروسي بهما، مؤكدة أنّ "المصالح الروسية في أوكرانيا إستراتيجية لحماية أمنها القومي من الاختراق الغربي. وسواء اتفقنا مع هذا التقدير الروسي أم لا، فإنّ هذا ما تفعله روسيا وعلى الدول الغربية أن تتعامل مع هذا التقدير حتى تتخذ قراراً مناسباً".

تقسيم أوكرانيا

وثمّة مقاربة أخرى فيما يتّصل بالسؤال ذاته، يطرحها المحلل السياسي الروسي، دينيس كوركودينوف، والذي يرى أنّ إقليم دونباس يشمل تقليدياً أراضي منطقتي لوغانسك ودونيتسك، بينما يغطي جزءاً كبيراً من دونيتسك، بالإضافة لأجزاء أخرى من مناطق لوغانسك نيبروبيتروفيسك في أوكرانيا ومنطقة روستوف في روسيا، موضحاً لـ "حفريات"؛ أنّ دونباس لها أهمية إستراتيجية في نظر القادة العسكريين الروس والأوكرانيين، على حدّ سواء، لا سيما أنّ رئيس أوكرانيا سبق أن ذكر أنّ بلاده لن يكون بمقدورها الصمود لمدة 2 إلى 5 أعوام من دون موارد الفحم والغاز في دونباس.

 

اقرأ أيضاً: تداعيات الأزمة الأوكرانية على المسألة الإيرانية

في المقابل، تعدّ دونباس ذات أهمية قصوى لموسكو، ليس فقط لكونها أداة للضغط الإقليمي، لكن أيضاً باعتبارها مجالاً حيوياً للموارد الإستراتيجية، وهي موارد لا يمكن الاستغناء عنها لتطوير القدرات العسكرية، وفق كوركودينوف.

وبالعودة للمحلل السياسي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، فإنّ الصراع يتلخص في طموح بوتين الجيوساسي لإعادة رسم خريطة المنطقة، وذلك في ظل محاولة استعادة هيمنة روسيا على فضاء الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي يفرض على أمريكا وحلفائها الغربيين ضرورة احتواء الكرملين لمنع أيّ تهديد لأمن واستقرار أوروبا.

 

اقرأ أيضاً: ما موقف الأمريكيين من تدخل بلادهم في أزمة أوكرانيا؟.. استطلاع جديد يجيب

ومن هنا، يتعين النظر إلى المنطقة الواقعة في شرق أوكرانيا على ضوء أهميتها الجيوسياسية، بحسب سنكري، فضلاً عن أهمية اقتصادية مؤثرة، إذ يحتوي الإقليم على مناجم الفحم، ويعدّ مركزاً للصناعات المعدنية والثقيلة، بالتالي، يستغلّ بوتين المكانة الجغرافية والاقتصادية لدونباس ومنطقة شرق أوكرانيا، خاصة أنّ معظم سكان الإقليم يتحدثون اللغة الروسية، مما يمكنه من إظهار نفسه بأنّه المدافع عن الهوية الروسية، وهو بهذا يوجه رسالة من دونباس لأوكرانيا وكل الدول الواقعة في المدار الروسي، أنّ بمقدوره تكرار ما يفعله بأوكرانيا.

 

اقرأ أيضاً: ماذا يريد ماكرون من وراء وساطته لحل أزمة أوكرانيا؟.. محلل إيطالي يجيب

ويرجح سنكري أن تكون دونباس بمثابة "خطوة بوتين الإجرائية الأولى" التي تهدف إلى تقسيم أوكرانيا، والإمساك بشرقها وجنوبها، بغية السيطرة على النفط والموارد الطبيعية، وكذا مناطق التصنيع العسكري، ثم حرمان كييف من أيّ منفذ على البحر الأسود وبحر أوزوف. ويختتم: "بوتين لا يعترف باستقلال أي من هذه الدول، ويضعها بين خيارين إما البقاء تحت النفوذ الروسي، أو سيكون التوتر وعدم الاستقرار هو الخيار الآخر".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية